اقتصاد لبنان تحت حصار مصالح الساسة مع رجال الأعمال والخليجيين
عادة ما تقف المشكلات الاقتصادية وراء الانتفاضات والثورات الشعبية، فما بين انخفاض متوسط الدخول وارتفاع أسعار السلع والمستلزمات الرئيسية وفرض كثير من الضرائب لا يجد المواطن بُداً آخر من النزول إلى الشارع والتعبير عن سخطه، وهذا ما شهدته لبنان.
في هذا السياق رصد مجموعة من الباحثين في كتاب «أطلس لبنان. تحديات جديدة» عدة مؤشرات مهمة للاقتصاد اللبناني يعيشها منذ سنوات، أدى تراكمها إلى تفاقم الاحتقان الشعبي.
اقتصاد مُختل في لبنان
لبنان بلد صغير يعتمد اقتصاده على قطاع الخدمات، وهو في موقع متوسط على مستوى التنمية البشرية بين جنوب أوروبا وشرقها ودول الشرق الأوسط الأخرى.
ويعتمد لبنان كثيراً على دول الخليج العربية حيث يصدّر القوى العاملة المؤهلة، ويتلقى التدفقات النقدية والاستثمارات التي تسيّر اقتصاده، وخصوصاً في القطاعات المالية والمصرفية، إلى جانب البناء والسياحة.
واقتصاد لبنان التبادلي مختل بشكل كبير، فالواردات تفوق الصادرات بكثير، وهي مهددة حالياً بسبب الإغلاق المتكرر للحدود مع سوريا، وبالتالي تزداد المصاعب لبلوغ أسواق دول الخليج. أما الصناعة والزراعة فيعنيان من التجاهل لصالح قطاع الخدمات.
لذا كان من المنطقي أن تؤدي هذه التشوهات إلى زيادة في ثروات الأثرياء المتعاملين مع الأنشطة الاقتصادية الموجهة للخارج، مع إفقار متزايد للسكان وإضعاف للطبقة الوسطى.
وينتج لبنان القليل من السلع التجارية، فمنذ منذ العام 2012، سجلت القيمة الإجمالية للصادرات تراجعاً من 4.7 إلى 3.5 مليار دولار بنسبة 25%، في حين ظل حجم الواردات مستقراً.
وتظل الصادرات عموماً قليلة التنوع ومحدودة القيمة المضافة، فتحتل المجوهرات والحلي المركز الأول في مجال التصدير بنسبة 23% وكذلك مركزاً مهماً في مجال الواردات بنسبة 6%، وتعتمد هذه الأهمية بشكل خاص على الخبرات القديمة والشهرة التي يتمتع بها اللبنانيون في هذا القطاع.
وتمثل الآلات والأدوات والمعدات الكهربائية بنداً آخر مهماً من بنود الصادارت (14%)، وهو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بإنتاج المولدات الكهربائية (23%)، والمعدات الكهربائية المختلفة (23%)، والقطع والمعدات (22%) والأدوات الكهربائية المنزلية (12%). كما يصدر لبنان المنتجات التي تمت صيانتها وتجديدها مثل المركبات وقطع الغيار أو المواد التي يتم تدويرها مثل المعادن والبلاستيك.
وبالنسبة للاستيراد، تمثل المعادن والمنتجات المكررة ما يقارب من 30%، والمواد الغذائية 16%، ما يعكس تبعية غذائية عالية للخارج.
كان من نتيجة هذه التشوهات انخفاض الثروة العامة وتضخم أسعار المواد الاستهلاكية بنسبة 23%، وزيادة في معدل البطالة من 6.4% إلى 21% وحتى إلى 34% لمن يقل عمرهم عن 25 عاماً.
الهيمنة الخليجية على اقتصاد لبنان
والواضح أن منطقة الخليج العربي كانت جزءً من لوحة الاقتصاد اللبناني على مختلف الأصعدة. فمن ناحية تطورت الوجهات المفضلة للهجرة اللبنانية إلى حد كبير خلال السنوات الأربعين الماضية، ورغم أن ثلاثة أرباع المهاجرين كانوا يتوجهون نحو بلدان أوروبا وأمريكا خلال سنوات الحرب الأهلية عام 1975، لكن شبه الجزيرة العربية أصبحت منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي الوجهة المفضلة للباحثين عن العمل، وباتت دول الخليج تجتذب الآن نحو 50% من حركة الهجرة اللبنانية.
وفي الوقت نفسه شكّل عرب الخليج منذ العام 1950 أكثر من 50% من السياح الأجانب في لبنان في الفترة من 2000 إلى 2010، لكن هذه النسبة شهدت انخفاضاً مستمراً منذ العام 2010 الذي استقبل 384000 سائحاً مقابل 98000 في العام 2014.
وتمثل التحويلات النقدية من المهجر ما بين 5 و7.5 مليار دولار سنوياً، وهي مبالغ تعادل 26% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك انخفضت هذه النسبة بشكل مطرد تقريباً منذ العام 2014.
وفي السياق ذاته انخفضت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان منذ العام 2005 من 3.3 مليار دولار إلى نحو 3 مليار دولار في العام 2014، بعدما بلغت أعلى مستوياتها في العام 2009 حيث وصلت إلى 4.4 مليار دولار.
ومنذ العام 2007 على وجه الخصوص، استقطب القطاع العقاري معظم الأموال الأجنبية، فكان على مدى السنوات الخمس الماضية وجهة لأكثر من 85% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة (90.1% في العام 2014).
وبعد أن كانت للاستثمارات الإماراتية والكويتية الهيمنة خلال العقد الأول من القرن الجاري، ظهرت أهمية المستثمرين العرب الآخرين، ولاسيما السوريين والأردنيين، وفي الوقت ذاته شهدت نفس الفترة انسحاب المستثمرين الخليجيين في القطاع العقاري بعدما اتجهوا لبيع أملاكهم بشكل جزئي أو كلي.
النخبة السياسية في لبنان
لم يكن لهذه المؤشرات الاقتصادية أن تحدث بعيداً عن أعين النخبة السياسية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأوساط رجال الأعمال، سواء في مجالات البناء والعقارات والمصارف والتجارة أو في مجال الصناعة.
فالمعطيات الحديثة عن تركيبة المساهمين ومجالس إدارة المصارف التي تضم مجموعة لا بأس بها من النواب خير دليل على على ذلك، فعلى سبيل المثال كان 29% من رأس المال لسبعة مصارف في العام 2003 في يد ثماني عائلات تضم سياسيين من الصف الأول في بعض الأحيان، وهو أمر يلقي بظلاله على استقلالية السياسات الحكومية عن مصالح المصاف والمساهمين فيها.