رئيس التحرير أحمد متولي
 قصة الدستور المصري من البداية.. قبل 200 عام

قصة الدستور المصري من البداية.. قبل 200 عام

لم تعرف مصر الحياة الدستورية مرة واحدة، لكن الأمر جاء تدريجيا، لتشكل أول دولة عربية تعرف ما يسمى بالدساتير أو التشريعات المنظمة لشؤون الحكم، كما أن الدستور في مصر ليس حديث النشأة ارتبط وجوده بالاستقلال أو قيام الجمهورية في عام 1952، فاحتفظت القاهرة لنفسها بميراث تاريخي كبير ولد في العام 1824، إبان حكم محمد علي باشا مؤسس الدولة العلوية بمصر، أو كما يسميه البعض مؤسس مصر الحديثة.

رغم أن محمد علي باشا كان امتدادا لما يمكن تسميته بحكم الفرد، أو السلطة الفردية التي تجمع بين كل السلطات في يدها، إلا أن الرجل الذي تولى الحكم في مصر عام 1805، ابتكر فكرة القوانين واللوائح لإدارة شؤون البلاد، صحيح أنه لم ينشأ دستورا بالمعنى المتعارف عليه حاليا، إلا أنه أنشأ نواة يمكن الاعتماد عليها في التأريخ لرحلة الدساتير المصرية، من اللوائح النظامية التي خطها مستشاري محمد علي، وصولا لأول دستوري مصري معبر عن الشعب في عام 1923.

أول خطوة قانونية.. 1833

كانت أول المخطوطات القانونية التي نشأت في مصر والتي تعتبر نواة لتأسيس العهد الدستوري في الحكم، ما صدر في يوليو 1833 تحت مسمى قانون ترتيب المجلس العالي.

حكاية المجلس العالي الذي أنشأه محمد علي تنص على تشكيل ما يشبه مجلس الشيوخ حاليا تحت مسمى «المجلس العالى» وكان يتألف من نظار الدواوين ورؤساء المصالح، واثنين من العلماء يختارهما شيخ الأزهر، واثنين من التجار يختارهما كبير التجار واثنين من ذوي المعرفة بالحسابات.

وكان يضم المجلس أيضا ممثلين عن كل مديرية يكونا من الأعيان ينتخبون من قبل الأهالي وعين لرئاسة هذا المجلس «عبده شكرى باشا» أحد خريجي البعثة العلمية الأولى وكان قد تلقى علم الإدارة والحقوق في فرنسا.

شبه دستور.. 1837

بقدوم العام 1837 كانت الأحوال في مصر تدور على قدم وساق نحو التحول إلى امبراطورية مصرية يتحكم فيها محمد علي وحده، لينشأ في ذلك الوقت قانون يعده مؤرخي الدساتير شبه دستور، أو أول وثيقة دستورية في مصر، كان يسمي «السياستنامة» وهو عبارة عن وثيقة تنظيمية قسمت الدواوين الحكومية ووزعت عليها اختصاصاتها، ورغم كون الوثيقة تعد تعبيرا واقعيا عن تطلعات محمد علي التي حاول من خلالها أن يجاري التقدم الأوروبي، إلا أنها لم ترقى لتكون دستورا.

إسماعيل والتأسيس للدستور

كان الخديوي إسماعيل أكثر مضيا نحو إقرار دستور لمصر، لكنه في الواقع لم يكن دستورا معبرا عن تطلعات الشعب، ويهدف لحماية حقوقه، بل كان مجرد وثيقة حاول من خلالها الخديوي أن يضفي مظهرا حديثا حول حكمه، وأن يبرهن للغرب مدى تطور دولته.

في العام 1866، وتحت وطأة الضغط الشعبي أقر الخديوي إسماعيل لائحة مجلس الشورى، وفي هذا الوقت صدرت لائحة لتأسيس مجلس شورى النواب، الذي مثل السلطة التشريعية وقتها، ولائحة حدود ونظام المجلس، ليكون بذلك أول نص منظم لمجلس نيابي تمثيلي في مصر الحديثة.

رافق ظهور هذا المجلس كسلطة تشريعية، ظهور نظام مجلس الوزراء، أو ما سمى وقتها مجلس النظار، ووقتها ألف نوبار باشا أول وزارة في مصر.  

حكاية أول دستور مصري

في كتابه «حكاية الدساتير المصرية في مائتي عام» يجزم الكاتب ماهر حسن، بأن الحديث حول أن دستور عام 1923 هو أول دستور لمصر عار من الصحة، فأول دستور كان عام 1879.

ماهر يقول إن هذا الدستور وضع في نهايات حكم الخديوي إسماعيل، على يد محمد شريف باشا الذي يلقب حاليا بأبو الدستور المصري.

ووفقا لما نشره موقع الهيئة العامة للاستعلامات فإن هذا الدستور لم يعرض على الخديوي إسماعيل لإقراره لأنه أُعِد في فترة أزمة خلع الخديوي من حكم مصر، إلا أنه عُرِض على مجلس النواب ليقره، وكان المجلس بمثابة جمعية تأسيسية أصدرت هذا الدستور.

وبالعودة لكتاب ماهر حسن يقول إن شريف باشا حين تولى رئاسة الوزراء عام 1879 أقام نظاما دستوريا، حيث أنشئ مجلس النواب على غرار المجالس النيابية الحديثة، وبمقتضى هذا الدستور أصبح التشريع من حق النواب فلا يصدر قانون إلا بموافقته، وتكون دستور 1879 من 49 مادة.

الثورة تجبر توفيق على تعديل الدستور

لم يدم الحال طويلا ليطاح بالدستور الأول من قبل الخديوي الجديد توفيق، لكن مع اشتعال الثورة العرابية، والتفاف المصريين حول الزعيم أحمد عرابي، أجبرت القوى الوطنية توفيق على إصداره دستور 1882، ليحل محل دستور 1879.

ويعد الدستور الذي كان بمثابة شهادة ميلاد للثورة العربية، محاولة متواضعة لتطبيق نظام ديمقراطي في ظل ولاية عثمانية يمثلها أحد أفراد أسرة محمد علي باشا، إلا أنه أكد تبعية مصر للدولة العثمانية، ويرى خبراء الدساتير أنه أول محاولة جادة لتطبيق نظام دستوري حقيقي في مصر.

واشتمل دستور 1882 على عدد من النصوص الحاكمة والتي حددت مهام مجلس النواب، والحكومة، إلا أنه كان دستورا قاصر، حيث أنه لم يتطرق لقضية الحريات.

دستور 1923

كل التجارب الدستورية السابقة تعد قاصرة إذا ما قورنت مع ما حدث في أبريل عام 1919، حيث بدأت مصر طريقها نحو أول دستور نظامي لها، ووضعه الشعب فلم يكن هبة من الحاكم، أو مجرد ديكوري تجميلي لمرحلة تاريخية، حيث يقول ماهر حسن في كتابه «حكاية الدساتير المصرية في مائتي عام» إن دستور 1923، كان أكثر الصيغ الدستورية من حيث التطور، حيث شارك في كتابته لجان ممثلة لغالبية طوائف الشعب المصري.

وشكلت لجنة وضع الدستور من 30 عضوا، اعترض عليهم سعد زغلول في البداية ووصفهم بـ«لجنة الأشقياء» وإن كان حزبه قد اكتسح الانتخابات بعد ذلك، وكان هدف اللجنة إقرار دستور يضمن السيادة الشعبية، وللمرة الأولى توسع هذا الدستور في تحجيم سلطات الملك.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية