رئيس التحرير أحمد متولي
 قصة أديب كبير وقع في حب امرأة وهمية.. الفخ الذي أسقط «المازني» في حبائل الهوى

قصة أديب كبير وقع في حب امرأة وهمية.. الفخ الذي أسقط «المازني» في حبائل الهوى

كان الأديب الراحل إبراهيم عبد القادر المازني، أكثر أدباء جيله ذكاءً وثقافة وموهبة، ومع ذلك وقع ضحية قصة حب لامرأة خيالية.

ورغم طرافة القصة التي رواها الناقد الأدبي رجاء النقاش في كتاب «عباقرة ومجانين» إلا أنها حملت مغزى كبيراً، لأنها تكشف عن الواقع الاجتماعي والعاطفي الذي كان يعيش فيه الجيل الرائد من الأدباء الذين ظهروا في أوائل القرن العشرين.

إبراهيم عبد القادر المازني، ولد في أغسطس 1890 وتوفي عام 1949، وهو أديب مصري ساخر، تعود أسرته إلى المنوفية.

تأثر المازني في كتاباته وأشعاره بعباس العقاد وعبدالرحمن شكري، وكان قصير القامة ضئيل الجسم.

كانت المرأة آنذاك بعيدة عن عالم هؤلاء الأدباء الكبار، ولم يكن المجتمع قد سمح لها بالخروج للتعليم والمشاركة في الحياة العامة، لذلك كان هؤلاء الأدباء يعيشون حياة مجدبة جافة من الناحية الوجدانية والعاطفية، حتى أن زواجهم كان على الطريقة التقليدية.

«فاخرة» والخادم

تبدأ قصة «المازني» يوم التقى بشاب اسمه عبد الحميد رضا، وسلّمه «عبد الحميد» رسالة قال إنها من إحدى السيدات، وأنه يعمل عند هذه السيدة خادماً لها، وقدّم له بطاقة شخصية تثبت أنه خادم.

قالت المرأة في رسالتها الوهمية للمازني: «أن تأذن لي بصورة من روايتك وبعض كتب من كتبك آنس بها في تربية مادة الأدب الذي أعشقه.. فهل تأذن؟.. وآية إذنك أن تبعث لي بشيء من آثارك مع تابعي، وقد يكون كتابي هذا ركيكاً وغير معبر تماماً عن روح الإعجاب الذي ملك علىّ نفسي وأخذ بتلابيب قلبي، وقد يكون لي خير من هذا يوم أن نتعرف أجساداً، وأرجو أن أوفق إلى ما يتناسب وقدرك السامي». ثم وقعت على رسالتها بقولها: «إحداهن واسمها.. فاخرة».

وكان «المازني» قد كتب مسرحية بعنوان «غريزة المرأة أو حكم الطاعة»، وكانت هذه السيدة قد قرأت المسرحية فكتبت لـ«المازني» الرسالة التي حملها الخادم إليه.

قرأ «المازني» الرسالة فإذا بها رسالة إعجاب وتشجيع، وكانت موقعة باسم «فاخرة» وتقول صاحبة الرسالة إنها أرسلتها مع «تابعها»، والتابع هو الكلمة المهذبة التي تحل عندها محل كلمة «خادم».

امتلأت الرسالة بكلمات الإعجاب والود نحو «المازني». وقالت صاحبة الرسالة إنها أيضاً كتبت رواية عن نفس المعنى الذي كتب عنه «المازني» مسرحيته «غريزة المرأة»، وأنها «لم تنشرها على الناس».

وكشفت ما تبغيه من رسالتها: «أن تأذن لي بصورة من روايتك وبعض كتب من كتبك آنس بها في تربية مادة الأدب الذي أعشقه.. فهل تأذن؟.. وآية إذنك أن تبعث لي بشيء من آثارك مع تابعي، وقد يكون كتابي هذا ركيكاً وغير معبر تماماً عن روح الإعجاب الذي ملك علىّ نفسي وأخذ بتلابيب قلبي، وقد يكون لي خير من هذا يوم أن نتعرف أجساداً، وأرجو أن أوفق إلى ما يتناسب وقدرك السامي». ثم وقعت على رسالتها بقولها: «إحداهن واسمها.. فاخرة».

علاقة غرامية

كانت هذه الرسالة التي أرسلتها «فاخرة» لـ«المازني» بداية مجموعة ممتازة من الرسائل كتبها الأخير توهماً منه أنها تصل إلى هذه السيدة، وكان تابع السيدة أو خادمها يأتي بالرسائل منها إلى الكاتب ويأخذ الرد.

على أن الخطاب الأول الذي كتبه «المازني» كان فاتحة لعدة خطابات أخرى أكثر عمقاً وأهمية. بدأ يتعلق بهذه المرأة أو بهذا الوهم، وظن أنه وجد الإلهام الذي يتمناه ويحلم به في حياته الوجدانية المجدبة، وأنه وجد تلك المرأة الذكية الحساسة التي يمكن أن تطفئ ظمأ قلبه إلى الحب، والتي يمكن أن تدفعه إلى الإبداع، وتتذوق أعماله الفنية، وتسد النقص الوجداني الذي يعاني منه.

كان «المازني» كاتباً وفناناً وصادقاً، لم يتعود أن يكذب على نفسه أو على الناس، ومن خلال هذا الصدق كانت رسائله إلى هذه السيدة المجهولة التي داعبت عواطفه نوعاً من «التعرية» النفسية الكاملة لحقيقة مشاعره، ولحقيقة ما كان يعانيه من جفاف عاطفي مفروض عليه وعلى زملائه بسبب ذلك المجتمع المغلق الذي كانوا يعيشون فيه، والذي كان الأدباء يعانون فيه من فراغ عاطفي أليم.

وقد أحس «المازني» في لحظة عابرة أن الحلم الذي يعيشه من خلال رسائل المرأة التي تكتب إليه، هو حلم خادع يقوم على الوهم، وأحس في داخله بالشك في إمكانية وجود هذه المرأة، ولكن لأنه صاحب نفس طيبة سرعان ما عدل عن شكه، ووقع في حب تلك السيدة المجهولة التي لم يرها قط ولن يرها ولم يراها أبداً.

صورة الحبيبة

استمرت رسائل «المازني» إلى السيدة المجهولة على هذا الطراز من الحب والصدق، بل إنه كان يزداد بها شغفاً وحباً. واصل الخادم الذي يحمل إليه رسائل السيدة المجهولة خداعه، فقدم إليه صورة زعم له أنها هي صورة السيدة، وأنها ترسلها إليه كهدية منها، ثم استرد هذه الصورة بعد ذلك بناء على طلبها.

قال المازني في رسالة لحبيبته الوهمية: «إني مسكين وإني محتاج إليك.. وإني معذور إذا جننت، ولكني سأحتفظ ببقية عقلي من أجلك.. لتطيريه لي حين تقابلينني». ثم يقول: «سامحيني.. فإن عقلي ليس معي، عقلي مع الصورة التي أعيدها إليك وقلبي يتمزق.. لي رجاء صغير.. أعيدي إلىّ الصورة مع كل رسالة منك لأنظر إليها وأتزود ثم أعيدها إذا كنت لا تريدين أن أبقيها عندي.. أعيديها إلىّ.. استحلفك بأعز عزيز عليك بأن تعيديها إلىّ لأراها مرة أخرى».

وعندما طلبت منه السيدة المجهولة إعادة صورتها التي حملها الخادم إليه، قال «المازني» في رسالته التي أعاد معها الصورة «لقد أعدت الصورة لأني يجب أن أكون صادق الوعد وأن أتركك مطمئنة، وأن أطيع رغباتك ولكنها قاسية».

ثم يقول بعد ذلك: «إني مسكين وإني محتاج إليك.. وإني معذور إذا جننت، ولكني سأحتفظ ببقية عقلي من أجلك.. لتطيريه لي حين تقابلينني». ثم يقول: «سامحيني.. فإن عقلي ليس معي، عقلي مع الصورة التي أعيدها إليك وقلبي يتمزق.. لي رجاء صغير.. أعيدي إلىّ الصورة مع كل رسالة منك لأنظر إليها وأتزود ثم أعيدها إذا كنت لا تريدين أن أبقيها عندي.. أعيديها إلىّ.. استحلفك بأعز عزيز عليك بأن تعيديها إلىّ لأراها مرة أخرى».

وهكذا سقط «المازني» في حب امرأة خيالية مجهولة. فبعد شهور من كتابة هذه الرسائل اكتشف أن الشاب الذي كان يحمل إليه رسائل المرأة المجهولة كان يخدعه وأنه هو نفسه واسمه عبد الحميد رضا هو الذي يكتب تلك الرسائل.

انتهى الأمر بأن ذهب هذا الشاب بما حصل عليه من رسائل إلى المجلات التي كانت تصدر في الثلاثينيات، وأعطاها رسائله ورسائل «المازني» فنشرتها، وادعى الشاب أنه كان يريد أن يحصل على رسائل أدبية راقية من الأديب الكبير عن طريق تحريك عواطفه، وانه لم يقصد إيذاء الكاتب الكبير ولا جرح مشاعره.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية