رئيس التحرير أحمد متولي
 التكرار القهري.. لماذا نعود دائمًا لمن سبب لنا الألم؟

التكرار القهري.. لماذا نعود دائمًا لمن سبب لنا الألم؟

يقول عالِم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين إن الإنسان الغبي هو من يفعل نفس الشيء بنفس الطريقة مرتين، ويتوقع نتيجة مختلفة، ليس كل البشر أغبياء، ولكن أغلبهم يفعل ما قاله أينشتاين دون أن يشعر.

وفي العلاقات الإنسانية، يقابل المرء من يؤذيه أحيانًا، ثم يكرر العلاقة مع نفس النوع المؤذي من الأشخاص أو من يشبههم، مما يسبب له الألم مرة أخرى. فما سر هذه الحالة من التكرار المؤلم؟

حالة شائعة

نتيجة بحث الصور عن تكرار قهري

تحكي ولاء أحمد، عن تجربة ارتباط انتهت بالفشل، وسببت لها الكثير من الوجع والأذى النفسي، لكنها مع هذا تؤكد أنها تشعر بالحب تجاه الشخص المؤذي، وكلما عاد لها بعد الفراق ترضى بهذا الوجع. تقول: «على قلبي زي العسل».

«سعيد» انتهت علاقة أخرى له بنفس الكيفية، وانفصل عن فتاته بشكل شبه نهائي، وإن كان يحب هو كل ما يذكره بها، ويعشق الوجع نفسه، وكلما جاءت الفرصة للاقتراب من الحب الفاشل يستغلها ليعود مرة أخرى.

في الأمثال الشعبية، تكثر المقولات الدالة على هذا السلوك من ناحية الشاب أو الفتاة، كالمثل القائل بأن الشاب مثل طابع البريد، كلما بصقت عليه الفتاة ازداد التصاقًا. كما أن هناك أغنية قديمة تقول «سبها تحبك يا قلبي».

هل يحب المرء ما يؤلمه؟ لماذا نعود بإرادتنا لمن يؤذينا؟ بل إن الحالة قد تصبح أخطر؛ فقد لا نعود لمن سبب لنا الوجع، ولكن نبحث بأنفسنا عن شبيه آخر لنكرر الوجع معه.

بشكل آخر

صورة ذات صلة

يحكي الطبيب النفسي محمد طه في كتاب «الخروج عن النص»، عن حالة مماثلة لإحدى مريضاته التي تعاني من مشكلة تكرار الخطأ مع الشخص الخطأ.

«المريضة» عاشت في طفولتها دون أي اهتمام من والديها، فالأب أناني غير مكترث في عمله خارج البلاد، والأم مشغولة بحياتها الخاصة وأصحابها.

قضت «المريضة» حياتها في هذا التهميش، تشعر بأنها عديمة الأهمية، وتلوم نفسها دومًا بلا أي ذنب، وحين جاءت الفرصة للزواج، والانتقال لبيت آخر مع شخص آخر، كررت نفس نموذج الأب والأم باختيارها، فزوجها أيضا أناني عديم الاهتمام، وكأنها تنسخ صورة حياتها القديمة المؤذية والمؤلمة.

هذا التكرار يحدث دون وعي إذن، ومع أشخاص آخرين نختارهم بأنفسنا؟ فما هو التفسير لكل هذا؟

التحليل النفسي

نتيجة بحث الصور عن ‪psychology‬‏

في علم النفس التحيلي، يسمى هذا السلوك باسم التكرار القهري Repetition Compulsion، ويحيل «طه» تفسيره إلى أربعة أسباب في الأغلب:

محاولة أخرى

حين يكرر المرء نفس العلاقة مع نفس الشخص أو شخص آخر، فهو يعطي لنفسه الفرصة في محاولة جديدة، كأنها لعبة إلكترونية خسر فيها ويريد فرصة أخرى ليفوز، لذا فهو يتقمص شخصيته القديمة والظروف نفسها أملاً في نهاية أفضل.

سيطرة نفسية

في التجربة الأولى، يشعر الطرف المتألم أنه ضحية، ومغلوب على أمره ولم تكن الأمور بإرادته، لذا يصمم على الإعادة برغبته هذه المرة، وبكل ما فيه من إدراك ومعرفة بالظروف، دون أي جهل أو ضعف.

خلّص تارك

كما تقول الأغنية «خلص تارك طفي نارك»، فإن الهدف في التكرار واضح جدًا هذه المرة، وهو الأخذ بالثأر، فلن يكون الضحية المتعرض للألم بعد الآن وإنما سيكون الجاني، وسينتقم من الشخص القديم مباشرة أو في صورة شخص جديد.

جلد ذاتي

سبب آخر يعود إلى رغبة الشخص المتألم والضعيف في عقاب نفسه، بالدخول في علاقة شبيهة وألم شبيه، لأن المسؤولية تقع على عاتقه وحده، لذا يجلد ذاته ويعذبها على سبيل التأديب والتطهير، فهو ينتقم من نفسه وحدها.

العلاج

صورة ذات صلة

تكرار الخطأ مع الشخص الخطأ، يضر بالمرء على المدى القريب والبعيد، وقد يجره لعلاقات سيئة قديمة أو علاقات جديدة أسوأ بعد التعرض لهذه التجارب، فكيف تتجنب العودة إليها؟

استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية محمد هاني، نبّه لوجود عنصر الحب الحقيقي والحنين في هذه العلاقات، والذي قد يجعل المهمة أصعب، لذا ينصح بهذه الخطوات لتجنب هذا التكرار:

توقف عن المتابعة

الوسائل الحديثة جعلت المتابعة أسهل بكثير مما مضى، على مواقع التواصل الاجتماعي أو الهاتف المحمول، وهي أيسر سبب لتدمير المرء نفسيًا بمتابعة هدفه ثم تكرار الخطأ معه بسهولة، لذا فالانقطاع عن المتابعة يضمن التوقف عن الندم وجلد الذات.

اشغل نفسك بالعمل

السبيل الآخر هو العمل والاستغراق فيه، وفي الوقت الذي ينعم فيه الطرف الآخر بحياته وعمله، على المريض بالتكرار أن يفعل مثله وأكثر وينشغل بما ينفعه ويفيده ويسير في الاتجاهين معًا، الأول أن يتوقف عن تذكر الماضي، والثاني أن ينشغل بالحاضر والمستقبل.  

ادخل في علاقة صحية

لماذا لا تدخل في علاقة أخرى تستحق؟ علاقة بعيدة عن الأذى والألم، تنتشلك من كل ما فات، وتسد كل الفراغات، وهكذا تجد التحفيز الحي بجانبك، ويصبح عقلك يفكر وقلبك ينبض من أجلك، هذه المرة بصدق في سبيل مصلحتكما معًا.

أما لو اخترت شخصًا آخر له نفس الصفات القديمة، فلا شك أنك الجاني على نفسك وقتها.

رافق أشخاصًا إيجابيين

بعض الأصدقاء مكتئبين أو كسالى، أو ببساطة أصحاب سوء، والصحبة معهم قد تؤثر فيك بالسلب وتحبطك فتنتكس، فالمشاعر السلبية نفسها تنتقل إليك، فتعود لتكرار الخطأ نفسه.

إدراك المسؤولية

نتيجة بحث الصور عن ‪responsibility‬‏

ولاء أحمد التي حكت تجربتها المؤلمة في البداية، تنهي قصتها بالخلاص من هذه العلاقة، وتقول أنها حكّمت عقلها وصارت تتحرى الاختيار لأنها اكتفت من العلاقات المكررة الفاشلة.

التكرار القهري، سواء فعله الشاب أو الفتاة، لابد أن يدرك مسؤوليته فيه، فهو لم يعد ضحية عند التكرار، وهو ليس إلا جانيًا، والمشكلة أنه يجني على نفسه، حين يختار الأذى من جديد.

الطبيب النفسي محمد طه يقول: لم يعد التكرار قهريًا، فأنت مسؤول عن نفسك، في كل مرة تعود فيها لمن يشعرك أنك بلا أهمية، لمن يقلل من قدرك، لمن يؤذيك ويضايقك ويؤلمك، في كل مرة أنت المسؤول.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة