رئيس التحرير أحمد متولي
 الحياة ليست مثالية كالصور.. هكذا تفسد «السوشيال ميديا» حياتك وصحتك

الحياة ليست مثالية كالصور.. هكذا تفسد «السوشيال ميديا» حياتك وصحتك

«فيروز» في مطلع العشرينات من عمرها وقررت مقاطعة السوشيال ميديا لمدة شهر بعدما أصيبت بالإحباط وشعرت أنها ليست على مستوى قريناتها الجميلات ممن يقتنين الثياب الأنيقة، ويقضين عطلة نهاية الأسبوع على شاطئ البحر في المنتجعات السياحية.

اختزلت مواقع التواصل الاجتماعي الحياة في صورة براقة سجلت لحظة عابرة في حياة أحدهم، بينما أصابت غيره بالقلق والرهاب. ماذا فعلت بنا منصات التواصل الاجتماعي؟ فالحياة ليست مثالية كالصور!

يوم في حياة «فيروز»

«فيروز» على قدر متواضع من الجمال، تفيق من نومها وقبل أن تغسل وجهها تمسك هاتفها وتتطلع لجميع الحسابات الشخصية لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وانستجرام وتويتر، ولكنها تتوقف كثيرًا عند الانستجرام. تقول: «أنا عامله فولو لمشاهير العالم.. وفي ناس بحب أشوفها يوميًا».

بعد أن تتناول كوب الشاي الصباحي ترتدتدى ملابسها ثم تقف أمام المرآة تضع القليل من مساحيق التجميل، ثم تلقي نظرة سريعة على هندامها وقبل أن تخرج تعود ثانية إلى الدولاب لتبدل ثيابها. تحكي «أنا بعمل الحركة دي كتير.. علشان خايفة يكون شكلي وحش».

في المواصلات التي تستغرق قرابة الساعة للوصول لعملها حيث تعمل موظفة استقبال بإحدى الشركات، تمكث بصحبة هاتفها تطالع الصور وتقلب بين صفحات المشاهير. تقول «بسرح في الحياة والتفاصيل.. يعني مش عارفة أحقق ده. نتفرج وأهي الفرجة مش بفلوس».

وأثناء فترة عملها تطالع الهاتف من وقت لآخر، وتكرر ذلك في طريق العودة إلى المنزل، وعندما تصل تستريح من يوم عمل شاق وهي ترشف الشاي بعد وجبة الغذاء وأيضًا بصحبة هاتفها الذي لا يفارقها.

روتين الحياة ووقعها الممل جعل صاحبة الـ 23 ربيعا تشعر بالاكتئاب، فحتى في العطلات تتجمع مع قريباتها في بيت العائلة لتمكث كلا من هن في صحبة هاتفها، أما عن رفقاء الجامعة فالجميع مضى في تفاصيل الحياة بين الزواج والأمومة وتحكمات الخطوبة، وعندما يتجمعن كل عدة أشهر للرغي والحكي يكن ذلك متنفس «فيروز» الوحيد.


 

بين ليل مليء بالدموع وصباح كئيب قررت «فيروز» أن تغلق حسابها الشخصى على موقعي فيسبوك وانستجرام. تقول: «كتبت بوست إني محتاجة أنعزل عن السوشيال ميديا واللي عايزني يتواصل معاياعن طريق الواتساب وبس». في أول يوم شعرت «فيروز» براحة كبيرة بعدما استبدلت الوقت التي كانت تقضيه وهي تطالع الهاتف في النوم ومساعدة والدتها في المنزل، وفي قراءة أحد القصص التي اشترتها من معرض الكتاب.

كانت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي تشعرها أحيانًا بالسخط والغضب، وليس الغيرة من أحد، ولكن الرغبة في تجربة الحياة بشكل مختلف به الكثير من المزايا والرفاهية أو الفرح حتى لو بشكل متواضع، هكذا تقول. ولكن رجعت ريما لعادتها القديمة وعادت «فيروز» لسابق عهدها تطالع صور المشاهير وتحكي لرفيقاتها عن أحدث صيحات الموضة والجمال، لعلها تحظى بتجربتها يومًا ما.

في إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، طبقاً للمؤشرات الأساسية لقياس مجتمع المعلومات بلغت نسبة مستخدمى الحاسب الآلى من الشباب في الفئة العمرية من 18 وحتى 29 سنة 62٪ (50٪ بغرض التعليم، 68٪ بغرض الترفيه، و9.1٪ بغرض العمل) وبلغت نسبة مستخدمي شبكة الإنترنت من الشباب 61.9٪.

ويعد فيسبوك وتويتر من أهم وسائل التواصل بين الشباب عبر الإنترنت وبلغت نسبة مستخدميهم 76.8٪ لنفس الفئة العمرية، وسجلت الاحصاءات 96.7٪ من الشباب في الفئة العمرية 18- 29 سنة يستخدمون الهاتف النقال للاضطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي.

يوم غائم في حياة حنان

يوم العطلة قررت «حنان» صاحبة الـ16 عاما الذهاب للنادي مع رفيقاتها حتى تستريح من أعباء المذاكرة والدروس. في كل ركن تلتقط لنفسها ورفيقاتها الصور المختلفة. تقول: «أنا مهوسة بالتصوير وكل 5 دقايق بتصور في البيت في الحمام في الشارع في الموصلات»، كغيرها من فتيات جيلها.

تحكي الطالبة بالصف الثالت الثانوي أنها قررت الصعود فوق السور لتلتقط صور لنفسها، وكأنها تمسك قرص الشمس بين يديها كخدعة بصرية، مثل تلك الصور التي تنتشر على السوشيال ميديا. بخفة وقفت على السور الذي يبلغ عرضه حوالي 10 سم، وعلى وجهها إبتسامة، وقبل أن تلتقط صديقتها الصورة فقدت «حنان» توازنها وسقطت على الأرض.

جرح في الرأس وكسر في اليد اليمنى وشرخ في الرجل، كان ذلك حصيلة الصورة التي كانت ترغب بوضعها على صفحتها. «ده أنا كنت بفكر هكتب تعليق إيه على الصورة»، وبعد شهرين في الجبس لم تعد تلتقط صور سيلفي.

من تحدي التلج لـ «كيكي».. المنافسة مستمرة

باستمرار تنتشر على مواقع السوشيال ميديا الكثير من التحديات التي يطلقها أحدهم فتسري في حسابات الآلاف بل الملايين من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي حول العالم، رغبة في المزاح أو إضفاء المرح أو حتى للدخول في السباق.


 

تحدي الثلج «يا خرابي ياختي»

انتشر تحدي الثلج لدعم مرضى التصلب العضلي الجانبي الذي يصيب الجهاز العصبي بالضمور، ويتسبب في الوفاة، وقام مرتادي مواقع التواصل بتنفيذ التحدي بسكب دلو ممتلئ بقطع الثلج على أنفسهم، فتحول الهدف الانساني إلى «يالهوي ويا خرابي ياختي»، بعد أن نفذه الكثيرون دون حتى معرفة سبب ذلك التحدي ولكن طالتهم موجة الحدث شديد البرودة.

تحدي الـ A4 «أنا حلوة زي الفل»

تحدي الجمال والرشاقة، وانتشر بين الفتيات في مختلف دول العالم، وينفذ التحدي عن طريق وضع ورقة طباعة أمام البطن وإذا نجحت الورقة في إخفاء تلك المنطقة كسبت التحدي، أما إذا أظهرت الورقة جوانب من البطن فإن صاحبة التحدي تنضم لقسم البدينات فالنحيفات هن من يفزن.

تحدي الفلفل «من أول قطمة»

تحدي أطلقه لاعب كرة أرجنتيني يدعى «خافيير زانيتي» وهو يأكل فلفل حار حتى يساعده على مواجهة الجوع، وطلب من مشجعيه تنفيذ ذلك التحدي لمواجهة الجوع والتقليل من الوزن الزائد، وقامت إحدى الجمعيات في الأرجنتين بالتسويق لفكرة مساعدة الأطفال المعدمين عن طريق تنفيذ التحدي ودعمهم، وانتقل ذلك التحدي لمختلف دول العالم وكانت هي القضمة الأولى!

تحدي الكيكي.. «كيكي هل تحبيني؟»

انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو تحدي يتعلق بالرقص وينزل فيه صاحب التحدي من سيارته ويواصل الرقص والجري بالتوازي مع سير السيارة، على أنغام أغنية النجم العالمي دريك IN MY FEELINGS والتي يعرفها الجمهور بـ «كيكي»، ومن هنا بدأ الرقص في شوارع العالم.

ابتسامة هوليوود

نشرت النجمة الهندية «سونام كابور» صورة لها عبر الانستجرام تحمل رسالة لمتابعيها تضمن معناها أن نجمات السينما لسن في الحقيقة مثلما يظهرن أمام الكاميرات والأضواء، وقالت: يجب أن تدركي أن لا أحد يستيقظ  هكذا، قبل الظهور الاعلامي أحتاج لـ90 دقيقة للمكياج فقط، وهناك من 3 إلى 6 أشخاص يعملون على شعري ومكياجي وتقليم أظافري ووضع خافي العيوب في أماكن متفرقة من جسمي لكي أبدو لكِ بذلك المنظر.

وأضافت «كابور»، أن الأمر يحتاج إلى كمية كبيرة من المال وجيش من فريق العمل والكثير من الوقت والمجهود لتبدو نجمة السينما بهذا الشكل، والأمر ليس حقيقيا وغير ملهم على الإطلاق، حيث أن الإلهام الحقيقي يكمن في الثقة بالنفس والشعور الداخلي بالسعادة دون الحاجة لأن تبدي بشكل معين وفي قالب معين، فالحقيقة تخفيها الصور.

 


كيف تؤثر صور المشاهير على الشباب؟

في دراسة أجرتها حملة حافظوا على الحياة الحقيقية بأمريكا وفقًا لموقع huffingtonpost على عينة من الفتيات المراهقات وجد أن 90% من عينة الدراسة يتبعن حمية غذائية ما بين المتوسطة والشديدة للحصول على جسد مثالي، وأشارت الدراسة إلى أن 80% من العينة يشعرون بعدم الرضى عن المظهر الخارجي ما بين زيادة الوزن وعيوب البشرة.

وأشارت الدراسة إلى أن الإفراط في استخدام مواقع السوشيال ميديا التي تبث صورة غير واقعية وحقيفقية عن الحياة يؤدي إلى تعرض الأشخاص للاكتئاب والقلق المستمر، وذلك يدفع المراهقين والشباب إلى اتباع سلوكيات قد تضر بالصحة العامة لهم من أجل البحث على المظهر المثالي.

وذكرت الدراسة أن البعض يلجأ إلى الإفراط في ممارسة الرياضة، أو تناول بعض العقاقير غير الآمنة لإنقاص الوزن أو التي تقضى على عيوب البشرة ولكنها تأتي بنتيجة معاكسة، ويفسر ذلك أيضًا إقبال الكثير من الجنسين على إجراء عمليات تجميلية ليحصلون على شكل وهيئة معينة، وتكون الكارثة عندما تفشل أحد العمليات وتترك وصمة.

وتشير «كانديس بيرجن» في كتابها «الرومانسية الجميلة» إلى أن صديقاتها الراشدات يتقيأن ليحافظن على نحافتهن لأنهن غير قادرات على مقاومة لذة الطعام، وفي نفس الوقت يرغبن في الحصول على جسد مثالي مثل الكثير من نجمات السينما والمشاهير، وتستنكر الكاتبة زرع نفس الثقافة في نفوس أبنائهن المراهقين وبالتالي يعززن لديهم عدم الثقة في النفس سعيًا وراء أكذوبة المظهر المثالي.

وتحكي في كتابها عن «ماجي» التي ظلت تستخدم مساحيق التجميال لتداري الندوب البارزة في وجنتيها وحجم أنفها الكبير حتى أصيبت بالتهاب شديد في البشرة منعها من استخدام أي من أدوات التجميل وجعلها حبيسة لا ترى الشمس التي تهيج من التهاب البشرة وتزيدها حساسية.

دعوة على العشاء

تقول «بيرجن»: إننا نواجه خطرا أعقد بكثير وهو أن الأبوين المنوط بهم بث ثقافة مختلفة لأطفالهم تفيدهم عن صورتهم الذاتية، هم أنفسهم يعانون من فرط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويعانون من القلق والاضطراب وسرعة وتيرة الإيقاع على تلك الحياة الزائفة وينفقون الكثير من الوقت والجهد حتى يلحقوا بركاب هذه الحياة.

دعوة على العشاء، دعوة أطلقتها الكاتبة لجميع الأسر حول بلدان العالم بتثبيت وجبة عشاء تجتمع العائلة حولها، وتتيح للجميع فرصة للتلاقي الحقيقي والفعلي بعيدًا عن زيف منصات التواصل الاجتماعي، ويبث فيها كل فرد تجربته اليومية ومشاعره تجاه نفسه والآخرين، وعلى تلك المائدة ترفع الهواتف المحمولة بعيدًا، ففرصة التلاقي الأسري ودعم الأباء لأبنائهم والعكس تقلل من مخاطر وسائل الاتصال والانجراف نحو الحياة الزائفة بحياة ومشاركة فعلية.

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع