شيماء عبدالعال تكتب: إلى الفاتنة الحسناء
«توضيح واجب.. السطور القادمة تحمل خطابا شخصيا بحتا لإحدى رفقاء روحي.. يمكنك التراجع الآن عن القراءة إن أردت.. وإن لم يقرأ هذا الخطاب سواها.. فهذا أكثر من كافٍ لي»..
كأنه الأمس.. مازلت أذكر هذا اليوم بأدق تفاصيله، قبله بأسبوع هاتفني مديري في العمل ليخبرني بأن الأسبوع القادم سيحمل خيرا كثيرا لنا. تمثل الخير – بالنسبة لهم - في أسبوع تدريبي ستعقده لنا المؤسسة التي أعمل بها في مقرها الرئيسي في حدائق الأهرام.. وتمثل الخير لي أنا فيها هي.. حين عثرت على كنزي الثمين..
في اليوم المنشود، بدأت رحلتي الطويلة والشاقة إلى مكان التجمع، أمام جامعة القاهرة.. وصلت وهاتفته، أخبرني أنه لم يصل بعد وأن سيارة العمل في انتظارنا، وحدد لي معالمها. توجهت للسيارة، متوسطة تتسع لـ10 أفراد، بداخلها تجلس فتاتان في المقعد المتوسط.. تجاوزتهما وجلست بالمقعد الخلفي، حين بادرتني هي بالكلام..
عرفتني بنفسها بصوتها الخفيض دوما.. «حسناء» هو اسمها، وصفتها كما أثبتت لي الأيام، أخبرتني أنها تعمل في نفس النطاق الذي أعمل أنا فيه، قلت لها أنني جاهدت كي أصل لأي طريقة أتواصل من خلالها معها؛ كي ننسق عملنا سويًا، أجابت بأنها فعلت المثل..
تحدثت عمّا تواجهه من مشكلات في العمل، صَمِتُ حتى انتهت، وقلت لها أني أعاني من كل ما ذكرت بالضبط، تناقشنا حول كيفية التغلب عليها، وقررنا أن نتوحد في جبهة واحدة ضد جميع تلك المشكلات.. في تلك اللحظة.. في «عربية ياسر» كما أسميناها.. وضعنا قدمينا على أول الطريق، وحين وصلنا لمقر العمل، اقترن اسمينا سويا.. «حسناء وشيماء»..
توالت أيام العمل، ازدادت علاقتنا عمقا وقوة.. كانت أول من لفت انتباهي يوما أن لي أسلوبا جيدا في الكتابة، حسبتها أول الأمر مجاملة حذرة في علاقة سطحية، إلا أن الأيام أثبتت لي عمق إيمانها بي. ورغم كونها –نظريًا- تصغرني بعامٍ كامل، إلا أنها كانت دوما تُمسك بيدي وتقودني للأمام..
تقودني كي ننفذ عملا مختلفا، بشكل ما وجدت ما ينقصني لديها، والعكس صحيح، كان عملنا معا يخرج مكتملا بشكل يعجز أي منا على فعله بمفرده.. كانت تقودني كي أطور من نفسي.. كي أقدم عمل أفضل.. حتى أثناء عبورنا الطريق.. كانت هي التي تُمسك بيدي وتعبر بي..
لم تعبأ حسناء يوما بالمسافة التي تفصل بيننا.. وحين وقعت في أسوء أزماتي على الإطلاق، كانت هي وحدها تقف هنا.. معي.. تعلم ما أحتاجه.. تدفعني للعمل.. للخروج.. للتغيير.. تمنحني كتبا من مكتبتها الخاصة.. ابادلها كتبي.. ندخل في نقاش طويل وممتد حول رواية ما.. نذوب في تفاصيلها.. وننسى أنفسنا..
نخرج سويا لهدف ما، ثم نقرر أن نغير الوجهة تماما.. نذهب لأرضٍ هجرها البشر تقريبا.. نحادث فئات منسيّة.. نواجه مواقف صعبة.. تُضحكنا ولا تصدمنا.. هي دوما مفعمة بالحيوية.. تنبض دوما بالحياة.. أمارس معها عادتي المقيتة.. أغيب أياما دون أن أحاول التواصل معها بأي شكل.. تهاتفني على جميع أرقام أسرتي كي تطمئن عليّ.. وحين أجيبها أخيرا.. اسألها عن حالها.. تجيب: «أحسن منك».. كم هي صادقة تلك العبارة!
هي الآن يطاردها شبح مخيف.. تهرب منه أحيانا، تختبئ أحيان أخرى، وتواجهه كثيرا.. ذلك المحتل السخيف.. أطل عليها قبل شهور.. ويصر أن يرافقها ويظل معها.. أعلم يقينا – بإذن الله – أنها هي من ستنتصر.. لم أعهدها يوما جبانة كي تهرب، ولا ضعيفة كي ترفع راية الاستسلام.. ولا بائسة كي تتركه يقود زمام أمورها..
هي دوما عنيدة.. قوية.. مجنونة.. صلبة.. محبة للحياة بكل ما فيها، أعرف أن ذلك الضيف السخيف قد قاده سوء حظه كي يعترض طريقها، وأعرف كم هي قادرة على تنحيته جانبا والمواصلة كأن شيء لم يحدث.. وأعلم أننا يوما سننشر كتابا فيه مواقفنا.. الكوميدية والصعبة.. البيضاء والأكثر سوادا.. كتاب سيحمل أسمينا جنبا إلى جنب كما اعتدنا.. «حسناء وشيماء».