أول ليلة من رجب مستجاب فيها الدعاء.. الصحيح في المسألة
يستقبل المسلمون شهر رجب الأصب كل عام، وسط جدل فقهي متجدد حول خصوصية الليلة الأولى منه، ومدى صحة ما يشاع حول ضمان استجابة الدعاء فيها، في ظل تباين الآراء بين المدارس الفقهية والمحدثين.
هل دعاء أول ليلة في رجب مستجاب؟
تكتسب ليلة الأول من رجب مكانة رمزية في الوجدان الإسلامي، حيث يعتبرها الكثيرون بمثابة الصافرة الروحية التي تعلن قرب موسم الطاعات الكبرى.
ويستند القائلون بخصوصية هذه الليلة إلى تراث فقهي عريض، تتصدره مدرسة الإمام الشافعي الذي نقل في كتابه «الأم» ما يفيد بأن الدعاء يرجى قبوله في خمس ليال مخصوصة، منها ليلة الأول من رجب.
ويرى باحثون في التاريخ الإسلامي أن هذا التوجه لم يكن مجرد اجتهاد فردي، بل كان يعكس ثقافة تعبدية سادت في عصر التابعين، حيث كان ينظر إلى هذه الليلة كبوابة زمنية تفتح فيها آفاق المناجاة.
ويشير المحققون إلى ضرورة التفرقة بين «الرجاء» وبين «الجزم الشرعي»، إذ إن الفقهاء الذين استحبوا إحياء هذه الليلة لم يضعوا ذلك في مرتبة الواجب أو السنة المؤكدة التي يترتب على تركها إثم، بل وضعوها في إطار «فضائل الأوقات».
دعاء لأمي المتوفية في شهر رجب وأفضل الأدعية للأم
وتتجلى الحكمة من هذا التوجه في تحفيز الهمم للتجرد من صوارف الدنيا مع دخول الأشهر الحرم، وهي الأشهر التي عظم الله شأنها في القرآن الكريم، مما يضفي على أي عمل صالح فيها، بما في ذلك الدعاء، صبغة من التعظيم الإضافي.
وتؤكد الدراسات الحديثية المعاصرة، استنادا إلى ما قرره أئمة النقد كابن حجر العسقلاني والنووي، أن الأحاديث المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم في خصوصية هذه الليلة لا تقوى على الصمود أمام النقد العلمي.
وتوضح التقارير العلمية أن الأسانيد التي تداولت صيغ «لا يرد فيهن الدعاء» تعاني من علل قادحة، حيث شملت رواة وصفهم البخاري بـ «منكري الحديث».
ومع ذلك، يذهب فريق من العلماء إلى أن «الأثر الموقوف» عن الصحابي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، يعطي لهذه الليلة ثقلا تاريخيا، نظرا لما عرف عن ابن عمر من شدة تحريه لسنن النبي وآثاره.
وتتجه الفتوى المعاصرة في المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر ودار الإفتاء المصرية، إلى تبني منهج وسط، يرى في إحياء ليلة الأول من رجب بالدعاء أمرا مستحبا من باب «التعرض لنفحات الله».
فضائل شهر رجب.. أكثر 4 فضائل ميزت هذا الشهر
ويستدل هؤلاء بالحديث العام الذي يحث المسلم على التماس الخير في أيام الدهر، معتبرين أن ليلة أول رجب هي محطة نفسية لإعلان التوبة والاستعداد لرمضان.
ويربط الخبراء بين هذا الاستعداد الروحي وبين الصحة النفسية للمؤمن، حيث توفر هذه المحطات الزمنية فرصة للتفريغ الوجداني عبر الدعاء والمناجاة في وقت يشعر فيه الفرد بالقداسة والسكينة.
وفي سياق متصل، يحذر علماء المذهب الحنبلي من المبالغة في تخصيص هذه الليلة بصلوات مخترعة أو هيئات جماعية لم ترد في الصدر الأول، مشددين على أن الفضل يكمن في «الدعاء المطلق» والتقرب الفردي.
وبناء على ذلك، يخلص البحث الفقهي إلى أن الصحيح في المسألة هو أن ليلة أول رجب هي زمان فاضل لشرفه العام كبداية لشهر حرام، وأن الدعاء فيها مشروع ومستحب دون اعتقاد نص نبوي ملزم بخصوصيتها الميتافيزيقية، مما يجعلها فرصة ذهبية للمسلم لمراجعة الذات وتجديد النوايا قبل حلول الشهر الكريم.