«شي جابي».. كاتم أسرار البيتزا الإيطالية في الإسكندرية (صور)
كتبت: مي مصطفى
باب خشبي من الطراز الكلاسيكي تطل من خلف زجاجه ستائر منقوشة باللونين الأحمر والأخضر على شكل مربعات، وما إن تعبره تصبح في لمح البصر داخل مطعم إيطالي من طراز التسعينات. أرجاء مطعم «شي جابي» بالإسكندرية معبقة برائحة التوابل الطازجة، وتنقلك الموسيقى بداخله إلى روما بأجوائها الساحرة.
لا يعلم كثيرون من أهل الإسكندرية أن في مدينتهم مطعما إيطالي يرجع تاريخه إلى 70 عاما مضت، فبجانب مسرح سيد درويش (أوبرا الإسكندرية) يقع «شي جابي» في شارع جانبي لا يخطر على بال أحد.
8 كافيهات لعشاق مشروب القهوة
المطعم كلاسيكي، وسمي على اسم مالكه جابريل أسعد والشهير بـ«مسيو جابي» بعدما أعجب به واشتراه من ملاكه اليونانيين رغم قدمه، حيث أنه تم بنائه عام 1946، ولكن عام 1979 قرر «مسيو جابي» (فرنسي لبناني) أن يشتريه ويقوم فيه ببعض التجديدات، وأطلق عليه اسم «شي جابي» حاملاً نصف اسمه ليعني «عند جابي» بالفرنسية.
والمطعم أول مكان قدم لرواده البيتزا الإيطالية، بل يعتبر أول مطعم في مصر تخصص في صناعة البيتزا بجانب أشهر الأطباق الإيطالية خاصة التي تعتمد على العجائن والصوص والتوابل، وهو السر الذي لازال يحفظ للمكان قيمته باعتباره صاحب المذاق الأصلي للبيتزا الإيطالية منذ افتتاحه وحتى الآن.
كافيهات اسكندرية.. عيشها بطعم تاني
وبنظرة سريعة لـ«شي جابي» يمكنك التأكد من أن كل ما حولك لابد وأن يدفعك للاستغراق في الأجواء الإيطالية، بدءا من المقطوعات الموسيقية المسموعة طوال الوقت، مرورا بجدران المطعم التي امتلأت بصور من إيطاليا وقصاصات من صحف كتبت عنها، إضافة إلى مفارش الطاولات والستائر التي اتخذت من اللونين الأحمر والأخضر رمزا للطراز الإيطالي القديم، وهو الطابع الذي يحاول المطعم الحفاظ عليه بمختلف الطرق، بخلاف إمكانية متابعة عمل شيف العجائن لتوفير مكان الجلوس بجوار الفرن الحجري ذي الطراز الإيطالي.
وعن تميز «شي جابي» تقول مالكته الحالية وأرملة جابي أسعد، إنهما قررا منذ البداية أن يكون المطعم مخصص للأكلات الإيطالية وليس الفرنسية باعتبار أن ذوق الأكل الإيطالي هو الأقرب للذوق المصري بحكم حب المصريين للعجائن والمكرونة وكل الأكلات التي تتداخل فيها الصلصة وأنواع الصوص المختلفة، مؤكدة أن المطعم يمتاز بأن توابله دائما طازجة وهذا يظهر من رائحتها الذكية، وحتى لحومه وأسماكه يتم شرائها أولا بأول علما أنه يتم صناعة «السجق» داخل المطعم ولا يتم شراؤه جاهزا.
أما عن جمهور المطعم، فأوضحت «مدام جابي» أن هناك قطاع كبير من زبائنها الذين اعتادوا على تناول وجبتهم في المطهم منذ 30 سنة وحتى الآن لما يحمل لهم المكان من ذكريات جميلة، إلا أن هذا لا ينفي قدوم الشباب والفتيات للاستمتاع بالأجواء التي يخلقها المحل بخلاف المذاق الأصلي للأطعمة، علما أن سعر البيتزا يتراوح ما بين 28: 45 جنيه حسب النوع.
4 كافيهات مميزة في وسط البلد.. هتتبسط ومش هتدفع كتير
كما يشتهر المطعم بعدة أكلات أخرى يكثر طلبها ومنها شوربة لسان العصفور، و(فين آند ريف) لحم بتلو مكوناتها الجمبري والزبد، وكانيلوني السيمون، وفيليه بالزيتون، وهي الأكلات التي أكدت صاحبتها أن هناك عدة مطاعم حاولت تقليدها وتغيير اسمها بعد أن ذاقتها في «شي جابي» إلا أنها خرجت جميعها في شكل نسخ ولم تقترب من المذاق الأصلي.
مطعم «شي جابي» ملحق به كازينو صغير يعرف باسم «كازينو رويال» والذي كان ملهى فيما سبق بينما تم تغيير نشاطه مؤخرا ليضم فقط حفلات اعياد الميلاد بالحجز من قبلها، ويضم بين أرجائه عددا من الصور الكلاسيكية لإيطاليا والإسكندرية، بخلاف صور حكام مصر من الأسرة المالكة، وإعلانات المشروبات الروحية العتيقة، وقائمة أسعار تعود للخمسينات تحمل سعر المشروب بالصاغ.
بنبرة حزينة، يملؤها الحنين للماضي، تحسرت «مدام جابي» على تاريخ الإسكندرية التي أكدت أنها كانت منارة حضارة وثقافة للعالم بالكامل حتى أنها تفوقت في جمالها على المدن الأوروبية، كما كانت قبلة لجميع الفنانين والكتاب من مختلف الجنيسيات وعلى رأسهم أبناء الدول الأوروبية.
لكنها اعتبرت أن كل هذا السحر ذهب عهده ولم يعد مجددا بعد الثورة، وعاد إسناد مهمة المحافظ لعدد من الشخصيات غير الأكفاء الذين لم يحافظوا على الإسكندرية من حيث الشكل ولا المضمون، كما لم يهتموا بالحفاظ على المباني التراثية التي كانت ستساوي قيمة أكبر لو ظلت في أماكنها ولم يتم استبدالها بأبراج شاهقة لا تحمل تصميم أو ذوق.
وأشارت «مدام جابي» إلى أنها لم تسعَ لأن تفتتح فرع آخر للمطعم في أي مكان ثاني بالإسكندرية، قائلة: «حتى لو عملت فرع تاني بنفس الروح وبالاعتماد على نفس الشيف أجيب منين الذكريات والدفا اللي موجودة في مطعمي هنا. شي جابي مش مجرد مطعم، هو بيتي التاني وبيت كل شخص ارتبط ذكريات وحنين ولحظات حلوة مرت على زبايني وهم هنا، وأي مكان تاني مهما كان شكله وجماله عمره ما حيكونله نفس القيمة».
