نزلة السمان وماسبيرو وغيرهم.. أعوان الحكومة يبحثون عن مُنقِذ
شهدت منطقة نزلة السمان التابعة لحي الأهرامات اشتباكات محدودة بين عدد من الأهالي، وقوات الشرطة، التي قدمت لتنفيذ قرار بإزالة بعض العقارات المخالفة، بالقرب من منطقة الأهرام السياحية بالجيزة، لكن سرعان ما سيطرت الشرطة على الأجواء بعد إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وتفريق الناس، ونفذت ما جاءت من أجله.
أهالي نزلة السمان الذين شكلوا جزء رئيسيا من الأحداث السياسية في مصر خلال السنوات الثمانية الماضية، يخشون من مصير سبقهم إليه سكان منطقة مثلث ماسبيرو المتاخمة لمبني التلفزيون الحكومي، ووزارة الخارجية، حيث وفرت الحكومة مباني أخرى للسكان مقابل الحصول على أراض المنطقة التي تطل مباشرة على النيل، استعداد لتشييد مشروعات تنموية وعقارية ضخمة في هذه البقعة المميزة.
أعوان بلا حماية
كانت الحكومات المتعاقبة منذ نهاية حكم الرئيس مبارك، تعتمد على بعض سكان المناطق العشوائية وعلى الأخص «ماسبيرو- بولاق أبو العلا- نزلة السمان- الوراق» في الأحداث السياسية الكبرى، لردع مطالب بعض الفئات السياسية الناشئة سواء كانوا ثوريين أو إسلاميين، أو حتى محتجين عاديين رفضوا بعض قرارات الحكومة، لكن الوضع الآن أصبح مختلف تماما فمن كانت الحكومات تستعيدهم لمعاونتها باتوا في مرمى النيران.
في تعليقهم على الأحداث مازال بعض أهالي منطقة نزلة السمان، يراهنون على الثقل الاجتماعي والسياسي الذي تلعبه العائلات هناك، وأنهم يختلفون كليا عن أهالي مثلث ماسبيرو، وأهالي جزيرة الوراق، حيث أن عائلات النزلة غالبيتهم أصحاب بازرات سياحية، ومن كبار التجار، وربما تتفاوض معهم الحكومة، بدلا من اللجوء لفرض الأمر الواقع كما حدث في مناطق أخرى.
نزلة السمان وموقعة الجمل
قبل 7 سنوات من الآن هاجم عدد من البلطجية، مدعومين بأسلحة بيضاء، المتظاهرين في ميدان التحرير من ناحية عبد المنعم رياض، ووقتها اتهم أهالي منطقة نزلة السمان بالمشاركة في تلك العملية، حيث كان المهاجمين يركبون خيول وجمال، عادة ما تتواجد في هذه المنطقة.
لم يقف الأمر على مجرد اتهام عابر، بل ظهرت دلائل كثيرة تشير لأن البلطجية الذين قدموا للدفاع نظام الرئيس مبارك كان غالبيتهم من منطقة نزلة السمان، ومنطقة مثلث ماسبيرو، وحي بولاق أبو العلا، حتى أن بعض الأعمال السينمائية التي تناولت هذه الفترة أظهرت المكان وكرا للبلطجة، بينما أعمال أخرى حاولت الدفاع عن الأهالي، من باب أن من شارك في هذه الأحداث كانوا قلة، ولا يجوز سحب الاتهام على الجميع.
أعوان النظام السياسي في مصر من البلطجية ومعتادو الإجرام بدأوا في الظهور منذ انتخابات عام 1976، وكانت أول انتخابات برلمانية، تحدث بعد فترة التعددية السياسية التي أقرها نظام الرئيس أنور السادات.
ووقتها كانت بعض المجموعات اليسارية والناصرية تتمتع بجزء من التأييد وهو ما رفضه النظام وقتها وحاربه من خلال البلطجية، الذين كانوا يؤدبون الخصوم، ويزيلون الدعاية السياسية لخصوم الحزب الوطني.
تدلل على ذلك ورقة بحثية أعدها الباحث محمد أحمد أبو زيد، ونشرت في مجلة السياسية الدولية، تحت عنوان «معتادو الإجرام في فترات ما بعد الثورات» حيث أنه يشير إلى أن هذه الظاهرة لم تظهر بعد ثورة 25 يناير 2011، لكنها وجدت في المجتمع المصري، قبل ذلك بعشرات السنوات، ومرت بتحولات وتطورات كثيرة، ربما كان أكثرها وضوحًا ما ارتبط بالفترة التالية على الثورة.
المواطنون الشرفاء
في أواخر عام 2012، بدأ مطلح المواطنون الشرفاء يظهر في الأوساط السياسية والإعلامية، لكن كان له عدة معاني ففي الأوساط الثورية، أو التي تدعو لفاعليات في الشارع، كان يطلق على أتباع النظام، ومؤيدي المجلس العسكري في هذه الفترة، ثم انتقل لمؤيدي سلطة ما بعد أحداث 30 يونيو، في مواجهة مجموعات الإخوان التي تنظم مظاهرات.
تم استدعاء المواطنين الشرفاء فيما بعد في كل الأحداث السياسية التي وقعت في مصر، وكانوا ينتمون للمناطق التي تستهدفها الحكومة حاليا، وهم ما جعلهم يطمعون في تراجع السلطات عن مشروعات التطوير التي تستهدف أراضي تحت سيطرتهم، كما هو الحالي في منطقة مثلث ماسبيرو، أو نزلة السمان.
واتساقا مع الحديث عن البلطجية في مصر فتقول الأرقام الرسمية والصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، في عام 2002 إن مصر يوجد بها أكثر من نصف مليون بلطجي، موزعين على أنحاء الجمهورية، وتتركز النسبة الأكبر منهم في القاهرة.
الدراسة نفسها أكدت أن ظاهرة البلطجية ليست ناشئة بعيدا عن أيد الدولة فهي كانت ضمن مخططات وزارة الداخلية في السابق لضمان فرض السيطرة، ويرجع نشأتها بشكل منظم لعام 2005، بمعرفة جهاز مباحث أمن الدولة.
في العام 2006 ،2007 اعتدت مجموعات من البلطجية على طلاب أحد الاتحادات بجامعة عين شمس، وأعضاء حركة 6 أبريل وحركة كفاية نالوا من البلطجية ما كان مقسومًا لهم أيضًا، قبل الثورة في الاحتجاجات التي نظموها وكانت صغيرة العدد.
الأمر لم يقتصر على ما هذه الدراسة فقط، لكن لجنة تقصى الحقائق التي شكلت عقب الثورة، بمعرفة المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو أيضا مؤسسة حكومية أكد أن وزير الداخلية حبيب العادلي مسؤول بشكل رئيسي في الاعتداء على المتظاهرين وقتل عدد كبير منهم، بحكم مسؤوليته السياسية كوزير للداخلية، ومسؤوليته القانونية عن تابعيه.
وقال التقرير الذي أعلنه رئيس المجلس في 23 مارس 2011، أن أعضاء الحزب الوطني متورطون بشكل رئيسي في تشغيل البلطجية، وتأجيرهم من مناطق نزلة السمان وماسبيرو لمواجهة المتظاهرين.
الأمر ظهر في أحداث نقابة الصحفيين عام 2016، ومن بعد التظاهرات التي نشأت في نفس المكان اعتراضا على توقيع الحكومة المصرية لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية والتي عرفت باتفاقية تيران وصنافير، حيث هاجمت مجموعات البلطجية المتظاهرين أمام النقابة، وفي منطقة الدقي في تلك الأثناء.
تطوير نزلة السمان
بعد انتشار الوقائع على صفحات السوشيال ميديا تداول رواد فيس بوك منشورات عن المشروعات التي تستهدفها الدولة في منطقة نزلة السمان، وأنها عبارة عن إنشاء مجموعة فنادق عالمية، وممشي سياحي، وإقامة حدائق وتطوير منطقة نزلة السمان، ونقل بعض السكان لوحدات سكنية وعددها 1830 وحدة، على بعد 750 متر من أماكنهم الحالية، لن يتم نقلهم لأماكن بعيدة، كما سيتم إنشاء محاور مرورية خاصه بالسيارات السياحية فقط، وتوسيع وتطوير الطرق المؤدية من وإلى منطقة الأهرامات.
مثلث ماسبيرو
خلال الثلاث سنوات الماضية نظم أهالي منطقة مثلث ماسبيرو احتجاجات متتالية ورفعوا مطالبهم لرئيس الحكومة أكثر من مرة، وكان هدفهم أن يبقوا في المكان مع المساهمة في تطويره، إلا أنهم في النهاية رضخوا للمطالب الحكومية، ونقل غالبيتهم إلى منطقة الأسمرات الواقعة بين المقطم ومدينة نصر، والتي نقل إليها أهالي 8 أحياء شعبية، كانوا يسكنون في مناطق خطرة.
تطوير ماسبيرو
بعيدا عن الرؤية الشعبية التي ترفض قرارات الإزالة وتطالب بالبقاء في المنطقة، تقدم الحكومة رؤية أخرى لما سيحدث في المكان فبعد إزالة عدد كبير من المباني القديمة في شارع 26 يوليو والدخول لقلب منطقة بولاق أبو العلا، ستبدأ السلطات في مشروع تنموي ضخم، على مساحة 75 فدان تقريبا، مقسمة إلى أجزاء فحوالي 2.8 فدان سيتحولون لمباني فندقية، و5.1 فدان سيكونون مباني إدارية وثقافية، و3.5 فدان استعمالات مختلطة، ونصف فدان نظام ديني، و1.4 فدان نشاط ثقافي، و1.6 فدان نشاط إداري، وو2336 متر نشاط سكنى تجارى.
ووفقا للمخطط الذي أعلنته محافظة القاهرة العام الماضي، فإن المنطقة السكنية ستقام على مساحة 6.4 فدان، فيما تم تخصيص 17.8 فدان للطرق ومسارات المشاة، و15 فدان استعمالات مختلطة.