في عيدها الـ49.. «ريم بنّا» بين السرطان والقصف
"بين الساعة 23:30 والـ 00:00 .. ولدتني أمي ليلًا في مشفى صغير في الناصرة .. كانت بداية الحكاية .. أنّني جئت من نُطفة تاهت عن مسارها بخطأ فارغ من الدفء .. غير مقصود ولا متوقّع .. وبقيت كل عمري أحسّ وبشدة .. أنني جئت قبل موعدي بـ 26 عامًا إلى هذا العالم العجيب .. ولا زال هذا الشعور يلازمني 49 عامًا".. نشرتها "ريم بنّا" على صفحتها الشخصية على "الفيس بوك" بمناسبة ذكرى ميلادها الـ49.
ولِدت "ريم بنّا" في مِثل هذا اليوم، 8 ديسمبر، عام 1966، في بمدينة الناصرة عاصمة الجليل بفلسطين، لأمها الشاعرة والمناضلة "زهيرة الصبّاغ"، التي أورثتها جينات فنية ثورية، وكان لها دورًا كبيرًا في التأثير على حياة ابنتها "ريم"، خاصة في الغناء والمواقف السياسية الثائرة، ضد الاحتلال.
تُغرّد منفردة
تقول "ريم" عن بدايتها مع الغناء، في حوار سابق مع "راديو حريتنا": "كنت أعمل في المسرح مع زملائي وأنا طفلة على مسرحية دربتنا عليها والدتي، وأثناء العرض حضر أحد الموسيقيين وأبلغ والدتي بموهبتي الغنائية وضرورة تطوريها، ثم عملت مع مجموعة موسيقية في فلسطين اسمها "أم سعد"، وهو اسم لرواية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. قررت بعدها أن أدرس الموسيقى، فسافرت في منحة إلى موسكو 6 سنوات، استمريت في الغناء وقتها حيث كنت أقدم الغناء بدون رفقة موسيقية، وهذا صعب للغاية ولكنه نوع من التدريب، ثم عدت إلى فلسطين ومن هنا بدأ مشوار الغناء التلحين، فأنا أعتبر نفسي دخلت المجال الفني بالصدفة".
أورثتها القضية الفلسطينية شديدة التعقيد همًّا وطنيًا لازمها في جميع أغانيها، سواء التي غنّتها أو لحنتها، ورغم صعوبة المهمة، إلّا أنها أصرّت على البقاء بمنزلها بمدينة الناصرة، وتعيش تحت القصف، حوّلت أصواته المُفزعة إلى نغمات تتغنى بها، تُطرب مُستمعيها، تُلهب حماسهم، تُذكرهم بقضيتهم المنسيّة "فلسطين لُب القضايا كلها، فمن حقي أن أحكي أكثر عن قضية وطني".
ربما ما يجعل "ريم" مُختلفة عن كل من تغنّى بالقضية الفلسطينية، أنّها لم تقتصر عليها فقط، وإنما ناصرت جميع الثورات العربية في سبيل الحرية المفقودة في بلادها، كما أن لها أسلوبًا مُختلفًا في المزج التهاليل الفلسطينية التراثية بالموسيقى العصرية. كما أنّ كلمات أغانيها مستوحاه من وجدان الشعب الفلسطيني وتراثه وتاريخه وثقافته.
السرطان
"وإن اجتمع القمر والشمس معًا .. تعرف كيف تلُم العتم وتجري إلى الضوء .. وتعرف قيمة النور بعد الحلكة والسواد .. كونوا دومًا نور الفجر الذي يلوّن شرفات الشبابيك والحديقة وحجارة البيت .. دفئًا في حناياه .. وروحًا لا تهدأ .. ووضوحًا كالتقاء القمر والشمس معًا .. إن الحلكة زائلة" هذا ما تؤمن به "ريم".
عام 2009، حين عَلِمت أنها مصابة بسرطان الثدي، واضطُرّت أن تُخبر ابنائها بالتغييرات المفاجئة التي ستطرأ على شكلها، مثل تساقط الشعر. وعانت "ريم" في بداية رحلة علاجها، خاصة أعراضه الجانبية كالاكتئاب وارتفاع درجة الحرارة والغثيان، "ومع ذلك كنت أغني للناس، فعندما غنيت في مصر كنت أتعالج، وكذلك في ريف حلب أخذت العلاج وغنيت، غنيت وأنا أعالج بالكيماوي".
"أنا لا أعطي جسدي لقاتل، معركتي مع المرض مثل معركتي مع الاحتلال، مجبورة أن أكافح، لإن معنوياتي العالية تساعدني أشفى"، لم تكن تلك مُجرّد مقولة لـ"ريم" في لحظة تجلّي، بل قناعة تامّة نابعة من داخلها أجبرت السرطان أن يتراجع أمامها مهزومًا، إلّا أنه أعاد مهاجمتها مرّة أخرى هذا العام، لتُعلن عن إصابتها بسرطان الثدي في يونيو الماضي، مصحوبًا بصورتها بعد أن قامت بـ"حلاقة" شعرها بالكامل. [caption id="attachment_26099" align="aligncenter" width="397"] إعلانها إصابتها بالسرطان[/caption]
تُحارب "ريم" السرطان بكل ما تملك من قوة، تُغنّي، تحتسي فنجانًا من القهوة العربية الأصيلة داخل شرفة منزلها الرائعة، تقتني الزهور والنباتات، تغزل بيديها منسوجات فلسطينية تراثية مُطرّزة، جميع صورها تتزين بابتسامتها، تُعلنها مِرارًا في وجه السرطان "لن أجعلك تأخذ حياتي مني". دومًا تُردد "صحّتي جيدة .. هي تجربتي مع مرض سرطان الثدي والذي أهم ما تعلّمت منه .. أن للإنسان قدرة هائلة وطاقات عظيمة كامنة فيه .. قادرة على التحكّم بأصعب الأمراض والقضاء على أي علّة وذلك بالرغبة الشديد للحياة .. وقتل الخوف في داخلنا .. وأن نقيّم كل لحظة تمرّ .. لنعيشها بجموح فرس يركض في الريح". [caption id="attachment_26091" align="aligncenter" width="532"] شُرفة منزلها وسط زهورها[/caption]
[caption id="attachment_26106" align="aligncenter" width="500"] تطريز صُنع يديها[/caption]
تقضي ساعات في قطف الزيتون من فروع شجر بلادها، مع أهل فلسطين. [caption id="attachment_26112" align="aligncenter" width="587"] أثناء قطف الزيتون[/caption] [caption id="attachment_26113" align="aligncenter" width="571"] بين راحَتَيْها كمشة زيتون من أرض فلسطين[/caption]
قُدوة
أصبحت "ريم بنّا" نموذجًا يُقتدى به في المقاومة، حتى أن سيرتها وأغنياتها تُدرّس في منهج اللغة الإنجليزية للصف الخامس في مدارس الأونورا للاجئين الفلسطينيين في فلسطين، سوريا، لبنان والأردن، جنبًا إلى جنب مع شخصيات عالمية تركت بصمتها في هذا العالم أمثال "هيلين كيلير، وليم شكسبير، نعومي شهاب ناي".