صالح حسب الله يكتب: مظاهر الإفلاس الأخلاقي في الحداثة الغربية
المفهوم بكلمة الغرب لا يعني مكاناً جغرافياً محدداً بأوروبا وأمريكا، ولا يقصد به سمات شكلية ولونية وعرقية، ولكنه الغرب هو نموذج خلُقي وذهني وسلوكي صنعته الحضارة الغربية، وغزا الناس جراء تأثيرهم بها.
وعليه فإن الإنسان قد يكون مسلماً أو بوذيّاً أو آسيوياً أو ما إلى ذلك من الانتماءات الدينية والعرقية والجغرافية، ولكنه مع هذا يكون غربيّاً بفكره وسلوكه.
فالغرب_ إذن _ مفهوم مرتحل عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، ووسائل الإعلام المتعددة، يتسلل إلى العقول حيثما كانت، ليحيل إلي نماذج مستنسخة من الأصل، الذى هو المجتمع الغربي، بكل ما يحمل ذلك الأصل من مواصفات التيه والتخبط والضلال.
ولقد تفطن المفكر الفرنسي روني غينون (Roené Guénon) إلي هذا الأمر، فصرّح منذ سنة ١٩٢٧ وهو تاريخ صدور كتابه: "أزمة العالم المعاصر" بأن الحضارة الغربية، حضارة مادية متصلدة، بُنيت أساساً على تغيب المبادئ الأخلاقية والروحية، وأن طبيعتها المادية كانت من قبلُ متمركزة في حدودها فقط، لكنها الآن تسعي جاهدة بكل ما أوتيت من دهاء ومكر، إلي تصدير هذه المخاطر المادية إلى الشعوب الأخرى وبكل الأشكال الممكنة.
والسؤال الذي يشخص أمامنا هو ما هي مظاهر التيه الأخلاقي التي تلظّي به الإنسان العربي والذي طال شرره المجتمعات البشرية عامة بما فيها المجتمعات الإسلامية؟
#من_مظاهر_هذا_التيه_الأخلاقي
#جحيم_التفكك_الأسري
كان الفتيل الأول لهذا الجحيم، هو تلك الدعوات التي ارتفعت في الغرب منادية بتحرير بتحرير النساء من خرافة الأسرة وخرافة الأمومة، وتشجيعهن علي ترك أزواجهن، لأن الواج_ كما يزعمون _ مجرد قيد أوجده الرجل للسيطرة علي النساء.
ولكن ما حدث واقعياً هو العكس تماماً، فلا المرأة تحررت، ولا حققت ذاتها، وإنما كل ما تم تحقيقه هو فصلها كأم عن أبنائها وزوجها، وتحويل الأسرة التقليدية إلى كيان غريب أي إلى "لا أسرة" وتغير شخصية المرأة من كائن إنساني محترم إلي حيوان جميل، وسلعة رخيصة تباع وتشتري مع أسهم الشركات، ترتفع قيمتها وتنخفض بحسب أسعار السوق.
وعندما تفككت الأسرة العربية تحول الجنس _ الذي كان من المفترض أن يُمارس في أكره الشرعية اجتماعيّاً _ إلى ممارسات شاذة مناقضة الفطرة الإنسانية، وأصبحت المثلية الجنسية ضمن المألوف الاجتماعي، وظهرت أنماط غريبة من الزواج كتلك التي تحْدُثُ بين المثليين حين يتزوجون فيما بينهم ويتبنوْن أطفالاً، كبديل عن الأسرة التقليدية.
وإذا كان الوضع الاجتماعي عن البشاعة بمكان، فإن الأبشع منه هو تبريره والتشريع له قانوناً، بل وإحاطته بشيء من القداسة، كما حدث في أمريكا حين تم بناء كنائس يديرها وعّاظ شاذون جنسيا.
وفي ضوء هذا المناخ الموْبوء، أضحي من العسير على الإنسان العربي أن يرمم منظومته القيمية، خاصة وأنه دخل مرحلة تاريخية خطيرة أطلق عليها مرحلة ما بعد الحداثة، والتي اتسمت بالاستخفاف بالمرجعيات الروحية والدينية وفتح المجال لكل فرد بأن يكون مرجعية نفسه، فتميعت الحياة، ودخل الناس في نفق مظلم نتن، لا تُعرف له نهاية، وأصبحت دعوات بعض عقلاء الغرب للعودة إلي الأخلاق، مجرد صيحة في واد، أو نفخة في رماد.
المقال المنشور في قسم شباك يعبر عن رأي كاتبه وليس لشبابيك علاقة بمحتواه