نورهان عصام تكتب: الزواج.. من السكينة إلى ساحة قتال
بمجرد أن يعي الفرد احتياجه للبحث عن نصفه الثاني، يبذل قصارى جهده لِبناء بيت يضمه مع شريك حياته، يكوّن فيه أسرته الصغيرة، ويُصبح أبا لأولاد يحملون اسمه؛ كي لا يبقى فردًا وحيدًا، ويستقر بعيدًا عن هوجاء العزوبية، وليكن له من يتقاسم معه الحياة بحلوها ومرها.
ثم تأتي لحظة بحثه عن هذا الشريك، سواء جاءت هذه اللحظة بالصدفة، أو عن طريق ما يمكن أن نُسميه «طنط الحشرية»، أو حتى بأن يقع أسيرًا للحب من النظرة الأولى -في الأول والآخر نصيب– المهم تحدث الشرارة الأولى، ومعها تبدأ «معركة الجواز»، كما عايشتها في بعض المواقف مع أشخاص مقبلين على الزواج.
هذه المعركة تبدأ باختيار الرجل للمرأة، أو العريس للعروسة، وتبدأ أول جولة .. «الشكل». «هي حلوة؟.. شكلها عامل ازاي؟».. هما أول سؤالين يُسألا عن العروسة المنتظرة، كأن الجمال لا ينطبق إلا على المرأة وحدها، ويصبح الأمر «بيعة وشروه» .
بعد أن تخوض الفتاة الجولة الأولى بنجاح، تنتقل إلى مستوى أعلى في المعركة، جولة «العمل»... «هي بتشتغل؟ بتشتغل فين؟».. وهنا تنقسم الشخصيات، فهو –عريس الغفلة– إما أن يبحث عن فتاة تعمل؛ كي تساعده مستقبلًا في مصاريف البيت، وإما لا يرغب في الاقتران بفتاة لها مصدر دخلها الخاص؛ كي لا يجعلها «متمردة» عليه. لكل قاعدة استثناء، وهناك قِلّة شبه معدومة من الرجال –من وجهة نظري– تؤمن بحق المرأة في العمل وتحقيق ذاتها، على اعتبار أن ما بذله الأهل طوال سنوات تعليمها يستحق المكافأة.
عادة، يكون الرجل مُحددًا بشأن عمل زوجته، سواء بالقبول أو الرفض، ولذلك سترى من يبدأ في أولى جلسات التعارف برفض مبدأ العمل، أو الترحيب به، إلا أن هناك من هم أكثر خبثًا، لا يرفضه في البداية، وحين يحدث التوافق وتبدأ ترتيبات الزواج يعلن رفضه.
من رأيي، كوني امرأة تَعِبت لتصل، إن لم يتعارض عمل المرأة مع حياتها الشخصية، ولم يؤثر على رعايتها لبيتها واهتمامها بتربية أبنائها والحرص على راحة زوجها.. إذن فلتعمل.
بعض الأبناء يتأثرون سلبيًا بعمل والدتهم، سواء تأثرًا نفسيًا فقط أو يمتد حتى يؤثر على دراستهم. وإن حدث هذا، فهو ناتجًا عن بُعد حنان الأم، المنشغلة دومًا بعملها وتحقيق ذاتها على حساب أولادها، ولكن دعنا لا نغفل أن هناك بعض الأمهات تعمل لتعول بيتها؛ لأن أزواجهن أقل ما يُقال عليهم ذكورا يعيشون كالأنعام، بل حتى الأنعام أكثر منههم إفادة.
حين تجتاز الفتاة المرحلتين السابقيتن، وفقًا لشروط العريس بالطبع، تدخل في الجولة الثالثة والأخيرة، أو ما يمكن أن نُطلق عليه «ليفل الوحش»، وهي مرحلة «الاتفاقات»، وتشمل العفش والشقة والشبكة والمؤخر والفرح والقايمة.
هنا تشتعل الحرب، سواء من أهل العريس أو أهل العروس، يحاول كل منهم أن يتغلب على الآخر، والفيصل هنا من يخرج بأقل الخسائر، ويتكلّف أموالًا أقل!
مرحلة الشبكة وحدها مُهينة بشكل صارخ، يصل الأمر فيها حدّ التدني والرُخص، «لازم البنت تجيلها شبكة بالشيء الفلاني عشان ميستقلش بيها ويسيبها».. لا أعرف أي منطقٍ هذا! إن لم يتفق العروسان الجدد، هل ستكون للشبكة قيمة يُفرط في سبيلها الرجل أو الفتاة براحتهما كي لا يخسر الشبكة؟.
إن تمكن الشريكان من الاستمرار في علاقتهما، يصلا إلى نقطة كتابة «القايمة».. «نربط بيها الراجل عشان ميقدرش يعمل للبنت حاجة».. هكذا يرى البعض، حتى وصلت «تسعيرة» القايمة هذه الأيام من 70 لـ100 ألف جنيه «عشان البنت متبقاش رخيصة».
في رأيي، أنتم أكثر من تُهينون بناتكم، وتقللون من قدرها حتى حد يصل حدّ الرخص، الحفاظ على مستقبل ابنتك لا يعني مزيدًا من المال، بل بأن تختار لها زوجًا صالحًا، يتقي الله فيها، يعاملها كما كان يعامل الرسول زوجاته، ولو بمقدار ذرة من صفاته؛ لتُبنى الحياة على المودة والرحمة، ليس المال والشبكة.
هل تحوّل الزواج، في هذه الأيام، لمعركة لها خسائر ومغانم؟ هل تدنّت قيمته إلى ذلك الحد؟
لا أدري سر هذا التعقيد، لِمَ أصبح الزواج يُبني على افتراض الغدر من الطرف الآخر؟ هل تحوّل إلى معركة بصولات وجولات؟ لماذا نُعسّر؟ لا عجب إذن حين نجد رجالًا ونساءً في الثلاثينات من أعمارهم، ومازالوا بمفردهم، ذلك نتاج تلك التحكمات الرخيصة.