قصة محمد علي مع المرأة المتنبئة التي أمر برميها في النيل
لم يكن محمد علي باشا مجرد حاكم لمصر، ولكنه كان يمتلك من الذكا ما مكنه من إدارة أمور المحروسة بجدارة وحكمة، وبسبب ذلك توصل في ظروف كثيرة إلى كسر قيود الاعتقادات الباطلة التي أذعن لها أبناء شعبه ورضخوا لحكمها رضوخ الأسير المغلوب على أمره.
وفي كتابه «لمحة عامة إلى مصر» دلل كلوت بك على هذا الذكاء بحادثة وقعت في وقت لم تكن فيه قواعد سلطان الباشا قد رست على الأسس الوطيدة.
ظهور المتنبئة
إبان حكم محمد علي ظهر بالقاهرة امرأة تزعم القدرة على الإنباء بالغيب، فالتف الناس حولها وأصبح الكثيرون منهم من مريديها، وكانوا يقولون إنها تستخدم الجن وأنهم طوع إشارتها، تطلب أحدهم أن يبرز فيسارع إلى إجابة طلبها، وتجعل الناس يلمسون في الظلام يده ويسمعون صوته.
وكان السواد الأعظم من أنصارها ومريديها أنفار الجند ورؤساؤهم، حتى لقد استفحل أمرها وارتفع شأنها، فلما علم محمد علي بأمرها، وكان يريد الوقوف على سر هذه الساحرة التي أصبح يخشى خطر نفوذها، استدعاها إلى قصره، وأعرب لها عن رغبته في الحديث مع جنيها، فرضيت أن تطلعه على ما خُصت به من قوة وسلطان.
وكان الوقت ليلاً، فأطفئت أنوار المنظرة (مكان فسيح يُجتمع فيه) التي كان ضباط الجند مجتمعين بها، وكان محمد علي قد أمر أتباعه أن يوافوه بالمصباح بمجرد طلبه منهم.
فلما دعت المتنبئة الجني أجابها على سؤالها بما يشبه الصوت المنبعث من داخل المغارة أو من باطن الذين يتكلمون من بطونهم، حتى وقع في وهم السامعين أنهم يسمعون صوتاً منبعثاً من الجدار.
ثم قدم يده لكي يلمسها الباشا. ولكن لم يكد محمد علي يقبض عليها حتى صاح بالخدم أن يوافوه بالشموع. فلما أضاء المكان إذ باليد يد المرأة نفسها، وحينما رأت انكشاف حيلتها وانتهاك سترها توسلت إليه أن يعفو عنها.
رمي في النيل
أما الحاضرون فقد أدهشتهم هذه الجرأة من الوالي، وحكموا بأنها خروج على الدين وتحقير لمبادئه، وأخذوا يظهرون استيائهم الشديد، فخطب الوالي فيهم مبيناً لهم خطأهم في سرعة اعتقادهم بما لم يكن صحيحاً، ثم أمر بإلقاء المرأة في النيل.
أراد الضباط ممانعته فيما أمر به، ولكن محمد علي تغلب عليهم بقوة الحجة قائلاً لهم: «إنه لو كان أحد الجن في خدمتها، كما تزعم باطلاً وبهتاناً، فلن يتركها تذهب ضياعاً في النيل. أما إذا لم يكن لها صاحب من الجن، فإن ما لقيته من الهلاك هو الجزاء الحق لاجترائها على التغرير بالناس من غير خوف ولا حياء».