هل صيام أول رجب بدعة؟.. القول الفصل من العلماء
تتصدر قضية صيام اليوم الأول من شهر رجب قائمة التساؤلات الشرعية مع مطلع هلاله في كل عام هجري، حيث ينقسم الرأي العام بين متمسك بالصيام كقربة دينية وبين محذر منه بدعوى البدعة، وهو ما يستدعي فحصا دقيقا لمقاصد الشريعة وأقوال الفقهاء.
حكم صيام أول رجب
تعتمد الإجابة على مشروعية صيام أول رجب على تحديد الزاوية التي ينظر من خلالها الصائم لهذه العبادة.
وتؤكد المذاهب الفقهية الأربعة أن الصيام في شهر رجب مشروع في أصله، كونه يندرج تحت عموم الأدلة التي تندب الصوم في الأشهر الحرم.
وتوضح النصوص الفقهية أن اعتبار الصيام «بدعة» لا يصح إلا إذا اعتقد المسلم أن هذا اليوم تحديدا له أجر مخصوص لم ينص عليه الشارع، أو إذا جعل لهذا الصيام هيئة طقوسية تضاهي صيام رمضان في الوجوب.
وتشير مدرسة التحقيق الفقهي أن من صام اليوم الأول من رجب بنية البدء في موسم الخير، أو لكونه يوما من شهر حرام، فإنه يثاب على فعله ولا يدخل في دائرة الابتداع.
وتتجلى الإشكالية فقط في الأحاديث «الموضوعة» التي تروج لمكافآت خيالية، مثل كفارة ذنوب 3 سنوات لمن صام اليوم الأول، وهي مرويات يتفق المحدثون على كذبها.
ومن هنا، يبرز القول الفصل بأن الصيام في ذاته حسن، والنيات المرتبطة به هي التي تحدد موافقته للسنة من عدمها.
[{read-263331-(title)}
رؤية المذاهب الأربعة في صيام أول رجب
تتباين مواقف المدارس الفقهية في التفاصيل مع اتفاقها على أصل الفضل.
يذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى استحباب صيام رجب أو أجزاء منه، معتبرين أن المسارعة في الصوم من أول يوم تعكس حرص المسلم على الطاعة.
وفي المقابل، يتبنى الحنابلة موقفا أكثر تحفظا، حيث يكرهون «إفراد رجب بالصيام كاملا» لعدم التشبه بفعل الجاهلية الذين كانوا يعظمونه كرمضان، إلا أن هذه الكراهة تزول بمجرد إفطار يوم واحد من الشهر أو صيام يوم من شهر آخر معه، مما يجعل صيام اليوم الأول عندهم جائزا وغير مكروه إذا لم يستوعب الشهر كله بالصيام.
ويؤكد علماء المقاصد أن الحكمة من ندب الصيام في هذه الفترة تتعلق بـ «الترويض الجسدي»، إذ يمثل رجب فرصة لتهيئة المعدة والبدن على الامساك قبل دخول رمضان.
وتوضح التقارير التربوية الإسلامية أن الصائم في مطلع رجب يحقق انتصارا معنويا على شهوات النفس في وقت يغفل فيه الناس، وهو ما ينسجم مع الهدي النبوي في تعظيم الأزمان الفاضلة بالعبادات الخفية.
]
هل يجوز صيام آخر يوم في رجب؟ دار الإفتاء تحسم الجدل
ويخلص العلماء إلى أن وصف صيام أول رجب بالبدعة على الإطلاق هو «تجاوز فقهي»، بل الصواب أنه مباح ومستحب بالنيات العامة، مع ضرورة الحذر من نسب فضائل «مخترعة» إليه.
ويضيف الباحثون في المسائل الفقهية أن الموقف الشرعي المتزن يتطلب توعية الجماهير بالفرق بين «الحديث الصحيح» و«الرواية المكذوبة»، دون تزهيدهم في أصل العبادة، فالإسلام يدعو إلى اغتنام الأوقات، ورجب بوابة هذه الأوقات، مما يجعل الصيام فيه عملا صالحا يندرج تحت مظلة التقوى العامة، شريطة أن يظل في إطاره التطوعي دون إضفاء صبغة التشريع الملزم عليه أو اتهام المخالفين بالخروج عن الملة أو السنة.