«روز اليوسف».. المرأة التي أقالت الحكومة وهددت الأهرام
بينما كان النساء في عصرها يجاهدن لينلن حقوقهن البسيطة.. كانت «روز اليوسف» تسبقهن بقوة وتشكل في وعي أجيال وراء أجيال باقتحامها عالم التمثيل ثم الصحافة ثم تأثيرها الذي وصل إلى إقالة حكومة «نسيم باشا».
ربما طفولتها الصعبة للغاية هي التي دفعتها للسعي بلا توقف لتحقيق حلمها، ولتشكل وعي أجيال وراء أجيال، وهي التي لم تتوفر لها في طفولتها قسط وافر من التعليم.. وعلمت نفسها بنفسها القراءة والكتابة في سن الرابعة عشرة.. فما قصتها؟
من «فاطمة» لـ«روز اليوسف»
إسمها الحقيقي هو «فاطمة اليوسف» وليس «روز».. ولدت فاطمة في مدينة طرابلس اللبانية، عام 1987 وتوفيت والدتها بعد ولادتها بقليل، وأودعها والدها «محمد محي الدين اليوسف» لدى أسرة مسيحية صديقة للعائلة لتربيتها، هذه الأسرة كانت تناديها باسم «روز». وما إن تمت السابعة من عمرها حتى توفي والدها، ويقال أنه اختفى في ظروف غامضة ولم يعلم عنه أحد أي شيء.
تعهد صديق للأسرة بعد وفاة والدها برعايتها، وقرر اصطحابها في رحلة بحرية إلى أمريكا اللاتينية، ولكن عند توقف الباخرة بالإسكندرية، هربت فاطمة من صديق والدها، لتبدأ أولى خطواتها في عالم المسرح.
ممثلة المسرح الأولى
المسرح كان عالما سحريا براقا لهذه الفتاة الهاربة، وكانت أول عمل لها كمسئولة عن ملابس الفنانات، وبدأت تعلّم نفسها القراءة والكتابة في تلك الفترة كذلك.
أتيحت لـ«روز» الفرصة فقط في التمثيل عندما تغيبت إحدى الممثلات الكبار بفرقة «عزيز عيد» وكان الدور المقرر أن تؤديه هو دور جدة في التسعين من عمرها! ولكن «روز» استطاعت أن تؤدي هذا الدور ببراعة شديدة وهي لا تزال شابة صغيرة، ما لفت إليها أنظار المخرجين في ذلك الوقت.
تنقلت «روز» بين الفرق المسرحية، مثل فرقة «عبد الله عكاشة» و«جورج أبيض» و«يوسف وهبي»، حتى وصفتها الصحافة بالممثلة الأولى و«سارة برنار» الشرق - والتي اعتبرت من أعظم الممثلات المسرحيات في أوروبا - بعد دورها في مسرحية «غادة الكاميليا».
جريدة شابة تهدد «السرايا»
بدأت «روز اليوسف» مشاورها في عالم الصحافة عندما أنشأت مجلة فنية تكون منبرا للدفاع عن الفن والفنانين، باعتبارها مهنة راقية تساهم في التأثير في الوعي ورفع المستوى الثقافي.
وبعد عشرة أعوام على تأسيس المجلة وتراكم الديون عليها، قررت «روز اليوسف» أن تحول المجلة إلى صحيفة سياسية تصاعدت بقوة في عالم الصحافة، وضمت إليها كبار الكتاب والمفكرين في وقتها مثل عباس محمود العقاد ومحمود تيمور، وعبد القادر المازني.. حتى هددت تلك الجريدة الشابة كيانا عريقا، مثل صحيفة «الاهرام».
هاجمت جريدة «روز اليوسف» الإنجليز، وانتقدت رئيس الوزراء «نسيم باشا» حتى استقالة حكومته، وطالبت بعودة دستور 1923. دعمت الجريدة كذلك حزب الوفد الذي كانت تراه «روز» حزب الشعب في مواجهة السرايا، حتى أطلق بعضهم على الوفد حزب «روز اليوسف» قبل أن يتصاعد الخلاف بينهما بعد عود الوفد للوزارة، وإلغاءه ترخيص الجريدة.
تعرضت «روز اليوسف» لانتقادات كثيرة بسبب جريدتها، ليس بسبب الحملات السياسية فقط؛ فانتقد البعض تسميتها للجريدة باسمها، وادعوا أنها ترغب في الشهرة فقط.. في حين قال آخرون أنها ممثلة وراقصة ومكانها ليس الصحافة!
لكنها ردت على انتقادات تسمية الجريدة باسمها، بأن الجريدة جزءا من روحها وكيانها وفكرها.. كما أنها نشرت مقالا للكاتب الساخر «عبد القادر المازني» يسخر فيه منها شخصيا، ويسخر من تجربتها في الصحافة ويصفها بالنزوة وينصحها بالعودة للفن.
حياتها العائلية
«روز اليوسف» هي والدة الكاتب والروائي إحسان عبد القدوس. وقد تزوجت ثلاث مرات، الأولى من محمد عبد القدوس، والثانية من المسرحي ذكي طليمات وأنجبت منه ابنتها آمال. والثالثة من المحامي قاسم أمين، حفيد قاسم أمين، مُحرر المرأة.
توفيت روز اليوسف في 10 أبريل عام 1958، وقد منعت كتابة أي سيرة ذاتية لها في حياتها، لكن بقيت مقولتها الخالدة: «كلنا سنموت، ولكن هناك فرق بين شخص يموت وينتهي، وشخص مثلي يموت ولكن يظل حيا بسيرته وتاريخه».
⇓نرشح لك⇓