عبد الفتاح مصطفى.. مأمور الضرائب الذي كتب لله «أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي»

عبد الفتاح مصطفى.. مأمور الضرائب الذي كتب لله «أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي»

نادرون جداً من يعرفون أن أغنية «أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي» التي كتبها الشاعر الغنائي عبد الفتاح مصطفى وغنتها كوكب الشرق أم كلثوم لم تُكتب كأغنية عاطفية لمناجاة حبيب، وإنما كُتبت في حب الله. زياد عساف روى القصة كاملة في الجزء الثاني من كتابه «المنسي في الغناء العربي».

لمسة صوفية

بهدوء الواثق من نفسه أخذ عبد الفتاح مصطفى ينظر لأم كلثوم وهي تقرأ الكلمات التي ستغنيها من تأليفه، وسرعان ما استوقفها مقطع الأغنية «أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي.. أقولك إيه ومن غيرك داري بي.. ليالي في هواك أسهر وأفكر.. ومهما قلت لك في القلب أكتر».

وبدعابتها المعروفة قالت له سيدة الغناء العربي: «باين إنك عايش قصة حب.. حاقول لزوجتك»، فأجابها أن هذه الكلمات ليست في حب سيدة، لكنها في حب الله.

هذا الرد عبّر عن إنسان متصوف أثبتت أعماله فيما بعد أنه يتمتع بشفافية عالية، وروح صافية، ولمسة صوفية سواء في الأغنية العاطفية أو الوطنية أو الدينية، كما أن كلمات أغانيه تعكس انطباعا بأنه صاحب هوية خاصة تميزه عن كثيرين من مؤلفي الأغاني.

وبقدر ما كان «مصطفى» زاهدا في الحياة، كانت وسائل الإعلام الأكثر زهدا لحد التقصير بتذكير الأجيال بأعماله، التي بمجرد استعادتها يستنتج كثيرون أنها من أجمل الأغاني العربية.

مأمور ضرائب

في بداية عام 1924 قُيد في سجلات مواليد حي الجمالية بالقاهرة باسم عبد الفتاح مصطفى الغمراوي، وتعلم بمدارس هذا الحي العريق مُنهيا المرحلة الابتدائية والثانوية، والتحق بعد ذلك في كلية الحقوق وتخرج فيها عام 1952، ثم حصل على دبلوم الشريعة الإسلامية عام 1954.

في بداية حياته العملية عُين مأمورا للضرائب في الشهر العقاري بالقاهرة والجيزة، وعمل بعد ذلك كمستشار قانوني في المؤسسة المصرية العامة للإسكان في بداية الستينيات، والتحق بعدها بمهنة التدريس كأستاذ زائر بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إلا أن موهبته الشعرية ظلت تلح عليه بعد أن بدأت ملامحها تظهر وهو في مرحلة الدراسة الثانوية.

وفي أربعينات القرن الماضي بدأ بنشر قصائده في الصحف، وتصادف أن قرأ أحد المسئولين بالإذاعة إحدى قصائده التي استوقفته، مما سهّل له بداية التواصل مع الإذاعة المصرية، والتي طلب مسئولوها منه كتابة المزيد من القصائد من ضمنها قصيدة «عروس النيل» التي أعجبت الموسيقار محمد عبد الوهاب وقام بتلحينها.

من هنا كانت بداية عبد الفتاح مصطفى للانطلاق في عالم الغناء والشعر، وتغنى بأشعاره أشهر المطربين بما أنتجه من أغنيات وقصائد ارتبطت بأسماء أشهر الملحنين في مصر والعالم العربي، أمثال أحمد صدقي، ومحمد الموجي، وبليغ حمدي، ومحمود الشريف، وسيد مكاوي، وعبد العظيم عبد الحق، وعبد الحليم نويرة، وجمال سلامة، ورياض السنباطي، ومحمد فوزي، ومحمد محسن.

نشأة دينية

ولـ«مصطفى» تجربة مهمة ومتميزة في مجال الأغنية الدينية، فكتب العديد من هذه الأعمال التي لم تعد تحظى بأعمال موازية لها تناظرها أو تنافسها في السنوات التالية لغنائها.

ولم يأت اهتمامه بالأغنية الدنيية أو الصوفية من فراغ، بل كان نتاجا لعوامل كثيرة أسهمت في تعزيز الجانب الديني في شخصيته. فهو ابن العالم الأزهري مصطفى الغمراوي، وتوفى والده وهو في مرحلة الطفولة وتولت والدته شئونه وربته على القيم ودرس العلوم الشريعة.

كان نتاج ذلك العديد من الأدعية والابتهالات والأغاني الدينية التي لا تزال تُذاع في المناسبات مع ارتباطها باسم المطرب فقط، وقلة من يعرفون المؤلف لهذه الأعمال. من أهمها الأناشيد والتواشيح التي تغنى بها شيخ المداحين سيد النقشبندي، وألحان بليغ حمدي «مولاي إني ببابك»، و«أقول أُمتى»، و«رباه من أناجي بكل الوجود»، و«بحمدك ربي».

وبهذه الابتهالات استطاع «مصطفى» أن يجمع بين الموسيقار بليغ حمدي، وسيد النقشبندي، كون الأخير رفض في البداية التعاون مع «بليغ» لارتباط اسمه بأغاني الحب والعشق.

من كلماته أيضا أتحفتنا شريفة فاضل بأغنيتها الشهيرة «والله لسه بدري يا شهر الصيام»، ومحمد قنديل بـ«لا إله إلا الله» و«كل عام وأنتم بخير»، وإسماعيل شبانة بـ«التوبة في رمضان» و«ساحة الغفران».

ومن المحطات المهمة في مسيرته أيضاً تعاونه مع محمد الموجي الذي لحن من كلماته مجموعة أدعية أداها عبد الحليم حافظ، وفيها ظهر الصدق والإحساس في صوته خصوصا أنه كان يعاني اشتداد المرض وقتها، وبدا وكأنه يناجي الله في خلوته وهو يردد «نفضت عيني المنام»، و«يا سامع دعايا»، و«بيني وبين الناس» و«الحبة في الأرض»، و«التوتة والساقية» و«الدعاء الأشهر «خليني كلمة».

وكان من الطبيعي أن يكتب عبد الفتاح مصطفى المتصوف بطبعه أغانٍ وصفية من تأليفه، تتغنى بالطبيعة مثل «بالليل الورد» و«أحب الحياة» لسعاد محمد، و«ثلاث نجمات» و«أنا والنجوم صاحيين» و«عيد الربيع» لنازك، و«سر الزهور» عباس البليدي.

المصدر

  • كتاب «المنسي في الغناء العربي. الجزء الثاني». زياد عساف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية