رئيس التحرير أحمد متولي
 ثورة 23 يوليو.. هذه الأحداث مهدت للإطاحة بالملك فاروق

ثورة 23 يوليو.. هذه الأحداث مهدت للإطاحة بالملك فاروق

لم تكن ثورة 23 يوليو وليدة اللحظة أو حركة «الضباط الأحرار» فقط؛ فبقليل من التأمل للشارع المصري في السنوات القليلة التي سبقت الثورة، سنجد أن هناك زخما كبيرا يشير إلى أن هناك غضبا كبيرا ضد الملك أو الإنجليز.

الأمر لا يقتصر على أروقة الحركات السياسية المعارضة فقط؛ فأوساط مختلفة مثل الصحافة والوسط الثقافي وحتى المدارس الثانوية والجامعات، كانت تغلي وتمهد لثورة وشيكة.

الصحافة والتمهيد للثورة

عندما تنظر لعناوين الصحف في تلك الفترة ستعرف حجم الدور الذي لعبته الصحافة للتمهيد للثورة. الصحف كانت تهاجم الملك هجوما لاذعا.

كتب الصحفيون في كل شيء، بدءا من اتهام الملك بالتواطئ مع الاحتلال الإنجليزي، أو تورط القصر في قضية الأسلحة الفاسدة التي أدت لهزيمة 1948، أو الكتابة عن فضائح الملك ونزوات العائلة المالكة؛ لدرجة جعلت بعض الكتاب الكبار مثل أنيس منصور يصف هذه الفترة، بأكثر فترات حرية الصحافة التي شهدتها مصر، مقارنة بما بعد ثورة يوليو.

نوعية الجرائد أيضا لعبت دورا مهما؛ فهذه الفترة ارتبطت بالحرية السياسية والحركة البرلمانية النشطة، لتظهر على إثرها الصحف المعارضة والصحف الحزبية. وأبرز هذه الجرائد المعارضة: «روز اليوسف» و«المؤيد» و«الأهرام» و«المحروسة» و«الوطن».

الكتاب والمثقفون وثورة 23 يوليو

ومن خلال الصحافة كان كتاب كبار مثل عباس العقاد، وإحسان عبد القدوس؛ يساهمون في تحريك وعي الشعب ضد الملك والإنجليز، وتوعية الشعب بحقوق الفقراء. فكان إحسان عبد القدوس هو من صعّد قضية الأسلحة الفاسدة في سلسلة مقالات بجريدة «روز اليوسف».

وبعيدا عن السياسية ومتاعبها؛ كان الكتاب والأدباء يهاجمون الفقر والطبقية والظلم الشديد الذي يتعرض له الفقراء. فنقرأ في هذه السنوات رواية مثل «المعذبون في الأرض» والتي نشرت عام 1949 لتهاجم الإقطاعيين وأصحاب الأموال المكدسة؛ وإن كان البعض يرى أن كاتبها طه حسين نفسه لم يجروء على مهاجمة الملك شخصيا، وهو وزير المعارف؛ كما يذكر الدكتور مصطفى عبد الغني في كتابه «طه حسين وثورة يوليو.. قصة صعود المثقف وهبوطه».

الحياة البرلمانية قبل الثورة 

لم تكن الصحافة لتشهد كل هذا التطور لولا أن المناخ السياسي كان يتمتع بحرية كبيرة. ولم يكن الأمر مثاليا؛ لكن تواجد الاحتلال الإنجليزي وتواطؤ القصر معه، كان سببا في نشاط الوعي السياسي والحركات المناهضة للإنجليز وللقصر معًا.

لم يكن الوعي السياسي وليد اللحظة؛ فقد كان أهم إنجازات ثورة 1919؛ هو دستور 1923 الذي أسس لحياة نيابية جديدة لمصر، وأعطى للبرلمان الحق في مراقبة أداء الحكومة وسحب الثقة منها.

اعتبر هذا البرلمان أول بداية حقيقية للحياة النيابية في مصر، خاصة أن تشكيله كان يتم بناء على تمثيل القوى السياسية والأحزاب والحركات الوطنية. وكان هذا الدستور ينص على أن «جميع سلطات البلاد مصدرها الأمة».

وقد سعى الملك فؤاد الأول إلى إسقاط هذا الدستور، واستبدالة بدستور 1930 وحذف جملة «جميع سلطات البلاد مصدرها الأمة».

وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع مظاهرات عارمة 1935 ضد إلغاء الدستور، تصدى لها البوليس السياسي وسقط فيها الكثير من القتلى والمعتقلين؛ لكنها نجحت في إعادة العمل بدستور 1923 مرة أخرى.

الحياة الحزبية قبل الثورة 

ولم تكن الحياة الحزبية بأقل صخبا من الحياة البرلمانية؛ فقد كانت السنوات القليلة التي سبقت ثورة يوليو هي العصر الذهبي لحزب «الوفد» الذي لم يكن على وفاق كبير مع القصر.

وكان الحزب الفائز بأغلبية المقاعد البرلمانية هو المسئول عن تشكيل الحكومة؛ إلى الحد الذي لم يتحمله الملك فؤاد الأول، ودفعه إلى إنشاء أحزاب تابعة للقصر، مثل حزب الشعب، وحزب الاتحاد؛ وتزوير الانتخابات البرلمانية في العام 1938 لتكون أغلبية البرلمان تابعة للملك؛ وهو الأمر الذي ينكره موقع «فاروق مصر».

الحركة الطلابية والثورة
 

هذا الحراك السياسي لم يكن بعيدا أبدا عن الطلاب، بل العكس هو الصحيح؛ فالحركة الطلابية قادت مظاهرات 1935 ضد إلغاء الدستور.

حتى أن المؤرخ عبد الرحمن الرافعي يصف تظاهرات 1935 فيقول: «لقد أسميناها شبه ثورة، لم يكن موعز إليهم من أحد، بل هي الوطنية الصادقة، وكانوا يحولون دون اندساس الغوغاء في صفوفهم، مخافة أن يختلط بهم من يتخذون مثل هذه المظاهرات وسيلة للشغب أو الفوضى أو الاعتداء».

ولم تكن هذه الحركة الطلابية يجمعها حزب واحد، رغم وحدة الهدف، كان هناك الطلبة الوفديون والشيوعيون، والمنتمون لـ«مصر الفتاة» و«الأحرار الدستوريين» والإخوان المسلمين كذلك.

ولم يقتصر هذا النشاط على الجامعة، بل امتد إلى المدارس الثانوية.. لقد انقلب الوضع فأصبح تلاميذ المدارس هم الذين يتحكمون بالقوة في كثير من الأمور.. كما يقول «أحمد عبد الله» في كتابه «الطلبة والسياسة في مصر».

التعليم يتسبب في ثورة

وبالطبع لم يكن هذا الحراك الطلابي ليشهد كل هذا الزخم دون تطوير في نظام التعليم نفسه. فما بين العام 1926 و1952 تضاعفت ميزانية وزارة المعارف من 4.70% إلى 14.20% من الموازنة العامة للدولة؛ وذلك لسد حاجة كبار الملاك والبرجوازية الصناعية الناشئة من الموظفين في مختلف المجالات.

وبدءا من العام  1950 أصبح التعليم الثانوي متاحا للجميع وبالمجان والتوسع في المدارس الثانوية. وعلى الرغم من أن هذه المدارس كانت تستهدف الأغلبية الفقيرة، لكنها وجدت إقبالا كثيفا من المواطنين على التعليم. فقد كانوا يرون أن التعليم هو بوابتهم الوحيدة نحو فرص أفضل في الحياة.

ولم يكن كبار الملاك أو البرجوازية الصناعية؛ الذين أرادوا أن يمدوا الأغلبية الريفية بقدر جيد من التعليم ليناسب حاجتهم من الوظائف الحكومية؛ ليعلموا أن هذا التعليم سيعتبر عاملا في الثورة ضدهم؛ وفقا لكتاب «الطلبة والسياسة في مصر».

نشاط الحركة العمالية  

وبالمثل كان الأمر بالنسبة للحركة العمالية؛ فمع نشاط الأحزاب السياسية، عرفت الحركات الشيوعية واليسارية طريقها إلى طبقة العمال.

وكان أشهر تلك الحركات هي الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني «حدتو» التي نظمت إضراب غزل المحلة في العام 1947 بمشاركة 20 ألف عامل.

هذه ليست المرة الأولى التي ينتفض أو «يثور» فيها العمال؛ فقد كان العام 1938 أيضا عاما صاخبا بالنسبة للحركة العمالية؛ فقد قاد العمال أول إضراب لهم بالمحلة، لتخفيض ساعات العمل وزيادة الأجور التي لم تتجاوز الـ25 مليما. وكان هذا الإضراب من الشدة التي استدعت تدخل البوليس السياسي وحدوث مصادمات عنيفة.

ورغم أن العمال من أكثر الفئات التي تعرضت للقهر في النظام الملكي، لكنها استطاعت أن تكون من أكثر العوامل التي مهدت لثورة يوليو؛ فقد قادت الحركة العمالية 49 إضرابا، منهم 33 إضراب لعمال غزل المحلة؛ وفقا لتقرير «مركز الأرض لحقوق الإنسان».

المصدر

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال