رئيس التحرير أحمد متولي
 جنوب أفريقيا.. حينما كان التمييز العنصري ضد السود «مشيئة إلهية»

جنوب أفريقيا.. حينما كان التمييز العنصري ضد السود «مشيئة إلهية»

على مدار أربعة عقود كاملة ذاق أهل جنوب أفريقيا الأصليين مرارة التمييز والإقصاء على يد الوافدين الأوربيين استناداً إلى مزاعم دينية وسياسية.

في القرن السابع عشر بدأ الاستيطان الأوروبي لجنوب القارة الأفريقية، وكان غالبية المستوطنين من ذوي أصول هولندية وألمانية وفرنسية، عُرفوا باسم «البوير» و«أفريكان».

وخلال القرن التاسع عشر احتلت الإمبراطورية البريطانية جنوب القارة في عملية لم تخل من حروب صعبة مع السكان الأصليين السود من جهة، والبوير من جهة أخرى، وحصلت جنوب أفريقيا على استقلالها عام 1911، ورغم ذلك وقع السكان الأصليين في هوة التمييز العنصري أو ما يطلق عليه «الأرباتيد».

وتعني «أبارتيد» باللغة الأفريكانية العزل أو الفصل، وهي عمليا السياسة التي حكمت العلاقات بين الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا والأغلبية من الملونين الأفارقة والآسيويين، وبالتالي أسست وشرعنت الفصل العنصري والتمييز الاقتصادي والسياسي ضد غير البيض.

الظهور الأول للتمييز العنصري بجنوب أفريقيا 

ظهر مصطلح «الأرباتيد» أول مرة في جنوب أفريقيا عام 1944، إذ صاغه الدكتور دانيال مالان زعيم الحزب القومي في جنوب أفريقيا، وخاض الانتخابات على أساس ذلك الشعار الذي ساهم في ائتلاف قوى يجمع كل الفئات والطبقات الأفريكانية وهم البيض من أصول هولندية وأووربية والذين يتكلمون لغة تُعرف بالأفريكانية.

واستمرت ممارسة الأبارتيد رسمياً في جنوب أفريقيا مدة أربعة عقود، وحظيت هذه السياسة بالدعم الكامل من الكنيسة الإصلاحية الهولندية، وهي كنيسة بروتستانتية تؤمن بأن عدم مساواة الأعراق مشيئة إلهية، وأن السود الذين تعتبرهم الكنيسة من أحفاد حام بن نوح وجدوا ليخدموا البيض أحفاد سام.

واعتبر البوير، وهم فلاحون هولنديون اعتنقوا البروتستانتية في القرن السادس عشر، وشكلوا القاعدة المادية للمستوطنين البيض في جنوب أفريقيا، أن إلغاء العبودية مخالفاً لتعاليم الكتاب المقدس.

أما الافريكانيين البيض فاعتبروا الزنوج الأفارقة منحطين، غير متحضرين وأن مهمة الرجل الأبيض تحضيرهم وتحديثهم.

وأصبحت سياسة الأرباتيد ممكنة، نتيجة قانون تسجيل السكان عام 1950 الذي صنف كل سكان جنوب أفريقيا إلى سود وملونين أو بيض، وفيما بعد أضيفت فئة رابعة للآسيويين وشملت الهنود والباكستانيين.

ويزعم العنصريون تفوقهم العرقي على بقية الأعراق الأخرى، واستناداً إلى هذا الزعم الذي يرقى إلى مرتبة الإيمان عند أتباعه تقسم البشرية إلى أنماط مختلفة من الجماعات والشعوب على أساس اللون، وتطلق عليهم الأوصاف الاجتماعية والأخلاقية استناداً إلى الفئة التي ينتمون إليها.

قوانين تكرس للعنصرية

وعندما أصبحت العنصرية سياسة رسمية في جنوب أفريقيا، أقرّ القوانين التي تكرس هذه السياسة، ففي جنوب أفريقيا أصبح الأرباتيد سياسة رسمية عندما تسلم الحزب القومي السلطة عام 1948، وصدر عام 1950 ما يعرف بقانون مناطق الجماعات الذي حُددت بموجبه مناطق معينة داخل المدن لكل من الأعراق المختلفة ومنع الاختلاط في السكن والعمل، وكذلك تملك الأراضي خارج المناطق المحددة.

وفي عامي 1954 و1955 صدر قانونان آخران عُرفا مع قانون عام 1950 بقوانين الأرض، التي جاءت مكملة لعمليات طويلة استمرت ما بين عامي 1913 و1936، وسيطرت بموجبها السلطات العنصرية على أكثر من 80% من الاراضي، وأجبرت الزنوج على الحصول على تصاريح مغادرة بموجب ما عُرف باسم «قوانين المرور والمغادرة».

كما صدرت قوانين حظرت كل أشكال الاتصال الاجتماعي، وأسست لما يُعرف بالفصل العنصري تمهيداً لتطبيق سياسة التطور المنفصل.

واصل سكان جنوب افريقيا نضالهم على مدار سنوات للحصول على حقوقهم، وعندما أصبح فريدريك دي كلارك زعيماً للحزب القومي عام 1989 وأطلق سراح نيلسون مانديلا ورفاقه المعتقلين في السجون العنصرية عام 1922، عارضت الكنيسة الإصلاحية الهولندية هذه الإجراءات التي أدت إلى انتصار المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة مانديلا عام 1944، وبذلك انتهت سياسة الأبارتيد رسمياً في جنوب أفريقيا.

المصدر

  • كتاب «الأبارتيد الصهيوني». حمد سعيد الموعد.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية