الإذاعة المصرية من رسائل الغرام إلى بيان الثورة
«هنا القاهرة».. كلمتان فقط نطقهما أحمد سالم، لتنطلقا عبر الأثير بافتتاح الإذاعة المصرية لأول مرة في 31 مايو 1936.
لم تكن تلك أول مرة تُبث فيها محطات الردايو في مصر، فالبث الإذاعي بدأ في عشرينيات القرن الماضي، ولكنه اقتصر على الإذاعات الأهلية. كانت تلك الإذاعات مملوكة لهواة، وتعتمد في تمويلها على الإعلانات التجارية، وتنطق بعدة لغات مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية بجانب العربية.
مرحلة الإذاعة الأهلية
كان أصحاب تلك المحطات يطلقون عليها أسماء أفراد من الأسرة المالكة، مثل راديو فاروق، راديو فؤاد، راديو فوزية، حتى أصدر الملك فؤاد في مايو 1926 مرسوما يحدد شروط استخراج تراخيص الأجهزة اللاسلكية طبقا للاتفاقيات الدولية.
ما دعا الملك لاستصدار ذلك المرسوم هو الأساليب التي كانت تلك المحطات تستخدم لخدمتها. كل من كانت قدرته المادية تسمح له بإنشاء محطة كان يؤجر شقة ويبث منها محطته لتستقبلها أجهزة الراديو، ويبث فيها ما يريد من خطابات أو موسيقى أو رسائل.
كانت تلك المحطات تستخدم في الأساس كوسيلة دعاية وكانت قائمة على الإعلانات، إلا أن المصريين استحدثوا لها غرضا آخر وهو استخدامها في المراسلة أو إرسال الخطابات الغرامية، ما جعل الحكومة المصرية تضطر لتقنين أوضاعها.
بدأ بث الإذاعة الحكومية المصرية في 31 مايو 1934. في البداية كانت الإذاعة تُبث بالاتفاق مع شركة ماركوني الإنجليزية، وتم تمصيرها عام 1947 وإلغاء العقد مع شركة ماركوني.
الإذاعة المصرية
شهد المضمون الإذاعي ارتفاعا ملحوظا في مستواه. وكانت هناك محطتان إذاعيتان «البرنامج الرئيسي» و«البرنامج الأوروبي المحلي»، وبلغ متوسط ساعات إرسال البرنامج الرئيسي 14 ساعة تذاع على ثلاث فترات.
وفقا لأستاذ الإعلام الدكتور عاطف عدلي العبد، فإن ارتفاع مستوي المضمون البرامجي يعود إلى عدة عوامل، منها استقلال الإذاعة وتكوين المجلس الأعلى للإذاعة.
كما قامت الإذاعة بتأدية وظائفها الإخبارية والإرشادية من خلال رسم وتقرير القيم الحقيقية للشخصية المصرية، خاصة مع بث الأحاديث الإذاعية لطه حسين والعقاد وفكري أباظة وأحمد أمين وغيرهم من مثقفي ذلك العصر.
بعد تمصير الإذاعة اتخذت من ساعة جامعة القاهرة سمة لها تعلن بها الوقت في رأس الساعة، تقديرا لأهمية العلم ودور الجامعة، كما ازداد الاهتمام بتقديم نشرات الأخبار وخاصة الأخبار المحلية.
الثورة
حين قام الضباط الأحرار بحركتهم في يوليو 1952، قام الرئيس الراحل أنور السادات، بإذاعة بيان الثورة عبر محطات الإذاعة، وخلال شهر واحد تم تقديم 51 حديثا وطنيا، و35 برنامجا خاصا، و17 تمثيلية إذاعية وطنية، و37 قصيدة شعرية وزجلية تؤيد الثورة وتشرح أهدافها.
بعد ذلك بدأ الاهتمام بتقنين أوضاع الإذاعة وتم إنشاء وزارة للإرشاد القومي في 10 نوفمبر1952، ونُقلت تبعية الإذاعة من رئاسة مجلس الوزراء إلى هذه الوزارة. في 15 فبراير 1958 صدر قرار جمهوري باعتبار الإذاعة مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية وإلحاقها برئاسة الجمهورية.
الإذاعة والمواطن المصري
منذ بدء إطلاق الإذاعات في مصر قديما زاد إقبال المصريين على شراء أجهزة الردايو، والتي يجتمع حولها جميع من في المنزل بل وحتى في المنازل المجاورة التي لا يملك أصحابها أجهزة راديو.
كانت نتائج الامتحانات تُبث عبر الردايو، وخاصة الثانوية العامة، كما أن أبطال فيلم «الأستاذة فاطمة» -الذي أُنتج عام 1952- يظهرون في أحد مشاهده جالسين حول الراديو يستمعون لنتيجة امتحان ليسانس الحقوق بجامعة القاهرة.
كما كان يوم الخميس الأول من كل شهر معهودا لدى المصريين بحفل أم كلثوم، بجانب متابعة جميع البرامج الإذاعية والمسلسلات التي كانت تجمع نجوم الفن والسينما في عمل إذاعي واحد مثل ساعة لقلبك.
مؤخرا، أنشأ اتحاد الإذاعة والتلفزيون قنوات على موقع اليوتيوب لرفع التسجيلات النادرة وكنوز الإذاعة المصرية قديما. تضم هذه القنوات نوادر الإذاعة المصرية من برامج إذاعية ومسلسلات، يمكنك زيارتها من .