كيف أصبح أحمد خالد توفيق «عرّاب الجيل»؟.. هكذا تمكّن من الأدب بكل تواضع
حقق الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق، شهرة كبيرة في حياته، ووصلت مؤلفاته لقلوب كثير من الشباب، حتى أطلقوا عليه لقب «عرّاب الجيل» أو الأب الروحي.
فكيف جعل الرجل من نفسه أكبر من مجرد طبيب يكتب أدب المغامرة والتسلية، لتكتسب أعماله كل هذا النجاح والشعبية؟. كيف بدأ لينتهي به الحال بكل هذه الشهرة والتأثير؟
دور الأب
في حوار صحفي سابق، يحكي أحمد خالد توفيق عن دور والده في حياته، فقد أدّى الأب دوره في تنمية ابنه ثقافيًا بكل شكل، كانت مكتبة البيت عامرة بالمؤلفات المختلفة، حتى يقرأها الصغير ويتثقف، كما خبأ عنه الكتب الشائكة مثل ألف ليلة وليلة الأصلية بكل ما فيها من مشاهد جنسية.
وفي مقال آخر يتذكر شراء الأب لمجلة «تان تان» غالية الثمن التي كانت تصدرها مؤسسة الأهرام، كانت بعشرة قروش وقتها في حين أن أغلى مجلة أطفال لا يتجاوز سعرها 3 قروش، لكن الأب اعتاد شراءها لأنه يعرف مكانتها عند ابنه عاشق القراءة.
والجانب الأخير الذي يقدّره في والده كثيرًا، اصطحابه للسينما أسبوعيًا لحضور الأفلام المناسبة لعمره، والتي كانت أغلبها حربية، فعشق توفيق السينما كما عشق الأدب، وأفادته كثيرًا فيما بعد.
القراءة الناضجة
على الرغم من كتابته في أدب المغامرة والرعب والخيال العلمي، يعترف توفيق بأن الأدب الإنساني هو الأساس والأصل وإن كان أقل جاذبية، لذا كانت أكثر قراءات الرجل أدبيات عالمية لأشهر وأهم الأدباء.
ولا يخفي تأثره بالأدب الروسي الرصين في وقت مبكر جدًا، حتى أن أول أعماله المكتوبة تنتمي لتيار «الواقعية الاشتراكية» للأديب الروسي مكسيم جوركي، وبالفعل ما زالت قصصه القصيرة عن الفقر والمهمشين في قاع المجتمع موجودة، لكنه لم يحب لها أن تخرج للنور لشكه في مستواها، رغم أنه فكّر في نشرها قبل وفاته.
بعد هذا حين صار كاتبًا، صرح أنه اعتاد مزج قصص المغامرات التي يكتبها بصبغة إنسانية وأدبية، كأنه يقدم القصص التي يحبها الشباب بأسلوب أدبي راقي تعلمه من الكتاب العالميين.
قراءة متنوعة
لم يقرأ توفيق في الآداب فقط، لكنه أثرى عقله بالكثير من الكتب الثقافية الأخرى، في العلوم السياسية والفنية والتاريخية باللغتين، كما ذكر أنه يقرأ بالإنجليزية منذ عام 1973.
نصح أحد القراء ذات مرة بالبحث عن كتاب «الفيزياء المسلية» لأنه أفضل ما قرأ في تبسيط علم الفيزياء المعقد، كما قرأ الشعر وكتب بعضه لكنه توقف وركز في الأدب، بعدما اكتشف أن الشاعر الراحل «أمل دنقل» كتب كل ما يود قوله.
المجال الآخر الذي قرأ فيه وتوغل هو السينما، فقد ذكر كثيرًا أنه لم يكتب الأدب سوى من شدة حبه للأفلام، والتي يتجمع فيها فن التأليف والتمثيل والتصوير والموسيقى، وكان توفيق يرجو أن يتحول أحد مؤلفاته للسينما، لكن تعقيدات الإنتاج والإخراج في مصر منعته من تحقيق هذا الحلم.
يكتب لنفسه أولاً
في آخر لقاء تليفزيون قبل رحيله، يعترف توفيق بأنه لم يتوقع هذه الشهرة الكبيرة التي حققها، والتي بدأت بعد 6 سنوات من الكتابة مع العدد العاشر من سلسلته، وقد أعلن أكثر من مرة أنه يكتب لنفسه أولاً ويحب ما يقرأه ويستمتع به.
ويحكي توفيق في مقالته «جوركي في الأعماق» أن أحد أصدقائه أرسل دفتر قصصه الإنسانية عن الفقر والمعاناة إلى ناقد شهير في طنطا حتى يبدي رأيه فيها، ليعيد الناقد الدفتر قائلاً أن هذه القصص تخلو من أي موهبة، بل إنها أهانت فن القصة القصيرة.
وجاء رد توفيق على الأمر ببساطة، أنه لم يطلب رأي الناقد، فلماذا تطوع صديقه لهذا؟، وتذكر أن سيد القصة القصيرة الأديب الروسي «تشيكوف» قال إن بعض النقاد كالذبابة حول رأس الحصان الذي يعرق ويتعب في جر العربات، لكن الذبابة تطن بكل راحة ولا يهمها إلا أن يتوقف الثور عن العمل.
هكذا ظل أحمد خالد توفيق يكتب لنفسه فقط بصبر، كي يعالج أزماته النفسية ويشغل وقت فراغه، حتى تقدم بأعماله إلى المؤسسة العربية الحديثة بداية التسعينات، لترفضه لجنة القراءة ورأت أن كتاباته ضعيفة ومفككة، إلا أن لجنة القراءة الثانية مدحت الكتابة والأسلوب والتجديد، وكانت بإمضاء كاتب الجاسوسية والخيال العلمي نبيل فاروق.
احترام القارئ
في رسالة بريدية لسلسلة ما وراء الطبيعة ، أشار أحد القراء لعيب كبير في قصة «أسطورة آكل البشر» ذاكرًا أن المصادفات في القصة عديدة وغير منطقية، رد توفيق وقتها معترفًا أن كثرة المصادفات تضعف العمل الأدبي، وأن القارئ لن يصدقها في الأدب وإن صدقها في الواقع، وختم كلامه بأنه لم يكن على ما يرام وقتها.
وفي مرة أخرى يتجنب إزعاج القارئ، فحين أصدر قصة من جزئين بعنوان «أسطورة الكاهن الأخير» وأصدر جزئها الثاني بعد فترة طويلة، أعلن كثير من القراء ضيقهم واستياءهم من تأخير الصدور، فلم يكررها الكاتب مرة أخرى وأصدر قصصه اللاحقة ذات الأجزاء متتالية بلا تأخير.
أما عن محتوى الكتب، فقد حرص على أن تكون سلاسلة من النوع الأسري، والذي يخلو من الجنس والعنف، قائلاً في أحد حواراته أن الأخ الكبير لن يقلق حين يرى أخته تقرأ كتبه، وعلق قائلاً «متخافش عليها دي قاعدة مع عمو أحمد».
كما أن احترام الكاتب مهم أمر هام يراه توفيق أحد أسباب النجاح، وإلا فسوف يكتب لنفسه فقط، لكنه يحاول أن يوظف ما يحبه لأجل قارئه، كما قالها على غلاف كتابه «دماغي كدة»:
«فقط هناك شخص واحد كتبت وهو في ذهني، ويهمني بالطبع رضاه والفوز باحترامه - إن لم يكن بحبه - ويغريني بممارسة هذه اللعبة المعقدة، بين قول ما أريد قوله، وكتابة ما يريد قراءته؛ فلا أتورط في أسلوب (ما يطلبه المستمعون)، أو أمارس الاستفزاز المجاني لمجرد التميز.. وهذا الشخص هو القادر على جعلي أتردد، أو أراجع دماغي هذه.. وهو الوحيد الذي أدين له بكل شيء: القارئ»
مشاركة أعماله مع آخرين
شارك الأديب الراحل كتاب آخرين في أكثر من عمل أدبي، ومعظمهم من الشباب، وكأنه يقدم المعونة لهم ولا يخجل من الكتابة معهم.
مثل كتابه القصصي «قوس قزح» مع الكاتب تامر إبراهيم، وكتابه المجمع «قصة تكملها أنت» والذي فيه يبدأ الفصل الأول من القصة ويكمل المؤلفين الآخرين باقي الفصول حتى يعود فصل النهاية إليه.