في ذكرى رحيل «الست».. صوتها يتحدى الزمن

في ذكرى رحيل «الست».. صوتها يتحدى الزمن

يجلسون على مقاعدهم، يرتفع المسرح أمامهم ويحجب عنهم الستار الرؤية، يغلبهم شوقهم لرؤيتها، تتعطش آذانهم لسماع جديدها، انتقى كل منهم أفضل حُلة لديه، فالحدث جلل وقد لا يتكرر ثانية...

خلف الستار، تجلس هي على كرسيها الخشبي في وقار وهدوء، تبدو واثقة، لا يشعر أحد بما يعتمل بداخلها من قلق.. المسرح، رغم عِشرتها الطويلة معه إلا أنه ما زال يثير فيها نفس الرهبة.. ويُكشف الستار...

تلتهب أيديهم من التصفيق، ها هي أمامهم لا تفصلهم عنها سوى أمتار، متجسدة لحمًا ودم، من عشقوا صوتها عن بعد تجلس أمامهم الآن.. تنتهي موجة التصفيق وتبدأ الفرقة الموسيقية في العزف..

بعد حين، تقف.. يعود التصفيق مرة أخرى، فهذا إيذان منها بقرب اللحظة التي ينتظرها الجميع.. أن تبدأ في الغناء.. تهدأ القاعة تدريجيًا.. تقف هي بفستانها الطويل، منديلها الذي يرافق يدها ولا يفارقها، شعرها مرفوع للأعلى كالعادة في إباء..

تبدأ في الغناء.. الميكروفون يقف بعيدًا عنها في خجل واستحياء، يعرف قوة صوتها وقدرته على الوصول لقلوب المستعمين دون وسيلة. يخرج صوتها من بين شفتيها ليخترق قلوب الجميع من حولها، تخرج الكلمات من حنجرتها الماسيّة لتشعل نفوس الجميع، لها قدرة عجيبة أن تجعلك تعيش معها بين حروف كلمات أغنيتها..

لا ينبغي أن تكون واقعًا في الحب كي تهيم معها في «سيرة الحب»، ولا أن يهجرك من تحب كي تئن من جراح الفراق في «فات الميعاد».. يكفي أن تقول هي الـ«آه» لتخلع قلوب الجميع معها..

هي كما قالوا عنها.. «الست».. لها سلطة على القلوب ربما لم يملكها سواها يومًا، قادرة أن تفضح كل ما تشعر به بصوتها، وتمضي كأنها لم تفعل شيئًا.. تجعلك تدور في فلك من الحيرة ببضع كلمات.. «هو صحيح الهوى غلاب؟»..

أو تجعلك على حافة الشوق تنتظر موعدًا ربما لن يأتي أبدًا.. «أغدًا ألقاك؟».. أو تعيد لك ذكرى طواها الزمن.. «كلموني تاني عنك.. فكّروني..» أو تضعك في منتصف الطريق وتتركك.. «أروح لمين وأقول يا مين ينصفني منك».

ينافس صوتها الآلات الموسيقية ويطغى عليها وهو يصف نفسه «شيء مش معقول.. شيء خلى الدنيا زهور على طول وشموع على طول» تنتزع الآهات من قلوب كل من في القاعة وهي تقول «مبقولش في حبك غير الله.. الله.. الله».

تختتم أغنيتها.. تتراجع خطوتين للخلف كي تسمح للستار للعودة إلى وضعه الأول.. ما زالت أكف الجميع تصفق وقلوبهم لم تشبع بعد من إبداعها.. تنحني انحناءة بسيطة تحيّة لهم.. يغادر الحضور المسرح وصوتها ما زال يرن في آذانهم وقلوبهم..

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة