في حضرة مولانا جلال الدين الرومي.. الكُلُ في عِشق الإله سواء
ثوب أبيض واسع، حزام عريض مشدود على الوسط، قلنسوة طويلة مائلة للخلف، تلتف سويًّا على جسد مفتوح الذراعين، مائل الرأس نحو اليمين، يتمايل بشدّة على أنغام الإيقاع المنتظم.
«الله.. الله.. الله» تتردد عالية متناغمة مع الأجواء، نشوة غريبة تتدفق في العروق، شغف يمسّ القلوب، يزداد الدوران ويزداد تجرُّد الراقص من الدنيّا، ويتضاعف انغماسه في الذات الإلهية.
قبل 811 عام، جاء إلى العالم طفلًا أصبح رمزا للصوفيّة على مر التاريخ، يوم أن وُلِد «مولانا» كما يُطلق عليه، يوم أن وُلِد «جَلَال الدِّين الرُّومي».
حديثًا، أصبحت الصوفية طقسًا للبعض، وبعض الشباب اعتبرها «موضة» يجب اتباعها. في حين أن جوهرها التجرد والزهد في الدنيا.
في السطور القادمة، تعرّف على الصوفية من خلال «مولانا الرُّومي».
الميلاد
وُلِد جلال الدين الرومي، أو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، في "بلخ" في بلاد فارس، تنقل خلال سنوات عمره الأولى بين عدّة بلاد حتى استقر في «قونيّة» بتركيا وهو في التاسعة عشر من عمره.
اشتغل أولًا في تدريس الفقه لبراعته فيه، ثم ترك متاع الدنيا وراءه ساعيًا خلف التصوّف في أواخر الثلاثينات من عمره.
شمسُ الدرويش
من بين رحلاته في حلب وبغداد ودمشق، تصادفت أقدار الدرويش "شمسُ الدِّين التبريزي" مع جَلَال الدِّين الرُّومي؛ لتنتُج عنها صداقة أثرت التراث الإنساني والإسلامي بكمٍ زاخر من الشعر، الذي يُترجم إلى يومنا هذا لمختلف اللغات.
كان "التبريزي" نقطة تحوّل في حياة «مولانا» بعدما جمعتهما الصداقة التي أثارت غيرة مُحبي الرومي، واعتكف الصديقان 40 يومًا في مدينة قونية؛ لكتابة «قواعد العشق الأربعون» في العِشق الإلهي.
من أشهر الكتب التي ألفها الرومي على الإطلاق «المثنوي»، والذي يُعدّ من أهم كُتب الصوفيّة في الشعر، مُضافًا إليها «الرباعيات»، "ديوان الغزل"، «المجالس السبعة» ورسائل المنبر.
السَمَاع
"السَّماعُ هو شُعورُ الإنسانِ بخالقهِ في أصغرِ خليَّة، السماع ليس عبارة عن الدوران. إذا كان الإنسان وهو جالس يشعر في أعماقه بالخالق، فهذا يعني أنه في حالة سماع" قالها الرومي لتشجيع مُريديه لسماع الموسيقى، وخاصةً الناي.
رقصة الصوفية
يُقال أنه في عصر يومٍ ما، كان جلالُ الدينِ يمشي في سوق قونية، مُطرَقًا لحزنه على فراق صاحبه "التبريزي"، حين تناهى إلى سمعه مطارق العمال وهي تطرق الذهب، فرفع يدهُ اليمنى، وأمال رأسهُ نحو كتفه الأيمن، ودار دورتين ثمَّ استمر في الدوران، لتُسمّى هذه الرقصة بالـ"مولوية" وتُصبح رمزًا للتصوف.
أمّا عن رمز الزي الأصلي للرقصة، فالثوب الأبيض يرمز للكفن، والحزام يرمز للصبر والتحمّل، والقلنسوة ترمز لشاهد القبر.
رحيله
"لا تبحث عن ضريحنا في الأرض بعد وفاتنا.. فضريحنا قلوب العارفين" قالها مولانا قبل رحيله، إلّا أنه بعد وفاته، عن عمر 66 عام، وحتى الآن، يبقى ضريحه مزارًا أساسيًا لكل من ذهب لمدينة قونيّة يومًا، أيًّا كانت ديانته، فقد عاش ومات الرُومي على العِشق الإلهي الخالص.