يوسف السباعي.. رجل الحرب والحب المقتول برصاص الفلسطينيين
ثلاث رصاصات بلا إنذار، أنهت حياة يوسف السباعي، الأديب المصري المشهور بقصص العشق والعشاق، وذلك حين زار جزيرة قبرص عام 1978 لحضور مؤتمر التضامن الأسيوي الإفريقي.
هل كان إنتاج السباعي الأدبي عن الحب والغرام سببًا كافيًا لاغتياله بهذا الشكل؟، أم أن حياته تكشف لنا أسرارًا أخرى أكثر وجاهة؟.يحكي «شبابيك» القصة الكاملة عن الوجه الآخر لفارس الرومانسية الراحل.
حربي برتبة عميد
اسمه بالكامل يوسف محمد محمد عبد الوهاب السباعي، من مواليد الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1917، التحق بالكلية الحربية وتخرج منها ضابطًا في سلاح الفرسان سنة 1937، وهو الاسم القديم لسلاح المدرعات قبل تطويره.
تدرج السباعي في مؤهلاته العسكرية، فحصل على شهادة في الدبابات وشهادة أركان الحرب، صار كبيرًا للمعلمين في المدرسة الثانوية العسكرية، متخصصًا في التاريخ الحربي، وأخيرًا شغل منصب مدير المتحف الحربي عام 1952 برتبة عميد.
يقول السباعي في حوار صحفي له عن علاقته بالجيش المصري: «لقد ربطتني علاقة صداقة ورفقة وثيقة بقادة ثورة 23 يوليو 1952 ووجدت فيها الحل الحقيقي لكفاحنا الوطني من أجل الاستقلال»
هكذا كان الأديب الرومانسي رجلاً عسكريًا لسنوات، لكن كيف بدأ العمل بالكتابة والأدب الذي أوصله لرصاص الموت؟
أديب ابن أديب
الوالد محمد السباعي، كان أديبًا هو الآخر، تذكره المراجع كأحد رواد النهضة الأدبية في مصر، وهذا لاهتمامه بترجمة أعمال غربية لم يسبق تقديمها للقارئ العربي، مثل رباعيات الخيام ومسرحيات شكسبير، وقصص الأديب الروسي تشيكوف، لكن الوالد رحل مبكرًا في سن الخمسين تاركًا يوسف الصغير في بيت عمه بالسيدة زينب.
أحب يوسف الأدب كأنه ورث أباه، فأصدر مجلة خاصة به أيام الدراسة، في محاولة لنسيان موت والده، لكن زملائه لقبوه بـ«التلميذ الحزين» رغم ما قدمه من فكاهة في المجلة، بعدها نشر قصصه لأول مرة بعمر العشرين عامًا في مجلة «المجلة»، ثم تفرغ للكتابة بعد تقاعده من الخدمة العسكرية عام 1952.
اتجه السباعي للعمل الصحفي، بعد حصوله على دبلوم معهد الصحافة من جامعة القاهرة، فشغل منصب رئيس التحرير لعدد من المجلات منها «آخر ساعة» و«المصور» و«الرسالة الجديدة»، ثم صار نقيب الصحفيين عام 1976، وأخيرًا عينه الرئيس السادات وزيرًا للثقافة.
بعيدًا عن الرومانسية
كتب السباعي 16 رواية و22 مجموعة قصصية بخلاف المسرحيات، ليصير المجموع نحو 50 إسهامًا أدبيًا، منها الرومانسي في أعمال شهيرة مثل «إني راحلة» و«بين الأطلال»، لكن اللافت للنظر هنا، أن أكثر من قصة جاءت جادة واقعية بعيدة كل البعد عن الحب والعاطفة بعكس شهرة الرجل مثل:
السقا مات
هي رواية عن الموت فقط، صنفت من أفضل 100 رواية عربية بحسب اتحاد الكتاب العرب، تدور في حارة مصرية بداية العشرينات، وتحكي عن السقا الذي فقد زوجته الشابة بعد ولادة ابنه الوحيد، يحاول فيها الهرب من الموت وسيرته بكل شكل، يعترف السباعي أنه تأثر بموت والده كثيرًا في أدبه، لكنه يعبر عن الموت دومًا في إطار الحياة والمعيشة.
أرض النفاق
من أشهر أعمال السباعي، لتقديمها في فيلم بطولة الممثل الراحل فؤاد المهندس، لكن بخلاف الكوميديا في القصة السينمائية، عن حبوب الأخلاق التي تجعل الإنسان شجاعًا أو منافقًا أو كريمًا، الرواية الأصلية سوداوية ناقدة لأحوال الأمة العربية والوضع الفلسطيني المتردي، والنقد جاء فيها حادًا لدرجة تغيير اسم «الأمانة العامة لجامعة الدول العربية» إلى «الخيانة العامة».
رسائل الهزيمة.. هذا ما كتبه صلاح نصر من السجن الحربي
لست وحدك
سفينة فضاء وكوكب جديد مكتشف، حوارات وجودية بين الأبطال في رحلة غير معتادة، هي رواية فلسفية اجتماعية مع مسحة من الخيال العلمي، تعبر عن ضآلة الإنسان بالنسبة للكون الشاسع اللانهائي، مع الحديث عن فكرة الخلق بشكل ضايق البعض من جرأته.
يا أمة ضحكت
كتاب فلسفي آخر يمتلئ بالسخرية من أحوال البشر، فالسباعي يهدي الرواية إلى الحمير، والحيوانات تحاكم الإنسان الذي لم يستغل عقله في السلام والخير، إنما قضى حياته في الصراعات والحروب، يسرد السباعي مشاكل البشر التي لن تتغير في كل زمان ومكان.
ولهذه الأعمال الجادة وغيرها، كرمت مصر السباعي أكثر من مرة، منها تسلمه جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1973، وكرمته إيطاليا بمنحه وسام الاستحقاق من طبقة الفارس الأعظم، وقد لقبه نجيب محفوظ بـ«جبرتي العصر» لأنه كتب تأريخًا للثورة المصرية عبر أعماله منذ بدايتها حتى نصر أكتوبر.
وصفهن بـ«الغجر».. الرسائل الخاصة بين السادات وبناته
الاغتيال
في كتابه «أشهر قضايا الاغتيالات»، يحكي د.محمد صادق عن زيارة السباعي للعاصمة القبرصية نيقوسيا رغم تحذيرات الجميع، كانت النتيجة اغتياله برصاص اثنين أحدهما فلسطيني والآخر عراقي، قتلاه اعتراضًا على زيارته برفقة الرئيس محمد أنور السادات لإسرائيل عام 1977.
أعلنت منظمة أبي نضال مسؤوليتها عن الحادث، بقيادة مؤسسها صبري البنا أحد المنشقين عن منظمة التحرير الفلسطينية والمحكوم عليه بالإعدام بأمر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وقد احتجز القاتلان ثلاثين رهينة في كافيتريا الفندق حتى تقلع بهما طائرة ليهربا من قبرص وقد كان.
جاء رد الرئيس السادات سريعًا في اليوم التالي بإرسال وحدة صاعقة لتحرير الرهائن والأخذ بثأر السباعي، لكن العملية فشلت بسبب سوء التنسيق مع السلطات القبرصية التي قاتلت المصريين باعتبارهم أعداء، فمات 12 شهيدًا وجرح 27 آخرون، فيما حكمت قبرص بعد شهر على القاتلين بالإعدام ثم خففت الحكم إلى السجن المؤبد خوفًا من رد فعل الجماعات المتشددة.
رومانسية بلون الدم
عاد جثمان السباعي لمصر، كانت في استقباله جنازة مهيبة، لم يحضرها الرئيس السادات وإنما مثله نائبه وقتها، الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وقد صاحبت الجنازة ردود أفعال شعبية ورسمية ضد القضية الفلسطينية، التي دافع عنها السباعي في كتاباته، لكن مقتله كان على يد واحد من أهلها يخالفه في الرأي.
هكذا يبدو الوجه الآخر لكتابات السباعي الغرامية وردية اللون، خلف كل هذا رجل عسكري وصحفي وصاحب آراء سياسية أدت لمقتله في النهاية، فصارت الرومانسية بلون الدم، ودومًا ما يذكر قراءه كلمات قالها عن نفسه في كتابه «طائر بين المحيطين».
«ماذا سيكون تأثير الموت علي وعلي الآخرين؟.. لا شيء، ستنشر الصحافة نبأ موتي كخبر مثير ليس لأني مُت، بل لأن موتي سيقترن بحادثة مثيرة»