رئيس التحرير أحمد متولي
 وسط البلد.. قصة أراضي السباخ التي تحولت لقطعة تضاهي باريس

وسط البلد.. قصة أراضي السباخ التي تحولت لقطعة تضاهي باريس

كانت سنة 1863 سنة مهمة في تاريخ القاهرة، فهي السنة التي تولى فيها الخديو إسماعيل حكم مصر، وهو الحاكم الذي تبنى مشروعاً شاملاً لتنمية المدينة، وقام مشروعه في الأساس على محاكاة النموذج الغربي لتنمية المدن.

فور اعتلائه العرش ارتبط إسماعيل بمشروع واسع لتحديث مصر من أجل أن يثبت للعالم أن بلاده ليست من أفريقيا، وإنما هي من الآن فصاعداً قطعة من أوروبا، لذا قرر أن يجعل القاهرة مقر حكمه الدائم بدلاً من القلعة، وأن يحول المدينة لتكون على غرار باريس ليجعل منها عاصمة جديرة بمصر ومن هنا جاء إنشاء حي الإسماعيلية الذي عُرف بعد ذلك بمنطقة وسط البلد.

أراضي سباخ

وبحسب الدكتور أيمن فؤاد سيد في كتابه «القاهرة. خططها وتطورها العمراني» كان حي الإسماعيلية عبارة عن كثبان أتربة وبرك مياه وأراضي سباخ، إلى أن قام الخديو إسماعيل بإعادة تخطيطها وبنائها فجعل جميع شوارعها وحاراتها على خطوط مستقيمة أغلبها متقاطع على زوايا قائمة وجُعلت منازلها منفردة عن بعضها، ودُكت أرض شوارعها وحاراتها بالدقشوم وجُعل في جانبي كل شارع وحارة رصيف للمشاة، وجعل الوسط للعربات والحيوانات، ومدت في جميعها مواسير الماء لرش أرضها وسقي بساتينها، ونُصبت بها منارات الغاز لإضاءتها وتنويرها، فأصبحت من أبهج مناطق القاهرة وأعمرها وسكنها الأمراء والأعيان.

وكانت المباني الأوروبية هي الطراز الذي أنشئت عليه المباني في هذه الأحياء الجديدة، فهجر الناس نهائياً الأسلوب القديم. ولتحقيق ذلك تم إنشاء إدارة لعموم المدن والمباني ملحقة بوزارة الأشغال العمومية في سبتمبر 1883، ووضعت قواعد للشروط التي يجب أخذها على كل من أراد من أصحاب الأملاك بناء مساكن داخل المدن.

فيلات وسفارات وفنادق

وحتى عام 1895 كان الغالب على المباني المنتشرة بحي الإسماعيلية الفيلات المنعزلة، وكانت سفارات وقنصليات الدول الأوروبية تشغل بعض مباني حي الإسماعيلية قبل انتقالها واستقرارها فيما بعد في أحياء جاردن سيتي والزمالك ومن أهمها المفوضية الفرنسية التي شغلت منذ سنة 1884 فيلا سان موريس على ناصية شارعي المدابغ (شريف الآن) وقصر النيل، والتي أقيم في موضعها بين عامي 1936 و1938 عمارة الإيموبيليا على مساحة 5444 متراً مربعاً.

وانتشرت في هذا الحي أهم فنادق القاهرة الكبرى مثل فندق إدن بالاس بميدان الخازندار وفندق إنجلترا بشارع المغربي «عدلي الآن» الذي تحول إلى محلات سنة 1929، وفندق سان موريس بشارع قصر النيل الذي هدم سنة 1936، وفندق فيللا فيكتوريا الذي أقيم بشارع المدابغ سنة 1901، وفندق سافوي الذي استكمل بناؤه في ميدان سليمان باشا سنة 1899 وهُدم سنة 1934 لتحل محله عمارة بهلر على ناصية شارعي قصر النيل وسليمان باشا «طلعت حرب الآن».

ومع إنشاء حي الإسماعيلية أصبحت العمارة الأوروبية هي المرجعية الإجبارية لكل المنشآت التي أقيمت فيه، مثل قصر رفائيل سوارس في ميدان سوارس «ميدان مصطفى كامل» سنة 1877 والذي أصبح شركة الرهن العقاري المصري، ثم حلت محله في سنة 1936 عمارة عزيز بحري وقصر الأمير سعيد حليم باشا بشارع الأنتكخانة «أصبح المدرسة الناصرية فيما بعد».

وأخذت العمائر الفخمة على الطراز الباريسي تحل تدريجياً وبخطى سريعة اعتباراً من عام 1895 محل فيلات حي الإسماعيلية مثل كلوب محل علي «النادي الدبلوماسي الآن» سنة 1899، وعمارات الخديوي التي أنشأها الخديوي عباس حلمي الثاني على نفقته الخاصة عند نهاية شارع عماد الدين، وكانت تعد أكبر مجمع تجاري وسكني.

ووُجد تأثير العمارة الفرنسية في المحلات التجارية الكبرى مثل محلات عمر أفندي ومحلات سمعان وسليم صيدناوي بميدان الخازندار، كما وُجد تأثير للعمارة النمساوية في المعبد اليهودي في شارع المغربي.

أنشطة متغيرة

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى تبدّل شكل هذا الحي وطبيعة الأنشطة التي مورست فيه، حيث أصبح المركز التجاري للمدينة وبدأت المصارف والبنوك تتخذ مواضع مهمة فيه مثل البنك العقاري المصري سنة 1901 «المصرف العربي الدولي الآن» على ناصية شارعي محمد فريد وعبدالخالق ثروت، والبنك الأهلي المصري سنة 1900 عند ناصية شارعي المدابغ وقصر النيل وأدخلت عليه تعديلات مهمة وإضافة طابق سنة 1948 «البنك المركزي الآن»، وبنك مصر بشارع محمد فريد سنة 1925.

ومع مرور الوقت أضيفت محلات تجارية مهمة إلى حي الإسماعيلية مثل محلات شملا وشيكوريل وجاتينيو وداود وعدس، وجميعها كان يمتلكها اليهود، وكذلك المقاهي والمطاعم الكبيرة على الأسلوب الفرنسي مثل محلات جروبي «ميدان سليمان باشا».

ومع دخول فن السينما إلى مصر بدأت دور العرض السينمائي الأولى تعرف طريقها إليها في هذا الحي مثل سينما ديانا سنة 1932 وسينما مترو 1939.

 

المصدر

  • كتاب «القاهرة. خططها وتطورها العمراني». الدكتور ايمن فؤاد سيد.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية