خطبة عن فلسطين الجريحة.. مكتوبة لإلقائها يوم الجمعة

خطبة عن فلسطين الجريحة.. مكتوبة لإلقائها يوم الجمعة

في كل يوم جمعة يتناول خطباء المساجد موضوع يهم الإسلام والمسلمين سواء في داخل البلاد أو خارجها، ومع الأحداث الجارية يلقون خطبة عن فلسطين الجريحة، ننشر لكم نماذج مكتوبة منها لإلقائها من أعلى المنابر ليستفاد منها المصلين وكل المستمعين لها.

خطبة عن فلسطين الجريحة

وننقل لكم مجموعة من الخطب للتضامن مع الشعب الفلسطيني وأهالي غزة والضفة الغربية الذين ينكل بهم الاحتلال الإسرائيلي ويبيدهم، وأول خطبة عن فلسطين الجريحة هي كالتالي:

السلام عليكم ورحمة الله.. والصلاة والسلام على نبي الإسلام المصطفى ومن اقتدى به. أما بعد..

فقضية فلسطين يا إخواني هي قضية جميع المسلمين، قضية كشفت عيوبنا، وبينت خللنا وتناقضنا، قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا الأخرى، فلسطين هي الأرض المقدسة، أرض النبيين الذين نحن -المسلمين- أحق بهم من كل من يدعي اتباعهم، فنحن أحق بموسى وعيسى.

فلسطين فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين التي تشد إليها الرحال، وهو مسرى النبي عليه الصلاة والسلام، وكما قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

ففلسطين هي ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد، هي معراج محمدي وعهد عمري، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات، وحكموها قرونًا طويلة، ثم احتلها الصليبيون فأخرجهم المجاهدون بقيادة صلاح الدين، ليحتلها اليهود في عصرنا الحالي ولن يخرجوا منها إلا بالجهاد في سبيل الله.

أيها الأحبة: حديثنا اليوم عن فلسطين التي يُدمى جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها؟! ماذا قدمنا من التضحيات؟! هل أدينا أقل الواجبات؟! أو نقول بكل أسف: ماذا حققنا من التنازلات؟! ففي الوقت الذي يُقتَّل فيه المسلمون شرقًا وغربًا، في الشام والعراق، نرى الكثير من المسلمين لاهين عن مصائبهم بإقامة المهرجانات السياحية والبطولات الرياضية والحفلات الغنائية، وكأن أمر إخوانهم المسلمين لا يعنيهم، فإلى الله المشتكى!!

أيها المسلمون: لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمان مرابطين في الثغور، مدافعين بأموالهم وأرواحهم عن البلاد المقدسة التي كُتب تاريخها بدماء الصحابة وأتباعِهم المجاهدين، تتابعت حكومات الإسلام في أرضها، وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، كان العلماء يحثونهم على الجهاد، وكان الأغنياء يبذلون أموالهم في الإعداد، وكان الحكام يقودون المجاهدين لنصرة دين رب العباد، أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس والمنصور سيف الدين قلاوون، وغيرهم من الأمراء الذين غرسوا في الأمة روح الجهاد فوقفوا درعاً أمام الحملات الصليبية حتى أخرجوهم من الأرض المقدسة، وكما في قوله تعالى: (َتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) تتعاقب السنوات ليتمالأ الكفار مرة أخرى ويتآمر الصليبيون واليهود لوضع فلسطين في قبضتهم في جريمة من أعظم جرائم العصر، بإخراج شعب من أرضه واحتلال شعب آخر مكانه!!

إخواني.. يستمر الصهاينة في القتل والإيذاء والاستيطان بتشجيع ورضا أو سكوت وإغضاء من دول الكفر الظالمة، كم أسالوا من الدماء، وأزهقوا من الأرواح، يدنسون المقدسات ويعقدون المؤتمرات لخداع العرب بسراب السلام، وقد أخبرنا الله أنهم يكذبون ويخادعون وينقضون العهود فقال المولى: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).

أيها المسلمون: فلا مقاومة للصهاينة اليهود إلا بالقتال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، عندما رُفعت راية الجهاد في فلسطين على أيدي قلة من المجاهدين بدأت قوائم القتلى تتصاعد في أوساط اليهود، وأخذ الأمن ينحسر، والهجرة اليهودية تتراجع، وتذوَّق المسلمون حلاوة النصر بدلاً من ذل الهزيمة وعفن السلام المزعوم، ولكن ما حال بقية العرب والمسلمون؟! هل دعموا المجاهدين ونصروهم أم كانوا سببًا في حصارهم والتضييق عليهم؟! 

أما الدول الاستعمارية الطاغية التي تدعي أنها ترعى السلام وحقوق الإنسان وتحارب التطرف والإرهاب، لا تحجب عن اليهود مساعدات طلبوها، ولا تسألهم عن جريمة ارتكبوها، ولا توجّه إليهم حتى مجرد لوم وعتاب على القتل والظلم والخراب، بل يتوافد رؤساء تلك الدول ونوابهم ومندوبوهم لتأييدهم، ومن لم يستحِ فليصنع ما يشاء.

أيها المؤمنون: إننا بحاجة إلى مراجعة للوضع وإصلاح للحال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فكيف يكون النصر ونحن نرى الجبن في النفوس واستجداء الحلول وتعليقها على دول صليبية وهي لا تفتر عن دعم اليهود ودولتهم منذ وجدوا؟! أي سلام بعد آلاف القتلى من الأطفال والنساء بلا ذنب؟! أي سلام بعد عشرات الآلاف من الجرحى؟! أي سلام بعد هدم بيوت المسلمين فوق أهلها؟! أي سلام وسجونهم مكتظة بالرجال والنساء والأطفال؟! أي سلام وهم يتوغلون ليل نهار في مدننا ومخيماتنا ويدنسون مقدساتنا؟! أي مبادرة سلام وذل نبيع فيها أرضنا المباركة وقدسنا المعظم؟! صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: (إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم) أخرجه أبو داوود

أيها المسلمون: القدس أغلى وأثمن وأكبر من أن تُترك لمفاوضات استسلام، قضيتنا في القدس لا تنفصل عن الإسلام، فهي ليست أرضًا فلسطينية أو عربية فحسب، بل هي قبل ذلك وبعده أرض المسلمين جميعًا، وعلينا أن نعلم أن الكفاح مع تراكم العقبات وكثرة التضحيات أعزُّ وأجلُّ من القعود والتخلف من أجل راحة ذليلة ونسب أرض ضئيلة لا تليق بهمم الرجال.

اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والنفاق، ونعوذ بك أن نكره شيئًا من دينك فتحبط أعمالنا ونحن لا نشعر.​​​​​​​

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أكرم الأمة وأعزها بالإسلام ، نحمده - سبحانه – ونشكره، كتب الغلبة والظهور لدينه ما تعاقبت الأيام والليالي، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد ....
فيا عباد الرحمن: أصبحنا في زمن لا يعلم الفرد منا أي الأحداث يتابع، وأي المآسي ينازع، تعددت الجراح وتفتت كبد الحجر، ولا يجد المؤمن الصادق مفرًا من متابعتها، وإلقاء السمع إلى أحداثها ليرجع البصر والفؤاد خاسئًا كسيرًا وهو حسير .
كانت فلسطين موالاً لأمتـنا * ما بالها لم تعد للناس موالا
تعددت يا بني قومي مصائبنا * فأقفلت بابنا المفتوح أقفـالاً
كنا نعالج جرحًا واحدًا فغدت * جراحنا اليوم أشكالاً وألوانًا
يا عباد الله.. كثرت الفواجع وتعددت المصائب ولكن تبقى فلسطين قضيتنا ومصيبتنا الأساسية التي لا ينبغي أن نتجاهلها أو ننساها.
فلسطين.. هذا الوطن الذي سالت من أجله الدموع، ورخصت في سبيله المنون .
فلسطين هي أولى القبلتين، وثالث المسجدين، ومسرى نبينا محمد الأمين – عليه أفضل الصلاة والتسليم.
فلسطين لأجلها شد الرجال عزائم الأبطال، وأحيوا في نفوسهم الحماسة والنضال.
شعب فلسطين منذ سبعين عامًا وهو يعيش تحت وطأة الاحتلال، مساكنهم هي الملاجئ والخيام، والملايين منهم يعيشون في شتات وتشرد، حياته كلها خوف وعذاب، تهديدات واعتقالات، هدمت بيوتهم، وأغلقت مدارسهم، ومع الحصار الاقتصادي المفروض عليهم أغلقت المخازن والمتاجر لتسد عنهم أبواب الرزق ووسائل الحياة، بطالة وتجويع، إهانة واستخفاف، استيلاء على الأراضي ، وتحكم في مصادر المياه والكهرباء والغاز، محتل يلاحق من يشاء، ويتهم ويقتل وينفي من يشاء، ثم يزعم أنه يريد السلام .
قد حصحص الحق لا سلم ولا كلم .. مع اليهود وقد أبدت عواديها
قد حصحص الحق لا قول ولا عمل .. ولا مواثيق صدق عند داعيها
أين السلام الذي نادت محالفكــم؟ أين الشعارات يا من بات يطريها
تآمر ليس تخفانا غوائله .. وفتنة نتوارى من أفاعيها
عباد الله.. لقد انكشفت عورة الدول الغربية، وبانت سوأتها عندما ادعت حقوق الإنسان، وهي تشاهد ما يحدث على أرض الإسراء والمعراج، راضية بذلك ، بل داعمة لكل الوحشية والإجرام، لقد كان من المتوقع أن تتسم الشعارات البراقة التي يرفعها الغرب الكافر مثل حقوق الإنسان، والشرعية الدولية والديمقراطية، بالجدية في عدم تجاوزها وتعدي حدودها، لكن أحداث فلسطين الراهنة قد كشفت زيف وعنصرية تلك الشعارات، وعلى رأسها شعار حقوق الإنسان.

لقد عمد العدو إلى زيادة جراح الشعب الفلسطيني بقصف أحيائهم ومخيماتهم، فلا يخفيكم ما يمر به إخواننا في فلسطين هذه الأيام، إنهم يعانون من قصف الطائرات، وأزيز المدافع والمجنزرات، عشرات المساجد دمرت، ومئات المنازل هدمت، آلاف الأنفس أزهقت، كم من نساء أيمت، وكم من أطفال يتمت، وكم من مقابر جماعية أقيمت .
إن إخوانكم يا مسلمون يصارعون عدوهم، خاوية بطونهم، مغلقة أسواقهم، محاصرة منافذهم، لا يجد أطفالهم الحليب، ونفذ عن مرضاهم علاج الطبيب، والعالم ينظر ولا مجيب ، ليس من عذر لأحد اليوم يرى مقدساته تنتهك، ويرى أطفالاً تقتل، ونساء ترمل، وشيوخًا تعتقل، ثم لا ينتصر لإخوانه ولايحزنون لمصابهم.
يا أهل الجزيرة ، ويا أحفاد الصحابة، أين أنتم من بكاء الثكالى؟ وصراخ اليتامى؟ وأنين الأرامل والأيامى؟ أين أخوة الإسلام؟ أين رابطة الإيمان؟ أين أخلاق العروبة؟ عما يلاقيه إخواننا في فلسطين، فمن ينتصر لهم؟ ومن يخفف مصابهم؟
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي كان غفورًا رحيمًا.

شيماء عثمان

شيماء عثمان

صحفية مصرية من محافظة الإسكندرية، عملت مراسلة للعديد من المواقع والصحف المحلية