حسن و«اتنين نقاشين».. من أجل حلمه أصبح «فاشلا» ونجح
التعليم، مشكلة أزلية تواجه الشباب؛ فما بين محتوى لا يناسب طموح الطلاب ولا يلبي احتياجات سوق العمل، بدأ البعض يلجأ إلى التعليم الإلكتروني والكورسات الأونلاين، لعلها تعزز مهاراتهم العملية، وتشبع شغفهم.
بطل قصتنا اليوم أحد هؤلاء الذين اعتمدوا على التعليم الذاتي والكورسات في بناء حياتهم المهنية، لكنه كان من الجرأة أيضا حتى يقرر ترك التعليم الجامعي تماما، الذي لا يرضي طموحه، ليتبع شغفه ويركز على تنمية مهاراته بالتعامل المباشر مع سوق العمل، بل يؤسس أيضا مشروعا خاصا به لتعليم تصميم الجرافيك، ودعم المبدعين الشباب.
من طالب حصل على المركز الثالث على مستوى المعهد الأزهري، إلى قصة تركه التعليم، ثم تأسيس مشروعه الخاص بمشاركة صديق طفولته، تعالوا بنا نتعرف على قصة «حسن محمد» أحد مؤسسَيّ «نقاشين جرافيك»، كما يرويها في حوار خاص لـ«شبابيك».
البداية
يقول «حسن»: «في عام 2010 أعجبتني تصاميم جرافيك نفذها أحد الأصدقاء، وقررت تعلّم التصميم بنفسي. القراءة والتعلم الذاتي جعلتني متميزا في المدرسة، لكن في الثانوية العامة قررت التركيز على المذاكرة وبعت الكمبيوتر الخاص بي، وتوقفت عن القراءة والتعلم الذاتي. حصلت على المركز الثالث في المعهد الأزهري، ولكن لم أستطع اللحاق بالكلية التي أرغب بها، وكل تضحياتي بالمجال الذي أحبّه ذهبت هباء.
قررت ترك التعليم، لكن تحت ضغط الأهل التحقت بكلية الحقوق، وحصلت على تقدير جيد جدا. في هذا الوقت رجعت مرة أخرى للتعليم الذاتي من خلال المواقع الإلكترونية، وحضرت تدريبات عملية كثيرة جدا. دخلت عالم الإلكترونيات والتسويق الإلكتروني، كما عملت كمئسول إداري لأحد الأكادميات، ومسئول فريق تطوعي، ومتطوع في فريق صناع الحياة ومايكروسوفت أزهر. وأمام كل هذه الخبرات الهائلة التي اكتسبتها من خلال سوق العمل، قررت ترك التعليم للأبد.
ويوضح «حسن»: «التطوير لم يدخل المنظومة التعليمة على الإطلاق، الطالب مطالب بأن ينجح في الجامعة، لا أن يفهم. معظم الطلاب يتفقون معي في الرأي، لكن ليس أمامهم إلا أن يقبلوا بالوضع كما هو».
خطورة القرار
وعن التحديات التي واجهها بعد هذا القرار يقول: «الوضع صعب بشكل مبالغ فيه؛ أصبحت مجرد شخص فاشل في نظر المجتمع، وواجهت صعوبة شديدة في الاعتراف بي في الشركات، حتى إنني فكرت كثيرا في التراجع عن هذه الخطوة والالتحاق بالتعليم الخاص، حتى يكون لدي شهادة وأستطيع أن أجد عملا».
ويتابع: «الناس لديها مبدأ أن الشخص الذي ترك التعليم هو شخص فاشل، قد يصل بالبعض إلى حد الإهانة. الغريب أن هذا الرأي يصدر من أناس لم يستفيدوا بشهادتهم الجامعية على الإطلاق، ويعملون في غير مجال دراستهم. حتى في الفرق التطوعية التي من المفترض أن تسد الفجوة بين التعليم وسوق العمل، كانوا يرددون أنك إذا كنت فاشلا في التعليم لا تكمل طريقك في التطوع، حتى لا تكون قدوة سيئة لغيرك».
نقطة ضوء .. «اتنين نقاشين»
«أن أُعلِّم ما تعلمته لغيري كان هو المبدأ الذي انطلق منه مشروع «نقاشين جرافيك». هكذا يروي «حسن» لـ«شبابيك» كيف بدأ مشروع «نقاشين جرافيك». «ناقشت الأمر مع صديق طفولتي وشريكي «عبد الله علاء». كان يعمل في تصميم الجرافيك، وأنا في التسويق، وقررنا معًا تعليم 10 أشخاص المهارات التي اكتسبناها من سوق العمل والتعلم الذاتي» واخترنا اسم «اتنين نقاشين» لأول ورشة تعليمية نفذناها سويًا.
ويتابع «حسن»: «يبدو الاسم غريبا، لكنه مقصود، لأننا اتبعنا طريق تعليمية مختلفة. ما يحدث في السوق أن المصمم يتعلم العمل على البرنامج أولا، لكننا فكرنا في تعليمهم بطريقة صحيحة، لكنها غير منتشرة، بأن يرسموا التصاميم بأيديهم على الورق أولًا».
«البدايات كانت متواضعة جدا، لم يستمر معنا في أول ورشة غير ثلاثة أشخاص، فقررنا إعادتها مرة واثنين حتى حضر 40 شخصا، كونّا منهم فريق العمل فيما بعد. واجهنا صعوبات مادية كثيرة، خاصة أنني و«عبد الله» تركنا أعمالنا لأجل التفرغ للمشروع».
في «اتنين نقاشين» يتعلم الحضور، تنفيذ المشروع بالكامل، بدءا من الرسم على الورق ثم التصميم والتسويق والبيع أيضا. لأن الهدف هو التدريب على سوق العمل بالكامل. أثناء الورشة يتسلم المتدرب مشروعا كاملا لشركة وهمية، مطلوب منه أن يسلمه كاملا في آخر يوم للورشة. هذه الفكرة جعلت 40 شخصا يحضرون الورشة دون دعاية منا، فقط بتوصية من أصدقائهم» هكذا يوضح «حسن» لـ«شبابيك».
من «اتنين نقاشين» لـ«نقاشين جرافيك»
وعن تطور الفكرة يقول: «جمّعنا من هؤلاء المتدربين فريقا للعمل، ووضعنا خطة لأن يكون لنا مكان مستقل. أول اسم اقترحناه للمشروع بعد «اتنين نقاشين» هو «نقاشين جرافيك» بما أننا أصبحنا «نقاشين» كثيرون، وليس مجرد اثنين بدءا المشروع.
ويضيف «حسن»: «بعد معاناة في إيجاد مستثمر لفكرة المشروع، ودعم من بعض من آمنوا بالفكرة، وقدموا لنا النصائح، وسعادونا على توفير مقر المشروع؛ جهزنا المكان كله بأيدينا، ومن خلال إعادة تدوير بعض الأشياء».
«استطعنا تكوين فريق محترم مؤمن بالفكرة، وحتى الآن لم يتقاضى أحد أي أموال من المشروع، وجميعهم يعملون وقت الامتحانات. يضيف «حسن» في امتنان: «ربنا جمعنا باللي شبهنا» وكان «نقاشين جرافيك» من أكثر الأشياء التي ثبتتي على موقفي من التعليم».
وعن تطوير المكان يقول «نعمل على تجهيز المكان بإمكانيات أفضل، لكن الأمر يستغرق وقتا. نحلم بتوفير أجهزة «ماك» للمصممين، وفرع آخر بأحد المحافظات، يكون مدعوما بإمكانيات تساعد المصممين على إنجاز عملهم، مثل «الجرافيك تابلت» وغيرها».
ويوضح «حسن» أنه حتى بعد نجاح «نقاشين جرافيك» يواجه صعوبة في الاعتراف بعمله في الشركات، بسبب عدم حصوله على شهادة جامعية. التعليم الخاص يبدو أمرا غير سهلا أيضا، خاصة مع عدم توفر ميزانية له. لا يعلم «حسن» حقا هل سيكون التعليم الخاص مختلفا، أم «أننا فقط نوهم أنفسنا بذلك» على حد قوله. على أي حال، يؤكد «حسن» أنه ليس أمامه إلا مزيد من التعلم والعمل، حتى يجبر الشركات على الاعتراف بموهبته يوما ما.