منذ عهد الرسول.. هكذا تبدلت طقوس رمضان

منذ عهد الرسول.. هكذا تبدلت طقوس رمضان

ثلاثون يوما يأتون كل عام مرة، يُدخلون البهجة على قلوب المسلمين الذين ينتظرونهم من العام للآخر. قبل شهر رمضان تستعد البلاد الإسلامية لاستقبال الشهر الكريم بالكثير من الطقوس التي لا تخص سواه.

موائد رحمن، فوانيس، تراويح، ومأكولات لا تظهر إلا فيه مثل «القطايف» و«الياميش»، ومشروبات مثل «قمر الدين» و«التمر باللبن»، وجميع هذه الطقوس تراها لتعلم أن الشهر الكريم على الأبواب، ولكن كيف تطورت تلك الطقوس حتى وصلت للشكل الحالي؟.

الرسول والصحابة

لم يكن الإسلام في أيامه الأولى قد أرسى قواعده بعد، ولم يكن شهر رمضان يشهد تلك المظاهر والطقوس المبهرجة التي نراها اليوم، إلا أن بعض المؤرخين يُرجعون موائد الرحمن للرسول صلى الله عليه وسلم، حين أقام مائدة للوفد الذي جاء إليه من الطائف في أثناء وجوده بالمدينة.

صحابة

واتخذ الوفد من المدينة مكانا يستقرون فيه لفترة، وكان الرسول هو المضيف، وكان يرسل إفطارهم وسحورهم مع بلال بن رباح. جاء من بعده الخلفاء الراشدون ليقتدوا به، حتى أسس عمر بن الخطاب دارا كاملا للضيافة يفطر فيها الصائمون.

صحابة

كما يؤثر عن عمر بن الخطاب أنه أول من جمع الناس على صلاة التراويح خلف إمام واحد في السنة الثانية من خلافته، بعد أن رأى الناس يصلون فرادى، فرأى أن جمعهم أفضل.

أما المتفق عليه، فهو أن السلطان أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، هو أول من أقام مائدة الرحمن للعطف على الفقراء ممن لا يجدون طعاما للإفطار.

كان الدافع حينها إقامة حفل إفطار، دُعي إليه الأعيان وكبار رجال الدولة والتجار، وعندما وصلوا إلى الحفل، وجدوا عددا كبيرا من فقراء مصر، جاءوا بدعوة من الأمير أيضا.

في ذلك اليوم، أبلغهم بن طولون أن المائدة ستستمر طوال أيام شهر رمضان؛ لاستقبال الفقراء والمساكين وعابري السبيل، وحثّ الأعيان وكبار التجار على أن يقتدوا به. ومنذ ذلك الحين أصبحت موائد الرحمن، أحد معالم رمضان في مصر.

في عهد الأمويين

لم تكثر مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في عهد الدولة الأموية مثلما هو الحال مع الدولتين العباسية والفاطمية. بعض المؤرخين يُرجعون عدد من المأكولات والمشروبات إلى عصر الأمويين مثل مشروب «قمر الدين».

ترجع تسمية «قمر الدين» بذلك الاسم إلى إحدى روايتين، إما نسبة إلى صانعه «قمر الدين» الذي كان يشبه القمر في جماله، وكان يملك بستانا من المشمش في دمشق وهو الذي صنع العصير في رمضان.

اموية

الرواية الأخرى تقول إنه كان يُطرح في الأسواق مع رؤية هلال رمضان فسمي «قمر الدين»، إلا أن المؤكد أنه مشروب سوري الأصل. كان ذلك المشروب معروفا في بلاد الشام قبل الفتح الإسلامي، وانتقل مع الفتح إلى بقية البلاد، واستمر كطقس رمضاني حتى يومنا هذا.

وكعادة أهل الشام في الاشتهار بصنع الحلويات، فمعظم المؤرخين يُرجعون الكنافة لأهل الشام، باعتبارهم اخترعوها لتُقدم إلى معاوية بن أبي سفيان أول خلفاء الدولة الأموية إبان ولايته على الشام كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع في نهار رمضان. فيما نسب بعض المؤرخين اختراع الكنافة إلى سليمان بن عبد الملك الأموي، باعتبارها صُنعت له خصيصا لتكون وجبة سحور خفيفة له أيضا.

في عهد العباسيين

العباسي

بدأ الاحتفال برمضان منذ ذلك العهد، حين تزينت ليالي رمضان بالاحتفالات احتفاءً بالشهر الكريم. وكان الخليفة هارون الرشيد، رغم زهده وورعه، إلا أنه كان ولوعا بإعداد وسائل الترفيه البريء لعامة الناس في رمضان، بما يقيمه من ولائم في قصره أو في الحدائق العامة تتسم بالبذخ بما لم يعرف له مثيل.

في عهد الدولة الفاطمية

كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، أول من وضع تقاليد المائدة فى عهد الدولة الفاطمية، وكان يقيم ولائم الإفطار في قصره لعلية القوم، ومثلها في المساجد والأحياء الشعبية لإطعام الفقراء والمهاجرين، بجانب إخراج 1100 قدر من قصره من جميع ألوان الطعام، لتوزّع على الفقراء.

في عهد الحاكم بأمر الله كان يأمر جنوده بالمرور على المنازل ودق الابواب لإيقاظ المسلمين للسحور، ثم خُصص رجل للقيام بهذه المهمة باستخدام عصا يدق بها أبواب البيوت مناديا «يا أهل الله قوموا تسحروا».

في عهد الدولة الأيوبية

اقتصر الأمر على الاحتفال برؤية الهلال، والاحتفال بليلة القدر بإقامة الأذكار والشعائر الدينية، وتلاوة القرآن وإلقاء دروس الوعظ في المساجد، وحث الناس على محاربة الصليبيين الذين كانوا يهددون العالم الإسلامي، في سعيهم لانتزاع بيت المقدس من حوزة المسلمين.

كما كانت دور الأثرياء تفتح أبوابها للفقراء والعائدين من الحرب؛ لينعموا بالإفطار والسحور، وسماع القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة. كما كان المُحتَسب، وهو شخص يمر على الأسواق لمراقبة سلع التجار يمر للتأكد من وفرة وجودة السلع ونظافة السقائين.

ايوبيين

في عهد الملك الكامل كان يصدر قرارات بغلق الخمّارات واعتقال البغايَا، بجانب إغلاق المطاعم والمقاهي، وقيل إنه كان ينزل بنفسه في أول أيام رمضان، فإذا صادَف مفطرًا أمر بضربه.

الدولة المملوكية

كانوا يستطلعون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون بالنحاسِين، فإذا تحققوا من رؤيته أُضيئت الأنوار على الدكاكين، وخرج قاضي القضاة في موكب تحفه الفوانيس بالشموع والمشاعل حتى يصل إلى داره.

مماليك

كما كانوا شديدي العناية بإحياء ليالي رمضان، حيث حرصوا على قراءة القرآن من أول رمضان في الجامع الأزهر، وختمه ليلة العيد بحضور السلطان وطلبة الأزهر وقضاة المذاهب الأربعة، ثم تفرق الهبات على العلماء والفقهاء وطلبة الأزهـر والأيتام والأرامل والمرضى والمهاجرين.

الدولة العثمانية

كان الحكام والولاة يقيمون الولائم لإطعام الفقراء على نفقتهم طوال شهر رمضان، خاصة حين تشتد الأزمات الاقتصادية. كما كان الأعيان يفتحون بيوتهم للفقراء ولتلاوة القرآن طوال الشهر.

كما كان التجار فى محلاتهم يتلون القرآن، ويوزعون الخبز على الفقراء. وفي الليل تزدحم المقاهي بالناس لتناول القهوة والتدخين، وكانت المساجد الصغيرة تقفل بعد صلاة التراويح، فيما تظل الجوامع الكبيرة مفتوحة طول الليل.

الآن

استمرت المظاهر بنفس الشكل تقريبا حتى وقت قريب، حين بدأت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في مصر في التغيّر، وارتبط رمضان بعدّة مظاهر رسمية لا تتغير. أبرز تلك الظواهر هو ارتباط رمضان بالأعمال الدرامية، حي يكتظ التلفزيون بكم هائل من المسلسلات والبرامج المصرية والعربية باعتباره الموسم السنوي للأعمال الدرامية.

كما يرتبط رمضان بإخراج القادرين أموالهم لتوزيع شنط رمضان على غير القادرين ماديًا، كما تقوم الجمعيات الخيرية بجمع الصدقات والتبرعات لتوفير عدد كبير من شنط رمضان خاصة مع ارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول.

لرمضان المصري عدة سمات أخرى، مثل انتشار بائعي الكنافة والقطايف في الشوارع، وتعليق الزينة والفوانيس في الشوارع وعلى واجهات المحلات والعمارات، بجانب إحياء النوادي والكافيهات لليالي رمضانية «للترويح» عن الصائمين، وإطلاق الأطفال لـ«البومب والصواريخ».

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة