غسان مطر.. الفلسطيني شرير الشاشة الذي فقد عائلته في سبيل النضال

غسان مطر.. الفلسطيني شرير الشاشة الذي فقد عائلته في سبيل النضال

بمجرد أن بلغ الشاب الفلسطيني غسان مطر العشرين في عام 1958، توجه إلى جيش التحرير الفلسطيني الذي يجري إعداده في بغداد وقتها، كي يصبح ضابطًا يقاتل في سبيل قضية بلاده.

لم تسمح الظروف لـ«غسان» المتحمس أن يعلّق شارة الضابط فوق كتفيه في ميدان المعارك، مما دفعه لاختيار ميدان الفن كممثل ومناضل في ذات الوقت.

غسان مطر أو اسمه الأصلي «عرفات داوود حسن المطري» ولد في مدينة يافا الفلسطينية ثم ارتحل إلى طرابلس في لبنان، نعرض في هذا التقرير لمحطاته النضالية والوطنية.

لماذا تغير المسار؟

رفضت إدارة الجيش برئاسة وزير الدفاع العراقي عبد الكريم القاسم أن تقبل غسان مطر ضمن صفوف المقاتلين، بسبب اتهامه بالتحريض لأنه ناصريًا، الشيء الذي لم ينكره منذ التحق بحركة القوميين العرب.

يحكي غسان مطر في برنامج «مصر في يوم» على فضائية «دريم» عن حماسه الشديد لخطاب الرئيس جمال عبد الناصر وقت العدوان الثلاثي سنة 1956، حينها ناشد الرئيس دول عديدة بالدفاع عن البلاد ضد المعتدين.

وقتها ساعد غسان أحد الفدائيين في قراءة خطاب الرئيس المنشور في الصحف، ليتفاجأ بأن هذا الفدائي نفذ عملية تفجير لأنابيب البترول في طرابلس اللبنانية، وحين أمسكت به السلطات اللبنانية ذكر اسم الصبي الذي قرأ له الخطاب، فصار غسان مطر متهمًا بالتحريض دون تعمد.

هجمة في منتصف الليل

كان عمر غسان وقتها 16 عامًا، لكن الشرطة أمسكت به وساقته إلى المعتقل ليلتقى الفدائي الذي شهد عليه، فاضطر إلى حكاية قصته مع خطاب الرئيس الذي تسبب في هذه العملية حين سمعه الفدائي، لتثبت عليه تهمة التحريض.

استدعت السفارة المصرية محاميًا للدفاع عن الفدائي والمحرض، وحكمت المحكمة بـ 3 شهور مع وقف التنفيذ على غسان مطر، لهذا حرمته هذه الواقعة من القتال في الجيش، لكنه ظل عضوًا في المجلس المركزي الفلسطيني الذي يضم كافة التنظيمات الفلسطينية.

مذيع الثورة

استمر غسان مطر في المشاركة بالعمل الحربي حين قامت ثورة لبنان الشعبية ضد حكم الرئيس كميل شمعون، فسافر إلى شمال سوريا ليحضر 21 بغلاً محملين بالأسلحة من أجل القتال، بالإضافة إلى أدوات إذاعية ليكون للثورة راديو خاص بها.

في طريق العودة إلى لبنان مجددًا، تعرف غسان مطر على «نايف حواتمة» الذي أسس الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين، وعندما وصلت المسيرة إلى طرابلس اللبنانية كتب «نايف الحواتمة» تقارير الثورة السياسية ليذيعها غسان مطر بصوته.

أما في 3 يناير سنة 1965، فقد أذاع غسان مطر بيان أول عملية تنفذها حركة التحرير الوطني الفسطيني «فتح» لتنتشر الفرحة في مخيمات لبنان احتفالاً بهذا النجاح في اليوم التالي، وكي يتجنب المذيع أي مساءلة قانونية نقل البيان عن وكالة «رويترز» الدولية للأخبار.

دخل الفن من باب النضال

مع مجيء نكسة 1967، كان غسان مطر يكتب فيلمًا بعنوان «كلنا فدائيون» عن العمل الوطني، إلا أن طاقم الفيلم تعرض لمقاومة السلطات اللبنانية ومات المخرج نتيجة للصدام، لكن غسان أكمل العمل بكتابة فيلمه السينمائي «الفلسطيني الثائر».

في أعقاب النكسة، كان المطرب عبد الحليم حافظ موجودًا في لبنان لإحياء حفلتين غنائيتين بصحبة غسان مطر، لكن تنحي الرئيس جمال عبد الناصر المفاجئ جعله يغير برنامجه إلى الأغاني الوطنية فقط، وقدمه غسان مطر على المسرح أمام 20 ألف مُشاهد، ليطرده التليفزيون اللبناني بعدها بيوم واحد باعتباره عاصيًا.

ولم تنقطع صلة غسان مطر بالعمل الوطني، فساعد الرئيس ياسر عرفات في تكوين ميليشا مُسلحة بلبنان، وتوصيل الرسائل بين «عرفات» وبين الرئيس السادات، أما فاجعته الكبرى فحصلت سنة 1985 قبل «حرب المخيمات» بين السوريين واللبنانيين.

اغتالت القوات السورية عائلة غسان مطر بأكملها، الأم والزوجة والابن، لأنه كان المذيع الرسمي للحرب، لكن بناته فلتوا من المذبحة وأرسلت السفارة المصرية طائرة خاصة لإحضارهم إلى غسان الذي كان يصور مسلسل «محمد رسول الله» في مصر.

يُذكر أن غسان مطر ولد يوم 8 ديسمبر 1938 ورحل عن عالمنا في يوم 27 فبراير 2017 بعد معاناة مع المرض، برع في أدوار الشر ومن المناصب الهامة التي شغلها رئيس اتحاد الفنانين العرب.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة