أحرقت ملايين الكتب.. هل ضيعت الحروب التراث الإسلامي؟

أحرقت ملايين الكتب.. هل ضيعت الحروب التراث الإسلامي؟

الكتاب أفضل وسائل حفظ الموروث ونقل المعرفة من جيل لجيل، كما يُعتبر التدوين أحد أهم الاكتشافات التي عرفتها البشرية منذ بدايتها.

اجتهدت الحضارة العربية الإسلامية منذ نشأتها على بناء المكتبات العامة، وترجمة ما توصلت إليه الحضارات السابقة لها من علوم، حتى تصبح الدولة الإسلامية قوية وقادرة على مواجهة الجهل.

الحروب وضياع الكنز

مرت الدولة الإسلامية بمراحل ضعف، أدت إلى ضياع هذه المكتبات، التي اجتهد السابقون في تدوينها، سواء من رجال العلم أو الفلاسفة أو الأطباء وغيرهم، وذلك بسبب الحروب مع الدول المجاورة، ما أدى لضياع قرابة الـ 10 ملايين كتاب منذ القرن الثاني الهجري - الثامن الميلادي.

أهم المكتبات التي دمرت بسبب الحروب:

مكتبة بغداد

أسسها الخليفة العباسي المسلم هارون الرشيد، والذي حكم الدولة الإسلامية من سنة 170هـ إلى سنة 193 هـ، ثم ازدهرت المكتبة في عهد المأمون خليفة المسلمين من سنة 198 هجرية إلى سنة 218 هجرية.. وما زال الخلفاء العباسيون بعدهم يضيفون إلى المكتبة الكتب والنفائس حتى صارت داراً للعلم لا يُتخيل كمّ العلم بداخلها، ولمدة 500 عام متتالية ظلت مكتبة بغداد أعظم دور العلم في الأرض.

فهي دار للعلم حوت ملايين المجلدات والكتب في زمان ليس فيه طباعة ولم يستطع مؤرخ لحصر عدد الكتب التي حوتها المكتبة بالتحديد، ولكن يكفي أن مكتبة طرابلس بلبنان - والتي لم تكن تقارن أبدًا بمكتبة بغداد - قد أحرق الصليبيون الأوروبيون فيها 3 ملايين مجلد عندما وقعت في أيديهم.. فتخيل كم كان عدد المجلدات في مكتبة بغداد.

إحراق المكتبة

حمل التتار ملايين الكتب الثمينة وألقوا بها جميعاً في نهر دجلة، ولقد كان الظن أن يحمل التتار هذه الكتب القيمة إلى "قراقورم" عاصمة المغول ليستفيدوا- وهم لا يزالون في مرحلة الطفولة الحضارية - من هذا العلم النفيس.. لكن ما أثبته التاريخ أنها كانت أمة همجية.. لا تقرأ ولا تريد أن تتعلم.. يعيشون للشهوات والملذات فقط.

فألقى التتار بمجهود القرون في نهر دجلة.. حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل أن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى.

جريمة متكررة

حرق المكتبات والقاء ما بها فى الأنهار جريمة متكررة في التاريخ، فعلها الصليبيون في الأندلس في مكتبة قرطبة، وغرناطة عند سقوطها، فأحرقوا مليون كتاب في أحد الميادين العامة، ومكتبات طليطلة وأشبيلية وبلنسية وسرقسطة وغيرها.

وفي الشام مكتبة طرابلس اللبنانية فأحرقوا ثلاثة ملايين كتاب، وفي فلسطين مكتبات غزة والقدس وعسقلان، ثم فعلها بعد ذلك المستعمرون الأوروبيون الجدد الذين نزلوا إلى بلاد العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر، ولكن هؤلاء كانوا أكثر ذكاء؛ فإنهم سرقوا الكتب ولم يحرقوها، فأخذوها إلى أوروبا، وما زالت المكتبات الكبرى في أوروبا تحوي مجموعة من أعظم كتب العلم في الأرض، ألّفها المسلمون على مدار عدة قرون متتالية.

مكتبة دار العلم

أسسها أبو طالب الحسن بن عمار، الذي أسس لنفسه دولة في طرابلس بلبنان، المعروف بأمين الدولة وتوفي سنة 464 هـ. جددها لاحقاً أبو الحسن علي بن محمد سنة 472 هـ.

واحتوت المكتبة على كتب في شتى فروع المعرفة الإنسانية من: طب، وفلك، وتنجيم، وهندسة، وفلسفة، وأدب، وتاريخ، وحديث، وفقه، وشعر، إلى جانب وجود عدد كبير من المصاحف الشريفة.

أما عن أعداد هذه الكتب، أختلف رأي الناس فيها لكنهم قدروها بـ 3 ملايين كتاب، ولقد رصد لها ميزانية ضخمة للإنفاق على العاملين بها، سواء كانوا موظفين وخطاطين ومترجمين ومجلّدين وورّاقين والنسّاخة، الذين بلغ عددهم لوحدهم 180 ناسخاً.

نهايتها

بعد 10 سنوات من الحصار لمدينة طرابلس، دخلها الصليبيون في سنة 1109 للميلاد، وبمجرد دخولهم بدأوا في تدمير ونهب كل ما تصل إليهم أيديهم ثم أحرقت المكتبة ولم يبقَ منها أثر.

مكتبة دار الحكمة

أسسها الخليفة العزيز بالله الفاطمي في قصره، ثم بنى من بعده ابنه الحاكم بأمر الله داراً مستقلاً للكتب في العام 395هـ بجوار القصر.

قال عنها المؤرخ أحمد بن علي المقريزي، إن دار الحكمة في القاهرة لم تفتح أبوابها للجماهير إلاّ بعد أن فُرشت وزُينت وزخرفت وعُلقت على جميع أبوابها وممراتها الستور، وعُين لها القوام والخدم وكان عدد الخزائن فيها 40 خزانة تتسع الواحدة منها لنحو 18 ألف كتاباً.

وكانت الرفوف مفتوحة والكتب في متناول الجميع، ويستطيع الراغب أن يحصل على الكتاب الذي يريده بنفسه ما تيسر له ذلك، فإذا ضلّ الطريق استعان بأحد المناولين.

وقد احتوت نحو 1.600.000 مجلد وضمّت (6500) مخطوطة في الرياضيات و(18.000) مخطوطة في الفلسفة وكان الدخول إليها والاستنساخ والترجمة مجاناً.

نهايتها

على يد القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي الذي حكم مصر بعد وفاة آخر الخلفاء الفاطميين في العام 567 هـ، فقضى على خزائن المكتبة وكافة المكتبات التابعة لها للقضاء على المذهب الشيعي، وما تبقى من الكتب باعه لتجار الكتب، وأهدى بعضها للعلماء والقضاة والمقربين منه.

مكتبة قرطبة

أسسها الخليفة عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر لدين الله (911-961 م) في عهد شهدت المدينة ازدهاراً اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وضمت المكتبة قراب 400 ألف كتاب في شتى فروع العلم، ووضعت لها نظام فهرسة غاية في الدقة، وانعكس ذلك على العاملين في مجال العلم والكتب.

قال عنها البروفيسور سليم الحسني من جامعة مانشستر البريطانية ومؤلف كتاب “ألف اختراع واختراع” إنه "كان في مكتبة قرطبة لزمن حكامها الأمويين 600 ألف مجلد وكان الحكم الثاني الذي تولى الأندلس من عام 961م وحتى عام 978 م يُعِد صحبةَ الكتاب أحبُّ إليه من عرشه".

تؤكد المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه في كتابها "شمس العرب تستطع على الغرب”، أن المسلمين العرب في الأندلس خسروا من الكتب ما يقدر بمليون وخمسة آلاف من المجلدات بسبب التعصب الذي أصاب الأسبان، فعندما شن الأسبان حروبهم ضد العرب المسلمين، استهدفوا الكتب، فعملوا فيها حرقاً وتدميراً من أجل القضاء على التراث العربي والثقافة الإسلامية، فقضوا على مجهود ثمرة نهضة استمرت ثمانية قرون في أوروبا.

المصدر: 1 2

حسين السنوسي

حسين السنوسي

صحفي مصري متخصص في الشأن الطلابي، رئيس قسم الجامعة بموقع شبابيك، متابع لأخبار التعليم ومقيم بمحافظة الجيزة