في عيدها الـ62.. رونق «الجمهورية» في خفوت

في عيدها الـ62.. رونق «الجمهورية» في خفوت

"الثورة لازم تكون ليها صحافتها" قالها الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" قويّة، لتتعارض بشّدة مع حالته الصحيّة وقتها، حيث أنها صَدرت عنه أثناء مكوثه بمستشفى "مظهر" بعد إجراءه عملية جراحية. كانت هذه الجملة القاطعة التي انهى بها "عبدالناصر" حواره مع البكباشي "أنور السادات"، صباح يوم السبت 4 يوليو عام 1953، حول "صحافة الثورة"، قبل أن يُكلّفه بإصدارها.

كانت تلك هي أولّ خطوة في طريق تأسيس جريدة "الجمهورية"، التي صَدر منها أوّل عدد في مِثل هذا اليوم، 7 ديسمبر، عام 1953، وللمصادفة كان يوم إثنين كذلك. إلّا أن إصدارها لم يكن أمرًا هينًا، خاصة أن من كُلف بها "السادات" لم يكن له خلفية صحفية كافية تؤهله لإصدار صحيفة يومية جديدة، خاصة في ظل وجود صحف يومية أكثر انتشارًا مثل المصري والأهرام وأخبار اليوم.

واجهت "السادات" العديد من العقبات التي كادت تُهدد ظهور "جريدة الثورة" في الوقت الذي حدده "عبدالناصر"، وهو قبل نهاية عام 1953، بداية من المقر، مرورًا باختيار المُحررين والعمال، استقدام الأجهزة والمطابع المطلوبة، استيراد الورق في وقت قياسي، وصولًا إلى الطباعة والتوزيع والتعاقد مع المُعلنين، وتمكّن "السادات" من تجاوز تلك الصعوبات، واحدة تلو الأخرى، فقط ليُنفذ وعدًا قطعه على نفسه أمام "عبدالناصر".

أوّل عدد

حتى جاءت اللحظة المُنتظرة، في الساعات الأولى من يوم الإثنين، السابع من ديسمبر، حين أصبح مبنى جريدة "الجمهورية" يموج بالصخب، الجميع في انتظار "المولود الجديد". لم ينعم ليلتها "السادات" ولو بلحظة هدوء، بل مكث داخل المطبعة مع حسين فهمي، الذي خَلف "السادات" في رئاسة تحرير الجمهورية، وظلّ يتنقل بين العمال والمُحررين والمُصححين، وبين ماكينات الجمع وورشة الحفر، ثم إلى "شاسيهات" التوضيب.

وظلّ "السادات" يتابع عملية إخراج أول عدد من "الجمهورية" في جميع مراحله. ووقف إلى جوار المطبعة مُنتظرًا الطبعة الأولى من أوّل عدد للجمهورية، وحين صدرت اختطفها وهرول إلى "عبدالناصر" ليُريه إياها، ومنذ ذلك اليوم، ونضم اسم "الجمهورية" لنداءات الباعة، وصار النداء "أخبار، أهرام، جمهورية".

ويرجع سبب تسميّة "جريدة الثورة" باسم "الجمهورية" إلى "جمال عبدالناصر"، حيث اقترح هذا الاسم تيمنًا بتحوّل مصر، "على يد الثورة"، من المَلَكيّة إلى جمهورية، كمل قيل أن صدور العدد الأول في هذا اليوم بالتحديد "7" لم يأت من قبيل الصدفة، وإنما من باب التفاؤل به، كعادة العرب قديمًا من تقديس هذا الرقم. [caption id="attachment_25782" align="aligncenter" width="353"]Optimised by Bayyraq.com عدد من أرشيف الجمهورية[/caption]

الافتتاحية

كتب أوّل رئيس تحرير للـ"جمهورية" حينها، "أنور السادات" مقالًا افتتاحيًا باسم " الجمهورية "، جاء فيه: "هذه الجمهورية تشق طريقها إليك بين الصحافة العربية، وتشق طريقها واضحًا لا تخبط فيه، و لا التواء ولا مجاملة ولا تحامل. لقد حددت أهدافها أو آلت على نفسها، ألا تُنفّذ هذه الأهداف إلا بسلطان الصدق، وفي ضوء الوضوح. وهي بهذا السلطان، وهذا الضوء، خليقة بقيادة وتوجيه الوعي في كل مرفق من مرافق الوطن. إنها جريدة حرّة حرية الثورة، التي تُضيئ طريقها بنار الحق، ونار الحق تحرق الأصنام وتحرق المفاسد، وهي جريدة قومية، قوية قوة الثورة التي تخط طريقها إلى أهدافها، عازمة مطمئنة لا تحتاج إلى الألسنة تُطربها، ولا إلى الأقلام تدافع عنها".

وأكمل: "وهي جريدة لم نَرد لها أن تكون ورقًا يُقرأ، ولا صورًا تُطبع، ولا بضاعة تُباع، وإنما هي بين يديك وثائق من الحق والقلب والضمير. وهي جريدة سِعة صدرها لقرائها من سِعة صدر الوطن لابنائه، لكل مواطن مجالٍ فسيح، يُبدي فيه رأيه مع الجمهورية أو عليها ما دُمنا جميعًا نعيش لجمهوريتنا الكبرى".

أعلنت الصحف عن صدورها، وشاركت الطائرات في توزيعها، وحملتها إلى جميع قارات العالم. [caption id="attachment_25783" align="aligncenter" width="420"]PRS_13376_1 مقال للسادات بالجمهورية[/caption]

مَجمع الكُتّاب

كان الأصل في إصدار "الجمهورية" أن تكون صحيفة رأي في المقام الأوّل، ثم تأتي المهمة الخبرية في المرتبة الثانية. ويتجلّى ذلك في أسماء من كَتبوا في أعداد الجريدة الأولى أمثال: "د. طه حسين، د. محمد مندور، د. لويس عوض، يوسف السباعي، كامل الشناوي، رشدي صالح، نعمان عاشور، أحمد عباس صالح، بيرم التونسي، رجاء النقاش، يوسف إدريس، محمود تيمور، عزيز أباظة، إسماعيل مظهر، ألفريد فرج، سعدالدين وهبة".

كما كتب فيها "محمود البدوي، فتحي غانم، مصطفى بهجت بدوي، محمد الفينوري، وزكي طليمات، محمد فتحي، سهير القلماوي، موسى صبري، محمد التهامي، حسين القباني، أمين يوسف غراب، وجاذبية صدقي، صدقي الجباخنجي، مأمون الشناوي، عبدالحميد يونس، خالد محمد خالد".

كما شَهِدت صفحاتها مقالات كتّابًا عِظام، أمثال: "حسين فهمي، إبراهيم نوار، أحمد قاسم جودة، جلال الحمامصي، إبراهيم عامر، عميد الإمام، سامي داوود، أحمد حمروش، إسماعيل الحبروك، ناصر النشاشيبي، وغيرهم، بجانب رجال الثورة حينها، وأساتذة الجامعات.

وربما هذا ما قد ميّز "الجمهورية" منذ بدايتها بملاحقها الأدبية والفنية والرياضية والتعليمية ثم السياحية، حتى أن صفحة الأدب كانت تضم القصة والقصيدة والمقال والكتاب، ولا تتوقف المعارك الأدبية على صفحاتها. كما تُقدّم كتابًا عالميًا كل أسبوع، وأحيانًا قصة أو مسرحية عالمية في صفحة كاملة. [caption id="attachment_25781" align="aligncenter" width="571"]967hm9 تغطية الجمهورية في أعقاب النكسة[/caption]

الجمهورية الآن

في ظل المنافسة الحالية بين الصحافة الورقية والصحافة الالكترونية، تبذل جريدة الجمهورية جهدها لتحافظ على تميّزها القديم، من خلال إبراز قدرتها على الجمع بين كِبار الكُتّاب، أمثال "سمير رجب، عبدالله نصار، صلاح عطية، عبد الله النجار، محمد مختار قنديل، السيد هاني، جمال المكاوي، فؤاد الشاذلي، شاكر رفعت شاكر، فاروق مشهور هندي، محمد أبو كريشة، ناهد المنشاوي، إبراهيم أبو وكيلة، وجمال عبد الرحيم" وغيرهم.

إلّا أن ما تُنتجه "الجمهورية" اليوم، يروق فقط لمن تربّى عليها، من تعوّد على قراءتها في شبابه، من يحمل لها ذكريات أيام ولّت ولن تعود، أمّا الجيل الحالي، فلا تُعدّ الصحف الورقية ضمن أولوياته، وحتى موقعها الالكتروني، لا يحتوي على عناصر الجذب، البصرية أو التحريرية، ما يكوّن لها مُتابع جيد جديد.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة