«التربية أهم من التعليم».. شعار تفوقت به كوريا الجنوبية
قبل أكثر من 60 عاما لم تكن كوريا الجنوبية بين صفوف الدول المتقدمة؛ بل كانت ممزقة بين النزاعات والحروب، وكانت الهوية الكورية مهددة بالانقراض، خاصة بعد الغزو الياباني عام 1910 الذي حاول طمس تاريخ كوريا وثقافاتها.
ولم ينته الأمر بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وانصرافها نحو إعادة بناء الدولة من الصفر؛ فقد سيطرت أمريكا على النصف الجنوبي من كوريا، بينما سيطر الاتحاد السوفيتي على نصفها الشمالي، ما أدى إلى انقسامهما إلى دولتين، هما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
ولعل هذا التقسيم كان له أثره حين حاولت كوريا الجنوبية التعافي من أزمتها، فاتبعت النظام الديمقراطي، بينما تمسكت كوريا الشمالية بالنظام الشيوعي فتأخرت عنها مئات السنين الضوئية.
وأدركت كوريا الجنوبية بعد الحرب أنها لا تملك أي موارد تساعدها على النهوض؛ إلا مورد واحد فقط وهو الإنسان. ومن هنا قررت كوريا الجنوبية وضع معظم جهودها في الارتقاء بالتعليم. كانت كوريا الجنوبية مصيبة تماما في هذا القرار؛ فبعد 50 عاما فقط، أصبحت في المركز الثاني على مستوى التعليم عالميا. فكيف حدث ذلك؟
إعداد المعلم في كوريا الجنوبية
إذا كان التعليم هو الوسيلة التي تضمن لكوريا الجنوبية مستقبلا أفضل، فإعداد المعلم ليكون مؤهلا لحمل هذه الرسالة وتطوير مهارات الطلاب، هو أحد أسس نظام التعليم الكوري. فالمعلم قبل تسلم وظيفته، يخضع لسلسلة من الدورات التدريبية في الإرشاد النفسي، والصحة العقلية، ليكون قادرا على فهم الطلاب واحتوائهم والتعامل معهم. إضافة إلى سلسلة أخرى من الاختبارات والمقابلات الشخصية التي تحدد الميول العامة للمتقدم لوظيفة المعلم وقدرته على أداء هذه المسئولية.
ولأن المرحلة الابتدائية هي مرحلة تأسيس الطفل الكوري، فهي تتطلب دقة ومهارة بالغة من جانب المعلمين، لذا فإنه يتم اختيارهم ضمن أفضل 10% من خريجي المدارس الثانوية. وفقًا لتقرير معهد العمل الكوري لسنة 2004.
التربية أهم من التعليم
وزارة «التربية والموارد البشرية» هو الاسم الذي إختارته كوريا لوزارة التعليم؛ فالنظام التعليمي يعتمد بشكل رئيسي على التنشئة التربوية للأطفال واعتباراهم أهم موارد الدولة. فكما يتم إعداد المعلمين ليكونوا مؤهلين للتعامل مع الطلاب تربويا ونفسيا، يتم إعداد الطالب تربويا للتعامل مع الحياة.
في المرحلة الابتدائية تقرر أكثر من مادة تربوية على التلاميذ، مثل التربية من أجل التمتع بالحياة، والتربية من أجل حياة ذات معنى، والتربية من أجل الأمانة، والتربية الخلقية؛ فبناء شخصية الطفل يكون على نفس درجة الأهمية كمواد اللغات والحساب والتاريخ وغيرها.
ونظام التعليم الكوري لا يعبأ بالاختبارات قبل المرحلة الثانوية، بقدر ما يعبأ ببناء الشخصية والمهارات والمفاهيم الأساسية التي يجب أن يعيها الطلاب. غير أن هذا لا يعني سهولة المنهج التعليمي؛ وإنما يعني طول المدة الدراسية التي قد تدفع بالمدرسين إلى الانتظار مع الطلاب حتى ساعات متأخرة بعد اليوم الدراسي، للتأكد من ترسيخ هذه المفاهيم لديهم. وذلك وفقا لما أورده موقع وزارة التعليم السعودية.
وفي الجامعات يتم إنشاء مراكز للتوجيه والإرشاد، تهتم بصحة الطلاب النفسية والعقلية، والاطمئنان على حالتهم العاطفية، وتساعد كل منهم على التكيف مع المجتمع والقدرة على حل مشاكله، إضافة إلى مساعدته على اكتشاف موهبته الاصلية وتطويرها.
تعليم يناسب الجميع
التعليم الثانوي ليس إلزاميا، لكن نسبة من يلتحقون به بعد المرحلة المتوسطة تساوي 94% من المجتمع الكوري. ربما يرجع السبب إلى أن التعليم الثانوي يتمتع بمرونة شديدة واهتمام كامل بكل فروعه، الذي يناسب جميع اهتمامات الطلاب؛ خاصة أن كوريا تهتم بالتعليم الفني والمهني بنفس قدر التعليم الأكاديمي، وتزوده بنفس الإماكنيات والتكنولجيا التي تتميز بها المدارس الثانوية.
كما يعد التعليم الثانوي بأنواعه الشباب الكوري للتعامل مع الحياة والدراسة الجامعية معا، فما نسبته 90% من الطلاب يلتحقون بسوق العمل بعد المرحلة الثانوية، بينما يواصل الباقي دراستهم الجامعية.
هذا المقال جزء من سلسلة يتناول فيها «شبابيك» النظم التعليمية في أفضل الدول على مستوى العالم في التعليم. فتابعونا.