قصة المنحة التي أهدتها مصر لبريطانيا في الحرب العالمية الأولى.. بلغت 3.5 ملايين جنيه
في عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى بين دول المحور والحلفاء، وخلال هذه الحرب التي استمرت 4 سنوات قدمت مصر مساعدات كبيرة على شكل قروض مالية لإنجلترا التي كانت تفرض حمايتها على مصر، لكن الغريب أن السلطان فؤاد الأول (1917 – 1922) ومجلس الوزراء في ذلك الوقت رفض المطالبة بسداد هذه القروض واعتبرها منحة من مصر لبريطانيا.. القصة كاملة رواها عبد الرحمن الرافعي في كتابه «ثورة 1919. تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى سنة 1921».
لكن قبل استعراض القصة يجدر الإشارة إلى أن الحرب العالمية الأولى انتهت بعد 4 سنوات بهزيمة ألمانيا وحلفائها، وكانت أول دولة ألقت السلاح هي بلغاريا، ثم أعقبتها تركيا، إذ عقدت الهدنة مع بريطانيا العظمى وحلفائها يوم 31 أكتوبر سنة 1918.. وفي 11 نوفمبر من نفس العام عُقدت الهدنة بين ألمانيا والحلفاء، وانتهت هذه الحرب الطاحنة بانتصار إنجلترا وحلفائها.
الملك فؤاد يرفض منصب «خليفة المسلمين» لهذه الأسباب
مبالغ طائلة
ومنذ نشوب هذه الحرب، أنفقت الحكومة المصرية لحساب الحكومة البريطانية ولأغراضها العسكرية مبالغ طائلة في مختلف المصالح، وقيدت هذه المبالغ في حساب العُهد على الحكومة البريطانية، وخص معظم هذه النفقات مصلحة السكك الحديدية.
ووضع السير ويليم برونيت المستشار المالي بالنيابة كشفاً في أوائل سنة 1918 بالمبالغ التي أنفقتها الحكومة في هذا الصدد لغاية 31 ديسمبر سنة 1917، فزادت على مليونين ونصف المليون جنيه، مع تقدير مبلغ نصف مليون جنيه آخر كان منظوراً صرفه حتى آخر تلك السنة المالية.
أي أن ما أقرضته الخزانة المصرية للحكومة البريطانية بلغ ثلاثة ملايين جنيه، كان على الأخيرة أن تؤديها لمصر، ولكن الحكومة المصرية أظهرت سخاءً هائلاً في شأن هذه القروض، فقد اجتمع مجلس الوزراء برئاسة السلطان فؤاد الأول يوم 9 مارس سنة 1918، وقرر من تلقاء نفسه أن تتحمل الخزانة المصرية المبالغ المذكورة لغاية ثلاثة ملايين جنيه «اعترافاً بجميل بريطانيا العظمى التي حمت البلاد من خطر الغارات».
ولم يكتف السلطان بذلك، فقرر أيضاً أن تدرج وزارة المالية نصف مليون جنيه آخر للقيام بالمصروفات التي من هذا النوع في السنة التالية، فبلغت منحة الحكومة البريطانية ثلاثة ملايين جنيه ونصفاً.
وقتها علّق اللورد ملنر في تقريره على هذه المنحة بقوله «إن حكومة السلطان أيدت رجال السلطة البريطانية بأعظم تعاون حبي، والدلائل على ذلك كثيرة، منها تنازلها عن ثلاثين ملايين جنيه إنجليزية من حساب الأمانات والعهد التي قد أقرضتها إياها، وكان يحق لها المطالبة بها».
جميل بريطانيا
وبحسب عبد الرحمن الرافعي في كتابه «لقد كانت مرافق البلاد وإصلاح أحوالها الصحية والاجتماعية أولى بإنفاق هذه الملايين، بدلاً من بذلها إعانة لحرب كان الغرض منها تثبيت الحماية البريطانية على مصر».
أما مجلس الوزراء فكان أكثر سخاءً فقال عن هذه المنحة إنها اعتراف بجميل بريطانيا العظمى إذ حمت مصر من خطر الغارات، ولعل هذا المجلس أراد بذلك أن يشير إلى الحماية البريطانية على مصر (في نظره)، وهذا من أعجب ما يروى كدليل على السقوط المعنوي والأدبي للحكومات التي تتطوع لمكافأة الدولة الغاصبة على غصبها وعدوانها وسلبها البلاد حريتها واستقلالها، بحسب الرافعي.