عزة سلطان تكتب: متلازمة البُعد وسوء الظن
كانت الأيام تمر مثل خيط انفلت من مساره، كم يوم تاه في بُعدك؟
علّ حساب الأيام وأوقات البعاد أمر موجع، ذلك الألم الذي يحفر واديه فى الروح، فنبيت فى أنين ودمع، تلتهمني الظنون عن الغياب، من قال إن المحبة توفر حُسن الظن؟
نحن النساء نلوك السيناريوهات السوداء إذ ما جهلنا الأمر، هي حقيقة وإن ادعينا العكس، نبدأ فى سرد وجع البُعد، نتحدث عن الوحشة التي تأكل الروح، الرجفة التي تسري فى الأوردة، وسوف تتكفل أخري بنبش قبور الوقت.
أين هو؟ كيف يمضي وقته؟ هل العمل يحتاج كل ذلك؟ وعشرات من الأسئلة ستنتهي إلى طريق صاعد من سوء الظن.
لا.. لا لن يتوقف الأمر عند ذلك
بل أننا نحن النسوة سنعتمد سوء الظن ونكمل حكاياتنا انطلاقًا من إحدى الحكايات التي بدت أقرب إلى تصوراتنا، وبالأحرى ستكون النتائج مشتملة على أنثى مجهولة، وإهمال متعمد ذلك الذي يعكس بصورة أو أخرى انتفاء الحب.
تؤجج الظنون بُعد متعمد أو غير متعمد، إهمال للوصل، تجاهل لاتصالات تأتي في أوقات تلائمه أو لا تلائمه لكنني لا أعرف، أرى تواجده على منصات التواصل الاجتماعي، تعليقاته وإعجابه، صوره المتناثرة، ويُصبح السؤال الأوضح: إذا كان يملك من الوقت ما يهدره على منصات التواصل الاجتماعي فلماذا هو ليس هنا الآن؟
لا شك أن درجات الوعي عندنا نحن النساء تختلف، وكذلك الثقافة، وسنتحدث عن تغييرات فى التكوين لها علاقة بمستوى التعليم والتربية والشريحة الاجتماعية، كل ذلك هام ولا يمكن التغافل عنه، لكن هذه عوامل تنعكس على رد الفعل، فامرأة أخرى سوف تغضب وتصرخ، وثانية ستبكي، وثالثة ستعامله بعناد، وتتعدد أشكال ردة الفعل، لكن نحن النساء سنبقي على درجات ليست قليلة من سوء الظن والتصورات السلبية عن الشريك.
ستقف إحدانا مرتدية ثوب الحكمة وهي تدعي أن العتاب على قدر المحبة، والحقيقة أن ذلك ليس عتابًا، بل هي محاكمة نُصِبت لشخص في غيابه، وخيالات ربما لن تكون حقيقية، فكيف يمكن أن نُعاقب شخصا على خيالاتنا، وأحلامنا التي ظهرت فيها امرأة أخرى متأبطة لذراعه، وابتسامة منه نحو أخرى، أو حتى انفلات نظرة إعجاب لامرأة مارة بينما هو مع شريكته؟
كل تصرفاته يُعاد تأويلها في صالح كوابيس الوجع والبعد، فهل نحن النساء آثمات بهذا الشكل؟
نعم نمتلك خيالات أوسع، دربتنا عليها الوحدة والفراغ، ومساحات لا بأس بها من سوء الظن ورثناها من خيانات وانكسارات لأخريات وربما جزء منها ميراث شخصي، لكن الرجل يُشارك فى مسئولياته.. يدفع ثمن لا مبالاته.
البدايات كلها حلوة، هذا صحيح للغاية، هي حلوة بشكل مبالغ فيه، مشفوعة باهتمام لن يتكرر بعد ذلك، بحنين ومودة الحفاظ عليهما يحتاج جهد، حين ينخرط الرجل فى عمل، لا يعبأ بشريكته، لا يكترث أن يكتب لها رسالة، يُسارع فى وقت فراغه المحدود إلي الترفيه عن نفسه بمعزل عنها، شيء بداخله لا يهتم بإحطاتها بأوقات انشغاله، أو ما يطرأ عليه من أسباب للبعد.
لا أُحب هؤلاء الذين يبدأون علاقاتهم بذكر تقارير تفصيلية ليومهم، ذلك أن دوام هذه التقارير من المحال، سواء على الرجل أو المرأة، فليس لأسباب الملل فقط، ولكن أيضًا لأن الإنسان يهرب من أي رقابة قد تُفرض عليه، بعد أن تبهت البدايات سيهرع كل من الطرفين إلى ملء الفراغات بالكذب أحيانا، وأحيانا أخرى باسقاطها، وستبدو فترات البعد طويلة جدًا، خاصة إذا كانت الشريكة لا تملك من الأعمال والمهام ما يملأ الوقت.
نحن إذن من نحرث أرضنا بتأهيلات سوء الظن، نحن من نبدأ بتقديم تقارير تفصيلية ثم نعجز بعد ذلك، بل الأسوأ أنها تتوقف فجأة بما يصنع فجوة ستتحول فيما بعد إلى أتون لطهو الظنون، وإلقاء ظلال الشك.
فى البدايات نُفرط فى القُرب، نكاد نتحد وننسي أن الحياة ليست وردية، وأن الإنسان لا يمكنه ملازمة شخص واحد طيلة الوقت دون أن يفهم.
عزيزي الرجل إذ حرضك الشغف على الاقتراب المبالغ فيه، فاحرص على قدر من التوضيح حين تغيب، فنحن لن نستطع صبرًا إذا جهلنا أسباب الغياب.