رئيس التحرير أحمد متولي
 التعليم في رواندا منصات إلكترونية.. كيف نحقق النهضة بالمجان؟

التعليم في رواندا منصات إلكترونية.. كيف نحقق النهضة بالمجان؟

يطلقون عليها «سنغافورة» القارة السمراء، بعد أن أصبحت رواندا مثالا يحتذى به في النهضة التعليمية على الساحة الإفريقية.

تقول اليونسكو إن رواندا من أفضل 3 دول في تجربة النهوض بالتعليم، عام 2014، وهي لم تقفز إلى هذه المرتبة بين عشية وضحاها.

عانت رواندا من حرب أهلية تبعتها إبادة جماعية قتل فيها مليون شخص، وحطمت فيها مرافق الدولة وبنيتها الأساسية، ولم يعد هناك مستشفيات ولا كهرباء ولا مدارس أيضا، بل أصبح المعلمون أنفسهم ما بين قتيل وسجين وهارب بحياته من البلاد.

لكن كيف وصلت رواندا في خلال 10 سنوات إلى هذه المكانة إذا؟

تعليم يحارب العنصرية

قبل الإبادة الجماعية بزمن بعيد، كانت رواندا بلدا مختلفا تماما، ففي عام 1960 كان التعليم متقدما ويؤهل الطلاب للمعرفة والعمل، لكنه كذلك يرسخ للعنصرية الشديدة التي أشعلها الاستعمار بين قبائل «الهوتو» و«التوتسي».

«التوتسي» قبيلة غنية وتمتلك المال والنفوذ وهو ما قربها من المستعمر، وحظي أبناؤها بأفضل أنواع التعليم الذي يؤهلهم للمناصب القيادية في البلاد، بينما أبناء «الهوتو» منعزلون وحدهم في  مدارس فقيرة، يتخرجون منها ليشتغلوا بالأعمال الدونية والسخرة، وكثير منهم لا يتحمل مجرد تكلفة الكتاب أو الزي المدرسي.

التعليم من المفترض يتسبب في ارتقاء الشعوب، لكن للكاتبة إليزابيث كينج، في كتابها «From Classrooms to Conflict in Rwanda» رأي آخر؛ فذاك النوع من التعليم الذي يرسخ للعنصرية، وكان عاملا مهما دفع رواندا لتلك الحرب الأهلية. وكان التاريخ يُزيف في المدارس، لرسخ الانتماء للقبيلة وليس البلد.

«كينج» التي ألفت كتابها بناء على معايشة واقعية في رواندا وبين عائلاتها التي فتحت لها بيوتها تقول: «مناهج التعليم الآن أصبحت شديدة الصرامة فيما يتعلق بالانتماء، أن تكون روانديا وفقط، دون أن تتفاخر باسم قبيلتك أو تنتمي إليها».

وبصفة عامة أصبح التلفظ بكلمة عنصرية جريمة يعاقب عليها القانون.

لكن مشكلة أخرى مازالت تواجه المناهج التعليمية كما تراها «كينج»، فلم تعد الدولة تتعمد تزييف التاريخ ليعلي من شأن قبيلة دون أخرى، فالدولة الآن حذفت التاريخ كليا من المناهج المدرسية، وهذا خطأ كبير لا بد أن يعالج.

مكافحة التسرب من التعليم

لم تكن رواندا في ذلك الوقت بحاجة إلى إعادة بناء الدولة، أكثر من إعادة بناء الأطفال، نفسيا وفكريا وعلميا. كان لابد أن تعود المدارس تفتح أبوابها مرة ثانية، وبدأت المدارس تستقبل الأطفال مرة ثانية في العام 1994 بعد انتهاء الإبادة.

يحكي «ديفيد موشمان» في مقالة بموقع «هافنجتون بوست» الكثير عن معاناة هؤلاء الأطفال: «الأطفال العائدون للمدارس كانوا شاهدين على أفظع أعمال العنف. أكثرهم كانوا أيتاما،  فقدوا أحد الوالدين أو كلاهما». ولم تكن إعادة الأطفال للمدارس بالمهمة السهلة خاصة أن أغلب هؤلاء الأطفال كانوا يعملون في أعمال زراعية أو غيرها لإعالة أسرهم المسجونين أو إعانة أنفسهم.


وعندما جاء العام 2014 وبعد خطة استمرت 5 سنوات لمحاربة ظاهرة التسرب من التعليم، وصلت نسبة الطلاب المنتظمين فيه إلى 85%.

اليونسكو قالت في تقرير آخر إن رواندا أصبحت بذلك من أعلى الدول الأفريقية انتظاما في التعليم؛ ففي المرحلة الابتدائية وحدها كانت نسبة الأطفال المنتظمين تساوي 97%، بنسبة متساوية للأولاد والبنات.

التعليم المجاني

لم تكن أي عائلة لتتحمل تكاليف التعليم الباهظة بعد أحداث الإبادة. وكان فقراء رواندا الذين يشكلون غالبيتها يتطلعون إلى تعليم جيد دون تفرقة بناء على الوضع الاجتماعي أو المادي.

بدأت المدارس الحكومية في رواندا اتباع سياسة التعليم المجاني في المراحل الأساسية؛ 6 سنوات للمرحلة الابتدائية و3 سنوات للمرحلة المتوسطة.

ولم يقف التطوير عند هذا الحد، فالحكومة تناقش مجانية التعليم للمرحلة الثانوية، وفقا لموقع «About Rwanda».


إعادة تأهيل المعلم

قبل أحداث الإبادة كان الروانديون شعبا يعطي للمعلم احترامه؛ ففي خلال الحرب كان الناس يختبئون في الكنائس والمدارس باعتبارها أماكن مقدسة ولا يجوز المساس بها، لكن هذه الأماكن هي الأخرى لم تسلم من أفظع الجرائم.

يقول «موشمان»: «منذ عام 1990 أغلقت المدرسة الأخيرة في رواندا بسبب الحرب. المدارس نفسها تحولت إلى مكان تمارس فيه فظائع الحرب. 75% من المدرسين إما قُتلوا أو سُجنوا أو فروا بحياتهم من البلاد».

الحكومة الرواندية وضعت برنامجا لإعادة المواطنين الذين فروا من البلاد بعد الحرب، لكن المدرس حظى بتأهيل من نوع خاص

يقول نائب مدير مجلس التعليم برواندا «عمانوئيل موفوني» في مقال نشر عام 2010 بموقع «The News Times» إن: «لا بديل عن هذا المعلم المؤهل بامتياز، وفي سبيل هذا تقام العديد من الورش والدورات التدريبية التي تخرج معلمين قادرين على تقديم تعليم يوكب العصر ويلبي احتياجات سوق العمل وينهض بالبلاد اقتصاديا، سواء أكان على مستوى التعليم الأساسي أو الجامعي».

 

التكنولوجيا

عندما تنظر إلى أحد الفصول في مدارس رواندا، ربما تبدو لك فصولا تقليدية فقيرة، لكن التعليم في رواندا يتجه للاعتماد على التكنولوجيا كثيرا، بعد أن عقدت رواندا شراكة مع «Microsoft» لمحو الأمية الرقمية.

شيء آخر تعتمد عليه مدارس رواندا، يبدو مثل الطفرة التعليمية لبلد نامي مثله، وهو نظام « ICT 4E» اختصارا لـ«تكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل التعليم»، وهو نظام يستبدل وسائل التعليم والكتب التقليدية، بمنصات إلكترونية «لابتوب» أو «آي باد» أو مشغل «Mp3» يتابع من خلاله الدروس أو يتعلم القراءة بينما يستمع إلى الدرس.

مشكلات قائمة

ربما كانت تجربة رواندا في التعليم تستحق أن تروى، لكن تظل ملفات أخرى تحتاج للكثير من العمل مثل الاهتمام بتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، كما ذكر تقرير اليونسكو.. ومكافحة التسرب في التعليم الذي بدأ يتزايد في المدارس الثانوية.

لكن خطوة صغيرة أخرى تحسب لرواندا وستساعدها على الوصول لمصاف الدول الكبرى، وهو اتجاهها لاستبدال اللغة الفرنسية؛ في المناهج الدراسية، بالإنجليزية، لتكون الجامعات الرواندية مصدر جذب للطلاب من جميع أنحاء العالم.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال