في ذكرى وفاة فريد الأطرش.. «ملك العود» بدأ بائعا

في ذكرى وفاة فريد الأطرش.. «ملك العود» بدأ بائعا

تدهورت صحته، ذبحة صدرية تبعها رقاد طويل على الفراش، وتحولت الغرفة الصغيرة إلى حبس لا يغادره، الأصدقاء والمجلات تسليته الوحيدة، حاول الإفاقة سريعًا بالانغماس في العمل، وسقط مجددًا، حاول استعادة حياته الفنية مرة أخرى، ولكن قلبه لم يكن قويًا كفاية. كلما حاول النهوض أعاده ضعف قلبه لنقطة الصفر، وفاة اخته الغامضة أحدثت جرحًا غائرًا في قلبه، لم تعد الرعاية الصحية بالمنزل كافية، نُقل إلى مستشفى الحايك في بيروت، بعد إصابته بأزمة قلبية، وفي يوم الخميس 26 ديسمبر 1974، لم يتمكن قلبه من مواصلة الحياة.. وتوقف، لتعلن الصحف في اليوم التالي عن وفاته عن عمر 64 سنة.. وفاة «ملك العود».. فريد الأطرش. رغم كونه أميرًا، وسليل عائلة عريقة من عائلات «جبل العرب» بجنوب سوريا، إلا أن حياته لم تكن سهلة، بل حملت له الكثير من اللحظات العصيبة. ولد بعام 1917، ومنذ طفولته عانى حرمان رؤية والده، وعانى التشتت منذ صغره، واضطر للتنقل والسفر منذ طفولته، من سوريا إلى القاهرة مع والدته؛ هربًا من الفرنسيين المتربصين بعائلته، انتقامًا لوطنية والدهم فهد الأطرش.

أنا عمر بلا شباب .. و حياة بلا ربيع أشتري الحب بالعذاب .. أشتري فمن يبيع؟ أنا وهم .. أنا سراب

حتى حياته في القاهرة لم تكن سعيدة، حيث عاش مع والدته وشقيقه واخته اسمهان في حجرتين صغيرتين، وحين التحق بإحدى المدارس الفرنسية، اضطر إلى تغيير اسم عائلته، فأصبحت «كوسا»، وهو ما كان يسبب له ضيقًا مستمرًا. بعد فترة قصيرة انقطعت الأخبار من والده، وبدأت الأموال تنفذ من والدته، مما اضطرها للغناء، رغم تضرر أطفالها من عملها هذا.

 رغم تفوق فريد منذ طفولته في الغناء، إلا أن طريقه الفني لم يكن ممهدًا، ففي صغره، اضطر إلى بيع القماش بجانب الغناء؛ لتوفير مصدر رزق للأسرة الصغيرة، وحين بدأ الغناء رافقه الفشل وسوء الحظ لفترة طويلة، وكلما اقترب من النجاح، ابتعد عنه مجددًا، حتى نجح أخيرًا وانطلق في مسيرة فنية حافلة، قام فيها بكل ما كان يمكنه القيام به، من تمثيل وغناء وتلحين. طوال حياته، شارك فريد في 31 فيلمًا كان بطلهم جميعًا، إلا أن فيلمه «حبيب العمر» كان أكثر أفلامه نجاحًا وجنى أرباحًا طائلة، ربما لكون قصته حقيقية، بجانب فيلم «رسالة من امرأة مجهولة» لمدى تشابه أحداث الفيلم مع حياة فريد نفسه، إلا أن فيلمه «أنت حبيبي» الذي شاركته بطولته الجميلة شادية يظل أكثر أفلام فريد تعلقًا في أذهاننا إلى الآن، ربما لما احتواه من أغاني مختلفة، خفيفة وممتعة. عُرف عن فريد الأطرش عشقه للعود، دومًا تجده بصحبته، كان يذوب بين أوتاره، ينسجم مع كل وتر منهم ويُخرج أفضل ما فيه، تتجانس بين يديه النغمات وتخرج فريدة كصاحبها، كان يكفي أن تستمع إلى ألحان العود، العود وحده، لتغرق في عالم آخر وحدك، ربما هذا ما جعلهم يطلقون عليه «ملك العود» بدون منازع. هل فكرت يومًا كيف يُصنع العود؟ كي يتخذ ظهر العود هذا الشكل المنحني، يجب أن يتعرض للنار بمقدار معين، كي لا يحترق أو يتيبس، على الخشب أن يتعرض للنار حتى تخرج منه ألحانًا عذبة، لا تخرج إلا عنه. حياة فريد الأطرش تشابهت مع آلته المفضلة كثيرًا، تعرض لعدد من الأزمات والمشكلات، من تشتت أسري، تهجير وهروب، فقر ومرض، كل تلك العوامل جعلته صلدًا، أخرجت منه ألحانًا خُلدت رغم وفاته منذ 41 عامًا.

الكلمات المفتاحية

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة