إسهامات أحمد خالد توفيق في الأدب العربي.. ربع قرن من الخروج عن المألوف
نشر الراحل أحمد خالد توفيق أولى قصصه في عام 1993 باسم «أسطورة مصاص الدماء» عن مغامرة خيالية مرعبة، ثم ختم مسيرته سنة 2018 برواية «شآبيب» التي تدور في مستقبل كابوسي للعرب في ظل ضعف أوطانهم.
خلال 25 عامًا، كيف أسهم «توفيق» بأعماله في دفع الشباب للقراءة سواءً بروايات مرعبة وخيالية، أو أعمال واقعية سوداوية عن العرب ومشاكلهم؟
التغيير عن السائد
يحكي في لقاء تليفزيوني، أن اختياره للكتابة في الرعب جاء عن رغبة قوية عنده في التجديد والسير عكس التيار، فقد بدأ مشواره في زهوة نجاح سلاسل الجاسوسية والخيال العلمي التي يكتبها د.نبيل فاروق.
لم يفضل توفيق أن يكتب مجددًا عن فريق يواجه الأخطار التي تهدد كوكب الأرض، بل حاول تجربة مجال آخر، وإن اعترف أنه كتب في الرعب لأنه لم يجد ما يكفيه منه أصلاً، لذا اعتبره كثيرون رائد أدب الرعب حين تخصص فيه وحده.
في نفس الوقت، يشير إلى أن أدب الرعب ليس أعلى شأنًا من الأدب الإنساني، لكنه في الوقت نفسه أكثر جاذبية، فقد اختار عمدًا أن يكتب للشباب، فهم الجمهور الأنشط الذي سيقرأ ويتفاعل ويرسل إليه كذلك.
الجانب الثاني الذي جدد فيه هو اختيار البطل، فقد اعتاد القارئ أن يكون بطله قويًا فتيًا خارق القدرات يحطم الأعداء، وهذا ما تجنبه توفيق حين اختار أشهر أبطاله رفعت إسماعيل، الطبيب النحيل المصاب بأمراض عديدة والعاجز عن القفز من الطائرات.
تفاعل القراء مع رفعت إسماعيل لأنه يشبههم في الأغلب، فالشريحة الأكبر من الجمهور ليست قوية خارقة، وإنما عادية جدًا مثل رفعت إسماعيل.
وأخيرًا استغل الأستاذ بجامعة طنطا ثقافته الطبية في عمل أدبي مبتكر، هو سلسلته «سافاري» التي تنتمي لنوع جديد على الأدب العربي يسمى «الطب التشويقي medical thriller» وهذا النوع يجمع بين الإثارة والأفكار الطبية.
وجبة ثقافية
من قبل ظهور الانترنت ومواقع البحث وموسوعة ويكيبيديا وغيرها، حرص الراحل أن تكون كتبه مليئة بالمعلومات بقدر الإمكان، وذكر أنه يحب التأكد من مصدر كل معلومة متأثرًا بالأديب الأمريكي «مايكل كرايتون»، حتى أنه أصبح يكتب الأسماء بالإنجليزية ويذكر مصادره في آخر الكتاب.
هذا الأسلوب جعل كتبه بمثابة وجبة ثقافية، وليست مجرد مغامرة وتسلية فقط، خاصة أن المعلومات شملت التاريخ والطب والأساطير وغيرها بسبب ثقافة توفيق الواسعة.
ترجمات جديدة
وبحكم عمله كطبيب وأديب، أتقن اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة وترجمة، وقد ترجم أعمالاً عديدة في سلسلة «روايات عالمية للجيب» حتى وصلت 80 عددًا.
التجديد هنا في الأسماء التي اختارها د.أحمد ليترجمها، فقد قدم أعمالاً جديدة على قاريء العربية مثل مؤلفات الكاتب الأمريكي «هوارد فيليب لافكرافت» والكاتب الأمريكي الروسي «إيزاك أزيموف» والنرويجي «رو آلد دال» وغيرهم من عظماء الأدباء الأجانب.
أما الأعمال المعاصرة فقدم منها ترجمة رواية «نادي القتال» فائقة النجاح للروائي الأمريكي «تشاك بولانيك» و«كتاب المقبرة» لـ«نيل جايمان».
تفاعله مع القراء
تفاعل أحمد خالد توفيق مع القراء أولاً بالطريقة المعتادة بتبادل رسائل البريد، وفي نهاية كل رواية له، يوجد باب بريد القراء، وكان بطله رفعت إسماعيل يجيب الأسئلة بنفسه، لكنه لم يقتصر على هذا فقط.
في سلسلته الأخرى «فانتازيا» أنهى توفيق كل عدد بباب ثابت أسماه نادي المحاربين الجدد، ينشر فيه أعمال القراء الأدبية التي تصله في البريد، ويبدي فيها رأيه ونصائحه لكل أديب جديد.
موسوعات ما وراء الطبيعة
بجانب الكتابة في الرعب، جمع توفيق خبراته في عوالم الميتافيزيكس أو ما وراء الطبيعة في شكل موسوعة، يحكي فيها عن ظواهر الأشباح والأطباق الطائرة وآكلي لحوم البشر وغيرها في الوطن العربي والعالم.
هذه المرة يتكلم كرجل علم لا كأديب، فهو يسرد الحقائق والظواهر فقط بتجرد شديد، ليترك الحكم للعلم والخبراء ورأي القاريء في النهاية، ومن مؤلفاته من هذا النوع «موسوعة الظلام» و«هادم الأساطير» بمشاركة الكاتب الكويتي سند راشد.
محاربة العلم الزائف
كما تكلم عن ما وراء الطبيعة، تكلم توفيق عن الطبيعة نفسها، العلوم الحقيقية بلا تزييف أو خداع، فقد لاحظ من خلال عمله كطبيب أن الخرافات انتشرت حتى كادت تضغط على العلم الصحيح، وصار الناس يفضلون الأكاذيب الطبية كالعلاج بالأعشاب والموجات وغيرها.
لذا كتب سلسلة مقالات في محاربة هذه العلوم الزائفة، وجمعها في كتابه «شربة الحاج داوود» متناولاً معظم الأساطير الطبية في مصر.
تلاميذه من الأدباء
على يد أحمد خالد توفيق، تربى عدد من الأدباء الشباب، ووجهوا له الشكر في بداية أعمالهم القصصية المنشورة.
أولهم الكاتب أحمد العايدي، صاحب واحدة من أنجح الروايات في الآونة الأخيرة، رواية «أن تكون عباس العبد» التي ترجمت لأكثر من لغة، ووصفتها جريدة الأهرام ويكلي بأنها الإنجاز الأدبي الأكثر شهرة لجيل الألفية.
كتب أحمد العايدي في بدايتها شكرًا لأساتذته، ومنهم أحمد خالد توفيق وسط كوكبة من كبار الأدباء مثل صنع الله إبراهيم والكاتب الأمريكي الشهير «تشاك بولانيك».
أما الكاتبة الصاعدة في أدب الرعب النفسي «شيرين هنائي» فقد كتبت في مقدمة روايتها «نيكروفيليا» إهداءً لأستاذيها للكاتب الأمريكي الأشهر «ستيفن كينج» وأحمد خالد توفيق، وقالت أن أحدهما أو كلاهما لن يقرأ هذا الإهداء، لكن توفيق قرأه وكتب عن روايتها بعد ذلك قائلاً أنه لا يستطيع كتابة عمل مثلها.
ولد الأديب أحمد خالد توفيق يوم 10 يونيو عام 1962 بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وتوفى في 2 إبريل 2018 في القاهرة إثر أزمة قلبية.