رئيس التحرير أحمد متولي
 نشأة الأحزاب في عهد السادات.. كيانات شكلية تواكب الانفتاح ومستمرة حتى اليوم

نشأة الأحزاب في عهد السادات.. كيانات شكلية تواكب الانفتاح ومستمرة حتى اليوم

في يوم 11 نوفمبر 1976 ألقى الرئيس الراحل محمد أنور السادات بياناً في مجلس الشعب بمناسبة افتتاح دور انعقاده الأول، وجاء فيه: «قد اتخذت قراراً سيظل تاريخياً يرتبط بكم وبيوم افتتاح مجلسكم الموقر، هو أن تتحول التنظيمات الثلاثة ابتداء من اليوم إلى أحزاب».

كانت هذه الجملة بداية لتجربة جديدة سطرها الرئيس الراحل بقرار منه لتحويل ما كان يسمى بـ«المنابر» إلى أحزاب سياسية لم تأتِ في سياق تطور تاريخي بقدر ما جاءت بقرار رئاسي، ما جعل ولادتها مبتورة ولا تلبي أسباب وجودها. فما هي حكاية هذا القرار؟ وما هي المعطيات السياسية والاقتصادية التي وقفت وراء اتخاذه؟

منابر وأحزاب

فى مارس عام 1976 وافق الرئيس السادات على تأسيس ثلاثة منابر، تمثل اليمين «الأحرار الاشتراكيون»، واليسار «التجمع الوطني الوحدوي»، والوسط «تنظيم مصر العربي الاشتراكي»، ثم أصدر قراره في خطبة نوفمبر عام 1976 بتحويل هذه المنابر إلى أحزاب سياسية، ثم أسّس هو حزبًا جديدًا أُطلق عليه بعد ذلك اسم الحزب الوطني الديمقراطي، ودعا أعضاء حزب مصر الاشتراكي إلى الانضمام إليه، وتولى رئاسته.

وقتها اشترط الرئيس السادات لتكوين أي حزب أن يتوافر فيه عددا من الشروط، منها «أن يتقدم ببرنامج يختلف عن برامج الأحزاب الموجودة، وأن تتوافق المبادئ والأهداف والبرامج والسياسات مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ومبادئ ثورتي يوليو 1952 وثورة التصحيح في مايو 1971، ومقتضيات الحفاظ على النظام الاشتراكي والديمقراطي والمكاسب الاشتراكية».

كما حظر إقامة أيّة أحزاب على أسس طبقية أو دينية، أو إعادة الحياة للأحزاب السياسية التي تم حلّها في عام 1952.

 

 

بناء على ذلك ووفق ما تشير الدكتورة ليلى عبدالوهاب في دراستها «الأحزاب السياسية وعلاقتها بالقوى الاجتماعية في مصر» صدر القانون رقم 40 لسنة 1977، وبمقتضاه تأسس عدد من الأحزاب هي: حزب مصر في عام 1977 والذي تحول إلـى الحزب الوطني الديموقراطي عام 1987، وحزب التجمـع الوطني التقدمـي الوحدوي عام 1977، وحزب الأحرار الاشتراكيين عام 1977، وحزب العمل الاشتراكي عام 1978، وحزب الوفد الجديد عام 1978، تم توالى ظهور وتأسيس الأحزاب حتى وصلت إلى 22 حزبا في 2007.

 

 

معطيات سياسية

وبأي حال لا يمكن فصل هذه التجربة عن إطارها السياسي الذي بدأ في التبلور بتولي السادات الحكم بعد وفاة جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، والتي خاض في بدايتها صراعاً سياسياً مع من عُرفوا وقتهـا بمراكز القوى، وانتهى بسيطرة السادات وإحكام قبضته على مقاليد الحكم فيما أسماه بثورة التصحيح في مايو 1971.

في نفس العام صدر دستور 1971 الذي احتفظ في مواده بالمبادئ والأسس التي تقوم على الاشتراكية والعدالة الاجتماعية وحقوق العمال والفلاحين، مع إضافة مواد تحفظ للمواطن حريته وحقوقه العامة، والاستمرار في الحفاظ على الصيغة السياسية للتنظيم السياسي الواحد.

 إلا أن الواقع السياسي نحى منحى آخر خاصة بعد حرب أكتوبر 1973، فبعد 3 سنوات من صدور دستور 1971، صدر قانون 73 لعام 1974 المعروف باسم «قانون الاستثمار لرأس المال العربي والأجنبي والمناطق الحرة» والذي سمح لرأس المال الخاص بالعودة لمختلف مجالات النشاط الاقتصادي كالتصنيع، والتعدين، والطاقة، والسياحة، والنقل، واستصلاح الأراضي، والإسكان، وشركات وبنوك الاستثمار، إلى غير ذلك من المجالات.

من ثم لم يعد المسار السياسي القديم ملائما للاقتصاد الحر الذي بدأ نشاطه في ضوء قانون 1974 والذي بدأ مرحلة جديدة من التغييرات التنظيمية والإدارية أطُلق عليها «الثورة الإدارية»، ومهد ذلك لظهور القانون 40 لسنة 1977 الذي يسمح بعودة الأحزاب ليكون مواكبا للنظام الاقتصادي الحر، والذي تأسس بناء عليه 5 أحزاب، ذُكرت سلفاً.

حرية زائفة

لم يتجه القطاع الخاص والحر، على غرار ما حدث في المجتمعات الغربية من تشجيع للعلم والتكنولوجيا، وتوسيع وزيادة الطاقة الإنتاجية للاقتصاد الرأسمالي، وخلق سوق تنافسية عن حق، بل على العكس اندفع بجنون نحو استيراد السلع من الخارج على حساب الصناعة المصرية وتطويرهـا وتحسينها لتصبح مؤهلة للمنافسة في السوق العالمي، كما حدث مع نماذج من دول شرق آسيا التي تحولت إلى نمور اقتصادية .

أما من الناحية الاجتماعية، فقد تشكلت طبقة طفيلية سيطر نمط حياتها الترفي على المجتمع، كما بدأ نسق جديد من القيم الاستهلاكية يسود مع ازدياد معدلات الفقر واتساع الفجوة بين الطبقات، وضعف في التعليم النظامي مع زيادة الاتجاه نحو التعليم الخاص والأجنبي، كما أخذت معدلات التضخم والبطالة في الازدياد.

في ظل هذه الأزمات وجدت الأحزاب السياسية الوليدة فرصـة للعمل والاتصال بالجماهير، وزادت فرصتها عند زيارة السادات للقدس وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يكن الشعب المصري مستعداً لقبوله.

أخذت الأزمة السياسية تزداد بين السادات والمعارضة  بعد أحداث انتفاضة الخبر عام 1977، إلى أن جاءت أحداث سبتمبر 1981 باعتقال معظم رموز مصر من الكتاب والمفكرين ورجال الدين وغيرهم من المثقفين وطلاب الجامعات، حتى انتهى الأمر بحادث المنصة على يد أعضاء بـ«الجماعة الإسلامية» وقتل السادات في أكتوبر 1981.

تولى الرئيس الأسبق حسني مبارك الحكم في ظل أزمات اقتصادية وسياسية تنذر بحرب أهلية، فكان أول قرار يصدره هو الإفراج عن جميع المعتقلين، كما عقد مؤتمراً اقتصادياً لبحث سبل حل الأزمة الاقتصادية.

ورغم أن الأحزاب قد وصلت إلى 22 حزباً، إلا أنه من الملاحظ أنها عاشت أزمة حقيقية وكانت في واد والجماهير في واد آخر، وليس أدل على ذلك من النسب الضعيفة للمشاركة السياسية في إطار هذه التجربة التي سبقت ثورة يناير 2011 سواء في الانتخابات البرلمانية أو المجالس المحلية أو حتى في انتخابات النقابات.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية