«قدرات غير عادية».. ربما كان أقل
منذ فترة بعيدة، والسينما المصرية تعاني من أفلام هابطة ودون المستوى؛ لذا حين تجد دور السينما وقد زُينت بـ«بوسترات» فيلم يحمل اسم داوود عبدالسيد كمخرج عليه، بجانب وجود خالد أبوالنجا كبطل للفيلم، بالتأكيد ستشعر أن الوقت قد حان للعودة لمشاهدة الأفلام العظيمة بالسينما المصرية. في أول الفيلم، تجد يحيى المنقبادي "خالد أبو النجا"، يروي قصته بصوته، وتتلخص قصته في كونه طبيب يذهب مضطرًا إلى الإسكندرية بحثًا عن أي شخص يملك قدرات تفوق قدرات باقي البشر. أثناء رحلة بحث يحيى بالإسكندرية عن هذا الشخص الخارق، يلتقي بعدة شخصيات، أبرزها حياة، صاحبة الفندق الصغير المطل على البحر، وابنتها فريدة.
الأحداث تصارعات وتطورت سريعًا العلاقة بين يحيى وحياة، فوجد يحيى ضالته في فريدة ابنتها، ثم يكتشف أن تلك القدرات الخارقة لا تتعلق بالفتاة وحسب، بل ورثتها عن أمها حياة، ثم تتوالى المفأجات وصولًا إلى نهاية الفيلم.
في المرة الثالثة التي يلتقي فيها يحيى وحياة بـ«الصدفة» تطور اللقاء حتى مارسا الجنس بشكل كامل، وخلال العناق كانت تبكي «حياة» بالرغم من ظهور شبقها أثناء تقبيل «يحيى»، وهو ما يظهر الصراع النفسي الأخلاقي داخل «حياة»، فهي لا تريد هذه العلاقة الجنسية، ولكنها غير قارة على كبح رغباتها، فقالت ليحيى بعد أن انتهيا :«أنا بقالي 5 سنين مطلقة، وطول الخمس سنين ملمستش راجل، والنتيجة اللي حصل انهاردة».
الفيلم، كما أسلفت، يتحدث عن طبيب اسمه يحيى يهرب إلى الإسكندرية سعيًا وراء هدفٍ ما، قبل 5 سنوات من الآن، قدم نفس المخرج شخصية تحمل نفس الاسم والمهنة تذهب إلى نفس المدينة، وذلك في فيلم رسائل البحر، وكان يحيى حينها «آسر ياسين»، وكان يحيى اسم الراحل أحمد زكي في فيلم «أرض الخوف» لعبدالسيد أيضًا.
لا أعلم حقًا هل تمثل الإسكندرية هذا القدر من الأمان لعبدالسيد كي يهرب إليها جميع أبطاله؟ أم أتى هذا على سبيل الصدفة، وإن كانت مصادفة، أيعقل أن يحمل الاثنين نفس الاسم والمهنة من قبيل الصدفة أيضًا؟ أم هو فقر في الأفكار؟ أو ربما سعي ما خفي من عبدالسيد لربط جميع أعماله بخيطٍ واحد؟ حقًا لا أدري.
وبعد رؤية الفيلم ستخرج بعدة تساؤلات منها، كيف فقدت الأم قدرتها؟ وكيف أصبح لدى يحيى قدرات هو الأخر؟ ولماذا تخلى عمر البنهاوي بهذه السهولة عن حياة وفريدة؟ لماذا شخصية البنهاوي مموهة وغير واضحة؟
بمحاذاة كل ذلك، فمنذ بداية الفيلم ويحاول عبدالسيد أن يُظهر أي شخص ملتزم دينيًا بأنه «كشري، نكدي، يرفض التنوع الثقافي». ففي الربع الأول من الفيلم، وخلال شراء يحيى زجاجة خمر «واين» داخل أحد المحلات شخص ملحتي ما جعل صاحب المحل يخفي الزجاجة حتى يذهب هذا الشخص، وفي ملامحه الرعب والخوف، وأظهر مشهد أخر تقديم بلاغ إلى الشرطة يفيد بأن السيرك ينشر الفجور والفسق وهو ما سيجعلهم ينتقلوا إلى مكان أخرى.
لم يبدع داود عبدالسيد الذي ينتمي إلى مدرسة السينما التسجيلية في استخدام المؤثرات البصرية بشكل يرتقي إلى الجيد، فمشاهد وجود الأسد داخل القفص كان رديء الملامح، كأنه لم يدرك التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه، فإذا لم يستطع استخدام أسد حقيقي فكان بإمكانه الاستعانة بمصمم جرافيك محترف لإخراج تلك المشاهد بصورة أفضل مما خرجت عليه.
وفي نفس الوقت اللقطات والمشاهد التي كانت تستخدم فيها «فريدة» قدراتها في التحكم أو تحريك الأشياء عن بعد، كأننا مازلنا في بداية عصر استخدام الكمبيوتر ولم ننتقل إلى الطفرة التكنولوجيا في إنتاج وإخراج أعمال كاملة باستخدام خدع بصرية.
ومن زاوية أخرى كان اختيار شكل الملصق الدعائي للفيلم مقتبس من ملصق يقال إنه لفيلم أجنبي صدر قبل في أكتوبر 2010.
أما عن تنوع اللقطات بين القريب والبعيد والمتوسط، والتحرك العالي بالكاميرا، تجلت فيه قدرات عبدالسيد وخاصة في المشاهد التي ظهر فيها يحيى في منطقة الحسين.
في نفس السياق لم يحاول «عبدالسيد» استخدام ألوان مبهجة أو ألوان ساخنة في العمل منذ الدقيقة الأولى كانت أغلب الألوان باهتة باردة تُدخل عنصر الكآبة على العمل وعلى نفسية المشاهدين، ربما رؤية المخرج أن العمل في فصل الشتاء أم لكونه دراميًا فلا يجب التلاعب بعنصر الرؤية البصرية ؟ أو لعل ذلك يرجع إلى أصولية «عبدالسيد» في السينما التسجيلية.
ومن ناحية أخرى، تألق الموسيقار راجح داود في موسيقاه في ومقطوعاته الرائعة في الفيلم، وامتازت ببساطتها وملائمتها مع كل حدث. https://www.youtube.com/watch?v=BRpuKucb4pg
وشارك في العمل "محمود الجندي" في دور الشيخ حسن، كان يعيد مزج عدة شخصيات قام بها مسبقًا فبدمج ضحته السمجة في مسلسل ابن حلال وشخصيته في مزاج الخير أنتجت شخصية ليس لها دور أو أداء. بالإضافة إلى الممثل القدير "حسن كامي" في دور رامز شريف في دوره المعتاد عليه كمغني أوبرالي، والطفلة "مريم تامر" في دور فريدة، والمخرج الإيطالي "أكرم الشرقاوي".
اختيارات عبدالسيد إلى المبدع عباس أبوالحسن، بملامحه القوية والكلاسيكية، في دور عمر البنهاوي، كأحد الشخصيات -ذات السلطة السيادية أو شخصًا ثريًا له نفوذ- كان موفقًا جدًا، فبالرغم أن أبوالحسن لم يستخدم الفاظ خارجة أو قام بالإعتداء على أي شخص، بالعكس كان يمتاز خلال الفيلم بهدوء الأعصاب والتعامل بحكمة ولين. أما الشخصية المحورية الفنانة نجلاء بدر في دور حياة، في بعض الأحيان قد تعشر أنها تحاول أن تثبت إنها تُحبك الأداء .
في النهاية، لا شك أن فيلم قدرات غير عادية جمع شخصيات لها تاريخ بارز في العمل السينمائي، والفيلم مصمم على وجه جذاب في الجانب الدرامي ولكنه في الوقت ذاته يجب أن يكون مثال للفيلم الذي يفتقر إلى عامل الجذب والإثارة والتشويق وفقر استخدام الخدع البصرية، الذي يجب أن نتفق فيه وقتك ومالك ولم يكن أقوى من أعماله السابقة.