هذا ما فعله «البُهرة» بالمساجد الفاطمية.. فكيف رد السادات؟
مع بداية الثمانينات من القرن الماضي حتى وقتنا هذا، قامت طائفة «البُهرة»- بضم الباء - بترميم عدد من الآثار الإسلامية كان أبرزها جامع الحاكم بأمر الله، ما أحدث جدلاً واسعاً طيلة العقود الماضية بين الأثريين بين مؤيد ومتحفظ ومعارض لهذه المشروعات في ظل إشارة البعض لوجود أخطاء ترميمية فادحة ارتكبتها الطائفة تحت غطاء مذهبي.
لكن هناك ظروف مهدت للطائفة، التي تعد إحدى الطوائف الشيعية الإسماعيلية، التغلغل فى حقل ترميم الآثار. يقول الدكتور أحمد الزيات عضو اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية بوزارة الآثار لـ«شبابيك» إنها سياسية بالأساس، عاشتها مصر فى بداية الثمانينات من القرن العشرين بعد المقاطعة العربية لمصر إبان توقيعها اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني ودعوة الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى الوحدة الإسلامية بديلاً عن الوحدة العربية.
وتابع أن الطائفة استغلت هذه الظروف وتقربت إلى صناع القرار في مصر، ومن ثم اتجهت إلى ترميم آثار الدولة الفاطمية وبعض آثار «آل البيت» بغرض نشر المذهب الشيعي، ثم اتجهت بعد ذلك لتطبيق نظام «الكفالة» وهو نوع من المشاركة بينهم وبين أصحاب المحال التجارية في منطقة الجمالية التي تضم الكثير من هذه الآثار بهدف زيادة تواجدهم وتحقيق نفس الهدف.
مسجد الحاكم بأمر الله
بناء على المعطيات التي فرضت نفسها في مطلع الثمانينات تقدم البُهرة بطلب للحكومة المصرية لترميم مسجد الحاكم بأمر الله، بعد أن ساءت حالته المعمارية في ذلك الوقت، وسُرق منه كثير من أعمدته وأروقته وبوائكه وتحول إلى مكان مهجور، كما كان بداخله مدرسة السلحدار الابتدائية ومخزن للبصل والثوم والليمون، وكان مرتعاً للدواب بسبب قربه من سوق البصل.حسبما يقول «الزيات».
ويُسمى المسجد أيضاً بـ«الأنور» ويقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي الذي يشق منطقة القاهرة التاريخية، والمسجد ملاصق لسور القاهرة من الجهة الشمالية بجوار بوابة الفتوح. وتقدس الطائفة الحاكم بأمر الله ويعتقدون أنه حي يرزق، وسوف يعود ذات يوم من خلال حائط موجود داخل مسجده.
ويضيف «الزيات»: وافقت الحكومة المصرية على المشروع بعدما عرضت الطائفة ترميم المسجد على نفقتها الخاصة وتحت إشراف المجلس الأعلى للآثار.
قام «البُهرة» بترميم المسجد على مرحلتين. الأولى شملت إزالة الإشغالات داخل المسجد مثل المخزن والمدرسة، وفى سبيل ذلك اشتروا قطعة أرض بمنطقة الجمالية وقاموا ببناء مدرسة بديلة، وفي المرحلة الثانية قاموا بترميم المسجد، وجلبوا الخامات غير الموجودة بمصر من الخارج مثل خشب التاج الهندي والفضة التى كانت تزين الأبواب، كما بنوا مجموعة كبيرة من الدعامات وتم تصميم المسجد وفق نمطه القديم.
وصل اهتمام «البُهرة» بمسجد الحاكم إلى حد تناثر أقوال بعد افتتاح المسجد عقب ترميمه في عهد الرئيس الراحل أنور السادات تشير إلى محاولة انتزاع قرار رسمي بالإشراف على المسجد.
ويُحكى أن الطائفة أهدت زوجة السادات حقيبة من الذهب الخالص أملاً في الحصول على مفتاح المسجد، إلا أن الرئيس الراحل أودع المفتاح لدى وزارة الأوقاف لتكون مسؤولة عن شؤونه وتعيين إمام له من السُنة وليس من «البُهرة» كما كانوا يريدون .
استحضار المذهب أو العقيدة عند تنفيذ أي مشروع يمثل أكبر خطر على الآثار. هكذا يقول أستاذ الآثار الإسلامية والعضو السابق باللجنة الدائمة للآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار حجاجي إبراهيم لـ«شبابيك»، مشيراً إلى أنه عندما قام «البُهرة» بترميم جامع الحاكم بأمر الله أزالوا كل الإضافات المعمارية والزخرفية سُنية المذهب والتي طرأت عليه بعد العصر الفاطمي.
ويوضح «حجاجي» أن الطائفة أزالت كل الزخارف الإسلامية ثمُانية الشكل والتي تشير إلى أبواب الجنة الثمانية وفق معتقدات أهل السنة، واستبدلوها بزخارف مصممة وفق الرقم 12 الذي يشير إلى عدد أبواب الجنة وفق معتقدات الشيعة.
أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة الدكتور مختار الكسباني قال لـ«شبابيك» إن الطائفة أزالت كل الإضافات المعمارية المملوكية للابقاء فقط على المعالم الفاطمية دون غيرها، وهذا ما ظهر من خلال إزالتهم لإحدى القباب المملوكية التى كانت موجودة أمام المسجد وهي طراز معماري سني في الأساس حيث تم نقل القبة لمنطقة صحراء المماليك.
الدكتور أحمد الزيات يختلف مع الرأيين السابقين مشيراً إلى أن كثيراً من الأثريين وجهوا انتقادات شديدة لترميمات «البُهرة» خاصة جامع الحاكم بأمر الله، تحت دعوى أنهم قاموا بالتجديد أكثر من الترميم، كما أن الترميم اشتمل على أخطاء، قائلاً إن أفضل رد على هذا الكلام أن هذه الطائفة حولت المكان من «خرابة» إلى مسجد.
ترميم مسجد الحاكم بأمر الله ليس الوحيد الذي أثار الجدل، فهناك مساجد أخرى رممتها الطائفة وشهدت تبايناً في الآراء.
جامع الجيوشي
أعمال البياض والتجديد التي قام بها «البُهرة» طمست الزخارف السنية التي طرأت على المسجد بعد العصر الفاطمي، هكذا يقول «حجاجي».
ويشير إلى أن الطائفة قامت بطلاء المسجد باللون الأسود دون مراعاة لشكله الأصلي، وذلك تعبيراً منهم عن حزنهم الشديد على وقوع الدولة الفاطمية، وعندما ووُجهوا باعتراضات قاموا بإعادة طلائه باللون الأبيض للتعبير عن أملهم في إحياء الدولة الفاطمية من جديد، وكانوا يعاملون مفتشي الآثار المصاحبين لهم بجفاء شديد.
ومسجد الجيوشي كان في الأساس مشهداً بناه بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر سنة 478هـ /1085م على حافة جبل المقطم خلف القلعة، وكان أول مسجد بني بالحجر بالقاهرة.
جامع اللؤلؤة
تغيرت معالم المسجد تماماً وأصبح مثل العمارة السكنية بعد ترميم «البُهرة» له عام 1989، ولم يتدخل متخصص أو مفتش وقتها لمنع هذه الجريمة الأثرية، حسبما يقول «حجاجي».
و«اللؤلؤة» مسجد أثرى بناه الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله وسط هضبة المقطم، وترجع تسميته بذلك لأنه عند إضاءته مساءً يصير مثل اللؤلؤة وسط الجبل.