محمد إبراهيم يكتب: الثورة يوم الثلاثاء
فوضتُ أمري لك يارب، لا تسع حماستي السماء ولا الأرض، ألقي التحية واستقبلها بابتسامة فرح، أرى تناسخ الأرواح في المارة، يزيد إيماني بأن من قُتل تُبعث روحه في جسدٍ جديد ليُقتل ولو بعد حين، ومن ظُلم تشتاق روحه للرجوع لترى الدوائر تدور، هل عاد كل هؤلاء ليروا اليوم الذي تدور فيه الدوائر على الظالم؟! أم أنها دورة جديدة من الظُلم ؟ فوضت أمري لك يارب.
**
"نضال"
كُنت أدندن كلمات الشيخ إمام: "يا بتوع نضال العوامات،، ما رأيكم دام عزكم،، جيفارا مات".
أتنفس الشوارع، أملأ رئتاي بصهد الأيدي التي لم تذق إلا الشقاء ولم تعرف إلا الكد والعمل، لم تُقابلني ضحكات لزجة، ولا تملق مُعارض للناس بعد خروجه من مكتب رجل الأعمال الذي يُبيض له صورته.
الأجساد حمصتها الشمس وأنارت قلوبها، والأسفلت يلمع وكأنه يتراقص مع ضوئها، ومن أضنتهم الأيام يمشون وكأنهم هم من أضنوها، لم يحتاج الأمر لتمويل خارجي لعمل كتيبات تعريفية أو "بروشورات"، ولا لمؤتمرات يتكاتف فيها أصحاب الياقات البيضاء ليقفون أمام الكاميرات، فيلهبوا حماس الفقراء بحلو الكلام، ثم ينتهون من الخُطب فيذهبون للعشاء في العوامات.
وبالرغم من حضورهم المُكثف لاحقا، لكن يومها لم يكونوا حاضرين، لم يكونوا حولي.
الوجوه مُختلفة تمام الإختلاف، ومتشابهة تمام التشابه، حماسهم سابق وعيونهم مفتوحة وأقدامهم تدق الأرض دقا.
جيفارا لم يمت يا شيخ إمام، جيفارا لم يمت
**
"حُب"
جئتكِ بقلبٍ مُسجى فاقبليني،
شعرت لأول مرة بتبادل المحبة، اعتدت على الحب من طرفٍ واحد، وكنت دائما ذلك الطرف المُحبُ، كنت أكتب لها الشعر على الجدران بالرغم من اعتقادي أن تلك البلد لم تعد لنا، كانت بلدهم هم فقط، وعندما كُنتُ وحيدا على شاطئ العجمي ليلا كتبتُ على الرمال عهودا وأشواقا، كُنت مُتيما في حُبٍ غير متبادل.
ساذج؟ كُنت أعيش في السذاجة بشكل كامل، أكتب أغاني عن رفضي للسفر وتركها، وأسهر ليالي أكتب غزلا في جمالها،
بحبك ضحكتك صافية
وانتِ على شط إسكندرية
بتجري حافية
جمالك..
تتهزله جبال
وتمشي.. في رجلك الخلخال
يرن في قلبنا.. رنه
بحبك متكحلة عيونك
و أحب سمار كده في لونك
وأحب العزم.. عزم رجال
يصاحبني وانا قاعد..
وفي الترحال
وأرجعلك أنا في الحال
ما بقدر أعيش من دونك
لكن يوم الثلاثاء شعرت ولأول مرة، أنها قد تبادلني الحُب، وأن البلد أصبحت بلدنا، مش بلدهم.
**
"ملابس جديدة وجورب مُمزق"
كل شيء مُختلف وجديد، صوت الأذان أكثر خشوعا ومعانيه أوضح، السماءُ مُشبعة بالغيوم وبالرغم من ذلك ألمح وراء الغيوم صفاءها، الهواء الذي يدخل رئتاي وبالرغم من عوادم السيارات أجده أنقى، حتى قنابل الغاز التي غطت الأفق حولي كانت كرائحة كريهة يُطلقها ابن عرسٍ يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعدما اصطاده صاحب بيت الحمام الذى عانى من خنقه لحمامه طويلا.
تذكرت صديقي،
صديقي يملك شركة صغيرة، يُعطي العاملين معه رواتب جيدة، ويقتسم معهم الأرباح آخر العام، كان صديقي يضع شرطا بينه وبين نفسه ألا يعمل لديه إلا رقيقو الحال، ينتقيهم من بين المتقدمين لشغل الوظائف، يُحاول أن يكون من يُعطي لهم الفرص ليبدأوا حياة جديدة لا تنهش الرأسمالية فيها أجسادهم بشكل كامل،
كنت أزوره، وكان عنده مقابلات شخصية لشغل وظائف شاغرة في شركته، دخل شاب يرتدي ملابس تبدو جديدة، رائحة ذكية، شعره مُصفف بعناية، يزتان معصمه بساعة مُقلدة لماركة عالمية، لكن بالرغم من ذلك قد تكون كلفته مئات الجنيهات، كنت متأكدا من رفض صديقي له، لا يبدو أنه رقيق الحال أو محتاجا، ضغط صديقي على يدي عندما استشف ما يدور في رأسي، طلب منه أن يصحبه لغرفة مُلحقة بمكتبه، خلع صديقي حذاءه على بابها فتبعه الشاب بالتبعية فخلع حذاءه، جوربه مُمزقا وإصبعه الأكبر يُطل منه بوضوح.
أبلغه صديقي بتعيينه في العمل، خرج من مكتبه وهو طائرٌ من الفرح بملابسه الجديدة وجوربه الممزق.
قال لي صديقي أن الجميع قد يملكون ملابسا جديدة، قد يستعيرونها، أو يربطون على بطونهم ليشتروا بعضا منها لمثل تلك المُقابلة الشخصية، هذا الشاب مثلا دون ملابس جديدة لن يجد فرصة، وبملابسه الجديدة فرصه أيضا ضعيفة، فبالرغم من أن الشركات تستطيع أن تؤهل أي موظف جديد ليكون ذا خبرة كافية، لكنها تختار في النهاية من صرف أموالا ضخمة على تعليمه، وهنا نحن لا نُريد أن يشتري الموظف ملابسا جديدة فقط، نريدهم أن يستطيعون أيضا شراء جواربا جديدة.
تذكرت كلام صديقي، وشعرت أن البلد ارتدت بالفعل ملابسا جديدة لتُصبح في أبهى حُلة، لكن مازال جوربها ممُزقا.
**
"التغيير"
كان الجميع يشعر بأن الوقت قد حان، لا يتحدثون عن مكاسب مُؤقتة، أو مواءمات سياسية، كانت كلمة التغيير تلوكها الألسنة كثيرا، يجب أن يُصروا على التغيير، رحيل الجميع، وجوه جديدة وسياسات جديدة وحياة جيدة، ضرائب تصاعدية، عدالة اجتماعية، حد أدنى وأقصى للأجور، وقف نزيف الفساد، صرف الملايين على الصحة والتعليم بدلا من ذهابها لجيوب المسؤولين، تغيير كامل في جهاز الشرطة، احترام للمواطن وتقديس للمواطنة.
كان الحلم رنانا وأساسه التغيير، الروح خفيفة والآمال حدها السماء.
**
فى كل حته
غنِ وارسم
بغنوتك
غيّر قلوب البشر
غيّر عقول الأنام
وبرسمتك
طلّع جيوش م العدم
تهزم بها جيوش الظلام
**
سمعت أحدهم يسأل: "النهارده ايه"، فأجبت " النهاردة التلات "، فقال ساخرا: "يوم التلات؟ عجيبة".
فردد أحدهم بجواري "يوم التلات بيخوف الجلاد".
الثورة يوم 28 يناير؟ أبدا، الثورة يوم 25، فذلك اليوم عرف الجميع أن يوم 28 آتيٌ لا محالة، وأن الإعصار خرج وسيصل لكراسيهم بلا شك، الثورة بدأت يوم التلات.