ذهب ولم يعد.. لماذا يرفض المصريون في الخارج العودة؟
كثير من المصريين يحلمون بالسفر لتحقيق طموحهم المهني أو المادي ثم العودة للوطن.. لكن ما إن يشاهدوا «الاختلاف الكبير» بين بلدهم والدول الأخرى التي حققت قدرا كبيرا من التقدم، حتى يفكروا ألف مرة قبل قرار العودة.
هل هو التخوف الدائم من ظروف البلد أم مشكلة في الانتماء أم رغبة في المحافظة على ما حققوه هناك من نجاح أم غير ذلك من أسباب؟
هذا ما يحاول «شبابيك» الإجابة عليه في السطور التالية، من خلال حديثه مع بعض الشباب المصريين المقيمين في الخارج.
تعليم جيد أولا
لم يكن الطبيب الصيدلي حسام عبد اللطيف يفضل فكرة السفر للسعودية، لكن عدم وجود فرص حقيقية في مصر، والرغبة في تحسين مستوى المعيشة، كانت أقوى من رغبته في الاستقرار.
بعد 6 سنوات من الغربة استطاع حسام أن يحقق مستوى مادي أعلى، لكنه الآن رافض لقرار الرجوع؛ فلا شيء في البلد يضمن لأطفاله مستقبلا أفضل، وخصوصا التعليم.
يحكي حسام لـ«شبابيك»:«بعيدا عن كل المشاكل الاقتصادية والسياسية في مصر، بس لو توفرت إمكانية أني أعلم ولادي كويس، هرجع فورا».
أصبح لدى حسام رأس المال الذي يمكنه من مستوى معيشي جيد هنا، وإنشاء المشروع الخاص به، لكن حتى التعليم الخاص لا يرضي يطموحه لأبناءه.
يقول: «حتى المدراس الدولية مستواها ضحل جدًا، والمدرسين سيئين للغاية، مقارنة بالمدارس في السعودية اللي أسعارها أقل ومستواها التعليمي أعلى بكثير».
مشاكل يواجهها المصريون في الغربة
الوضع غير مشجع
لاشيء في مصر يشجع على الرجوع.. هذا ما تؤمن به الطبيبة الصيدلية المقية في السعودية أيضا، هبة محمد، التي تؤكد لـ«شبابيك» أن الأمر أبعد من الماديات بكثير؛ فحتى لو ضمت الوظيفة والمرتب الكبير في مصر، ستفكر مليون مرة قبل قرار العودة.
تقول هبة: «في مصر هتعيشي دايما في ضغط حتى لو نازلة تشتري خضار أو فاكهة، هتلاقي الناس بتتخانق مع بعضها».
وبالنسبة لهبة، فإن المعيشة في السعودية لا ترضي طموحها، فهي تفضل البحث عن فرصة أخرى في أي دولة أوروبية ولا تعود لمصر.
تقول: « فكر حاليا في السفر لأستراليا. وقبلها كان فيه محاولات للسفر لأمريكا؛ لأني عايزة أضمن لأولادي مستوى تعليمي وثقافي ويتربوا فيه مش موجود في السعودية ولا في مصر».
سلوك المصريين هو السبب
وبخلاف حالة هبة، قد لا تكون ظروف البلد عائقا كبيرا للرجوع، بقدر ما «المشكلة في المصريين أنفسهم»، هذا ما يؤمن به معتز عبد الهادي، موظف خدمة العملاء المقيم بالإمارات.
يقول معتز لـ«شبابيك»: «بالنسبة ليا شخصيا فكرة الرجوع شبه مستحيلة لأنها بتعتمد على تغييرات جوهرية كتيرة تحصل أغلبها في سلوك الشعب المصري اكتر من إدارة البلد، ومش متفائل أن التغيرات دي ممكن تحصل في حياتي».
لكن هذا السبب نسبي للغاية كما يؤكد معتز، ففي حين يرفض العودة بسبب سلبيات البلد، يرى أن فرصة النجاح وتحقيق الطموح هناك أكبر بكثير، وهي ما تجعل الشباب متمسكين بعدم العودة.
وسائل الشباب «للهروب» من مصر.. حكايات المهاجرين
سأعود بعد تحقيق طموحي ولكن..
أحد هؤلاء الشباب الذين يؤكدون أن السفر هو فرصة كبيرة ليحقق طموحه، هو أحمد جودة المترجم الفوري المقيم في أمريكا، لكنه على عكس الحالات السابقة، متمسك بقرار العودة يوما ما.
يقول جودة لـ«شبابيك»: «سفري مرتبط بهدف عاوز أحققه وهو إنشاء شركة ترجمة عالمية. لما أحوش مبلغ معين هرجع لمصر زيارة لأني حابب الشركة يكون لها فرع في مصر، ولأني حابب أساعد الشباب على تحقيق طموحهم.
لكن رغم تفاؤله الشديد، يبدي المترجم الفوري تخوفا كبيرا من ظروف البلد، قائلا: «طبعا حابب أني أستقر في بلدي، لكن لما يكون فيها نمو وتعليم واقتصاد كويس.. نفسي الحجات دي كلها تحصل قبل ما آخد قرار نهائي بالرجوع. وفي نفس الوقت عندي طموح أني أساهم في تطوير البلد اقتصاديا».
السفر عليك والمصاريف عليهم.. إزاي تلف العالم ببلاش؟
هل الغربة تقتل الانتماء؟
كل هذه الأسباب التي تجعل المصري خائفا من العودة، تعكس تغيرا كبيرا في نظرته لبلده.. كان المصري المغترب في الماضي يحرص على العمل بجد وإدخار النقود للعودة مرة أخرى لبلده.. لكن هذا النموذج تغير كثيرا كما يقول حسام عبد اللطيف.
«كان المصري المغترب بيحط لنفسه خطة لمدة ثلاث أو خمس سنوات يحقق طموحه في الشغل ويحوش فلوس.. لكن دلوقتي هدفه تحول من التركيز في الشغل، لأنه يعيش حياته فسح وخروجات وسفر من السعودية لدول تانية يصرف فيها بآلافات، لأن طموحه أصبح أنه يعيش كويس بره، مش يحوش عشان يرجع».
وبالرغم من كل هذا يظل النموذج الأول متواجدا ولو بقله.. يقول «جودة» المترجم المقيم بأمريكا: «فيه أشخاص أول لما سافروا لأمريكا كرهوا مصر. وهناك نماذج تانية أول لما بيجيوا ويشوفوا التقدم والتطور، انتمائهم للبلد بيزيد، وبيبقى نفسهم مصر تكون أفضل».
بهذه الخطوات.. قبولك في منحة دراسية بره البلد مضمون
هل أصبح السفر نوعًا من الهروب؟
وبالنسبة للبعض الناقم على ظروف البلد، فالسفر يتحول لديهم من الفرصة لوسيلة للهرب أو الخلاص، كما يرى معتز، المقيم في الإمارات.
يقول معتز: «الرغبة السفر في السفر أصبحت رغبة شبه عمياء عند كثير من المصريين.. أحد أصدقائي المقربين عنده رغبة كاسحة للسفر، بحاول أغير فكرته عشان تكون أكثر واقعية ولتخفيف الصدمة عليه لما يفاجئ أن توقعاته مش في محلها».
لكن في المجمل يتفق معتز على أن المصري حتى ىلو ادخر مبلغا يستطيع به العودة لبلده، فهو يفضل بدء مشروعه الخاص أو الزواج والاستقرار في الغربة.
إزاي تحوش فلوس السفر؟