قصة حياة عز الدين ذو الفقار.. حكايات شاعر السينما مع عبد الناصر وفاتن حمامة
من المستحيل الحديث عن الرومانسية في السينما المصرية بدون ذكر اسم المخرج الراحل عزالدين ذو الفقار باعتباره رائدها الأول وبلا منازع، فقد أفاض من أحاسيسه المتدفقة وعاطفته الجياشة كإنسان على هذا الفن فملأ الدنيا من حوله بالحب والرومانسية لذا حاز لقب «شاعر السينما». أحمد الجندي روى محطات من حياة الفنان الراحل في كتابه «صُنّاع السينما. نجوم الزمن الزمن الجميل».
لم تكن براعة عزالدين ذو الفقار قاصرة على الفيلم الرومانسي، بل قدم كل النوعيات السينمائية الأخرى، وكعادته كان متألقاً، فشكلت غالبية أفلامه التي لم تتجاوز 33 فيلماً علامات بارزة في تاريخ وحركة السينما المصرية، وكتب معظم أفلامه بنفسه وصنع عالمه السينمائي بمذاقه الخاص ووفق رؤيته الذاتية، فبدا عالماً خاصاً جداً يحمل اسمه أشبه بـ«الماركة المسجلة» تشي بروائحها وأريجها الخاص، لذلك كان ولا يزال واحداً من صُناع السينما المصرية وأحد كبار مبدعيها.
عز الدين ذو الفقار رفيق عبدالناصر في الحربية
وُلد عز الدين ذو الفقار في 28 أكتوبر عام 1919 بالقاهرة وكان مولده متزامناً مع ثورة 1919 التي فجرها الزعيم سعد زغلول. أما الأسرة والعائلة التي ينتمي إليها فكانت عريقة وميسورة، وكان نصيبها من الأبناء خمسة ذكور بينهم عز والأشقاء الآخرون محمود وممدوح وكمال وصلاح، عمل اثنان منهم بالفن، فمحمود كان مخرجاً ومنتجاً وممثلاً سينمائياً شهيراً، وصلاح هو النجم والفنان المعروف.
عندما أنهى عز دراسته الثانوية التحق بالكلية الحربية، وتزامل معه كل من جمال عبدالناصر ويوسف السباعي، وعدد آخر من الضباط الذين أصبحوا من قادة ثورة يوليو فيما بعد.
استمر عز في عمله كضابط في الجيش المصري حتى وصل إلى رتبة يوزباشي، وخلال هذه الفترة لم يتوقف ولم يمنعه عمله عن مواصلة هواية القراءة ومشاهدة الأفلام السينمائية التي لازمته منذ صغره.
أثناء هذه الفترة كان المخرج السينمائي الكبير كمال سليم من أقرب أصدقائه، وكثيراً ما دعاه إلى ترك عمله كضابط والاتجاه إلى الفن والسينما لأنه كان يرى – أي كمال – أن عز بداخله فنان وشخصية مبدعة مليئة بالأحاسيس والأفكار، وأن طبيعته أقرب كثيراً إلى الفنانين والمبدعين.
وفي عام 1945 حدث الانقلاب في حياة عز، إذ رحل والده وكذلك صديقه كمال سليم، فأصيب بحالة من حالة الاتزان وتردد على طبيب نفسي نصحه بضرورة إحداث تغيير جوهري في حياته.
وحدث هذا التغيير عندما اقتحم مجال السينما عن طريق المخرج محمد عبدالجواد الذي كان يعمل مساعداً للمخرج كمال سليم وكان يدرك موهبة عز، فعرض عليه العمل معه فوافق عز على العمل مساعداً له.
بداية المشوار
بدأ عزالدين مشواره السينمائي ولم يكن الأمر غريباً عليه ليس لصداقته للمخرج كمال سليم ومحمد عبدالجواد فحسب، ولكن لأن شقيقه الأكبر محمود كان قد سبقه إلى هذا المجال ككاتب سيناريو منذ بداية الأربعينيات.
ولم تمض فترة طويلة إلا وبدأ عز يشق طريقه كمخرج وكاتب سيناريو وأنتج أول أفلامه كمخرج وكان فيلم «أسير الظلام»عام 1947، وقامت ببطولته مديحة يسري وسراج منير ومحمود المليجي وزوز شكيب.
نجح الفيلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً كبيراً وأشار النقاد إلى ولادة مخرج وفنان سينمائي كبير، ما أصاب عز بوع من الثقة الزائدة بالنفس وصلت إلى حد الغرور، لذا لم يحقق فيلمه الثاني «الكل يغني» الذي قدمه في نفس العام نفس النجاح بل فشل فنياً وجماهيرياً.
لكن يبدو أن عز استوعب الدرس، فقدم فيلمه الثالث «خلود» وحقق نجاحاً هائلاً استعاد به إشادة النقاد.
الزواج من فاتن
لكن الحدث الأكبر في هذه الحقبة كان لقاؤه مع فاتن حمامة في فيلم «أبو زيد الهلالي»الذي قدمه عام 1947، وكانت وقتها تشق طريقها نحو النجومية رغم أن عمرها لم يكن قد تجاوز 16 عاماً، فنشأت علاقة حب بينهما تُوجت بالزواج رغم فارق السن بينهما.
وفي حقبة الخمسينيات التي تعرف بمرحلة الرومانية في السينما المصرية، كان عز رائدها بلا منازع، إذا استهلها بواحد من أفلامه المهمة عام 1951 بـ«أنا الماضي» لفاتن حمامة وعماد حمدي وفريد شوقي، وبعدها بعام «سلوا قلبي» لفاتن حمامة ويحيى شاهين، وعام 1953 قدم عدداً من أفلامه المهمة أيضاً مثل «قطار الليل» لعماد حمدي وسامية جمال، ثم توالت أفلامه الرائعة والتي كان منها «موعد مع الحياة» والتي نالت فاتن حمامة بعده لقب «سيدة الشاشة العربية».
تتابعت بعد ذلك مجموعة مأعمال الرائعة منها تحفته الرومانسية «إني راحلة» لعماد حمدي ومديحة يسري وسراج منير، و«شاطئ الذكريات»، و«طريق الأمل»، وعيونا سهرنة» عام 1956.
واختتم عز هذا العام بفيلمه الشهير «بورسعيد» الذي قدمه بناء على رغبة صديقه وزميل دفعته في الكلية الحربية الرئيس جمال عبدالناصر، وشارك هو نفسه في بطولة الفيلم مع فريد شوقي وهدى سلطان وهدى سلطان وليلى فوزي، حيث يروي الفيلم تاريخ المدينة الباسلة إبان حرب 1956.
توالت بعد ذلك إبداعات عز في عدة أفلام منها «رد قلبي»، و«شارع الحب»، و«امرأة على لطريق»، و«الرجل الثاني» الذي صنع النجومية الحقيقية لبطله رشدي أباظة وحقق الفيلم نجاحاً فنياً وجماهيرياً منقطع النظير، وأظهر قدرات عز غير الطبيعية على تقديم كل النوعيات السينمائية في هذا الفيلم.
طلاق وتعاون
لم يدم زواج عز وفاتن طويلاً فانفصلا عام 1954، وفي إحدى الحوارات قال عنها «الفرق بين فاتن حمامة ومن تليها من الممثلات كالفرق من واحد إلى عشرة.. وفاتن كإنسانة هي أنثى رقيقة تحب الكلمة الناعمة وتعشق الأصول والإتيكيت والبروتوكول .. وأنا راجل (ألاوي) ارتدي الجلباب الفضفاض وأجلس على الأرض، وأضع ساقاً على ساق والحذاء في وجه صاحب النصيب». ورغم الطلاق استمر عز في علاقته الفنية مع فاتن وقدما معاً أجمل الأفلام.
وعن زوجته كوثر شفيق التي تزوجها بعد طلاقه من فاتن واستمرت معه حتى وفاته، قال «أظنها الوحيدة التي بإمكانها أن تتحملني، وأنا لا أتصور أن أكرهها، ولا أستطيع أن أبتعد عنها باقي حياتي».
وعندما عرضوا عليه منصب الوزارة رفضه وقال «الفن لا يمكن تسكينه في وظيفة حتى ولو كانت وظيفة وزير.. وأتمنى أن تنتهي أنفاسي داخل بلاتوه».
في عام 1962 وأثناء تصوير فيلمه «موعد في البرج» لسعاد حسني وصلاح ذو الفقار وفؤاد المهندس أصيب عز بشكل مفاجئ بالمرض اللعين الذي لم يستمر معه طويلاً حيث فارق الحياة في أول يوليو عام 1963 وهو في الرابعة والأربعين من عمه تاركاً خلفه 33 فيلماً قدمها خلال 16 عاماً فقط.