متى أكَل الإنسان الإنسان؟
تعبير cannibalism أو أكل لحوم البشر مشتق من اسم قبيلة بدائية في جزر الهند الغربية والتي عرفت باسم «الكاريب»، والتي تحدث عنها المستكشف كريستوفر كولومبوس لأول مرة، ويزعم أن تلك القبيلة كانت تأكل لحوم الآخرين.
وبعد سنوات طويلة من الجدل حول ما إذا كان هذا الأمر الغريب موجودا أم لا، صار علماء الأجناس البشرية على اتفاق بأن أكل لحوم البشر تقليد تواتر ظهوره على اختلاف ثقافات وعصور.
أسلافنا القدماء
في فترة قبل التاريخ، عاش الإنسان البدائي «النياندرتال» ما بين نحو 100 ألف عام و35 ألف عام، وعاصره لآلاف الأعوام من هذه الفترة «الهوموسابينس» أو أسلافنا «الجنس الذكي».
خلال هذه الفترة المشتركة يرجح العلماء أن أحد أهم أسباب اختفاء «النياندرتال» هو أن «الهوموسابينس» (نحن) تغذى على أخيه «النياندرتال» (الغبي).
من هم «النياندرتال» و«الهوموسابينس»؟
«النياندرتال»: هو أحد أسلاف الإنسان الذي عاش في فترة ما قبل التاريخ وكان يعتمد في غذائه على الصيد وظهر في أوروبا وغرب آسيا، وهناك تشابه في جينوم «النياندرتال» مع جينوم الإنسان الحالي بنسبة 99.7%.
أما «الهوموسابينس»: فهم أسلافنا الذين انحدرنا منهم وهو أول إنسان عاقل عرفه التاريخ، وتعد أفريقيا أول موطنه الذي هاجر منه إلى بقاع الأرض المختلفة، وعاصر إنسان «النياندرتال» منذ نحو 50 إلى 60 ألف عام وتزاوجوا ويعتقد أن أول تزاوج بين النوعيين حدث في الشرق الأوسط. ولكن حارب الاثنان بعضهما البعض أيضا في النهاية.
كيف أكلهم؟
في مسيرة الإنسان التطورية، يقول العلماء إن انقراض جنس «النياندرتال»، حدث بسبب أن جنسنا «هوموسابينس» الجنس العاقل، تغذى على أبناء عمومتنا الأغبياء المنقرضين «النايندرتال». والذين عاصرونا لـ 150 ألف عام بسبب فترة جفاف حلت بالأرض وانعدام مصادر الطعام.
الشدة المستنصرية
في فصل آخر من فصول التاريخ ولكن هذه المرة في التاريخ الحديث وفي مصر تحديدا خلال العصر الفاطمي، تعرضت البلاد لمجاعة في عهد المستنصر بالله في الفترة من 1036-1094م بسبب جفاف مياه النيل لمدة 7 سنوات.
ويروي مؤرخون عن تلك الفترة أن «تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع مقابر آبائه من رخام».
ويقول المقريزي في ذلك «أكل الناس القطط والكلاب بل تزايد الحال فأكل الناس بعضهم بعضا، وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها وعليهم سلب وحبال فيها كلاليب فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوا حتى أن الرجل كان يأكل طفله الصغير».
والبشر في ذلك الوقت كانوا يقفون أعلى بيوتهم ويصطادون الشخص الغريب الدخيل على منطقتهم ليأكلوه. ومات في هذه المجاعة 1.6 مليون نفس.
فرقة دونر
فرقة دونر هي مجموعة من الرواد الأمريكيين مكونة من 87 فردا، سافروا في رحلة بقيادة جورج دونر وجيمس ريد، تحركت في اتجاه كاليفورنيا في قافلة من العربات التي تجرها الخيل. وبعد سلسلة من الأحداث المؤسفة والأخطاء التي أخرت سيرهم، قضوا شتاء سنة 1846/1847 محاصرين بالثلوج في جبال سييرا نيفادا.
وبعد وصول فرقة الإغاثة لم يبق منهم إلا 48 شخصا، وبينت التحقيقات فيما بعد أن من بقي حيا كان يتغذى على رفاقه بعد موتهم من شدة الجوع.
الحاجة الملحة
عام 1884 في بريطانيا أبحر 4 بحارة في عرض البحر المتوسط، وتقطعت بهم السبل وبقوا في المياه 19 يوما ونفذ ما لديهم من طعام وشراب. وفي اليوم الـ19 اقترح القبطان «دادلي» على البحارة الثلاثة إجراء قرعة لاختيار أحدهم لأكله، ووقع الاختيار على أصغرهم وأضعفهم.
تم إنقاذ البحارة بعدها بأربعة أيام عن طريق مركب صيد ألمانية، وبعد عودتهم تمت محاكمتهم بتهمة القتل العمد وحكم عليهم بالإعدام، إلا أن المتهمين دفعوا بأنهم كانوا في حاجة إلى ذلك ودفعتهم الضرورة القصوى، لإنقاذ حياة 3 مقابل 1.
وهذه القضية أرست مبدأ الحاجة القصوى في القانون البريطاني بعد ذلك، وتم تخفيف الحكم على البحارة الثلاثة إلى الحبس 6 أشهر بدلا من الإعدام. وهذا المبدأ يُدرس في جامعات بريطانيا حتى الآن.
الحرب العالمية الثانية
خلال الحرب العالمية الثانية، ومع اجتياح قوات هتلر لروسيا وما نتج عن ذلك من مجاعة في صفوف الجيش الألماني، ومدينة لينينغراد التي حاصرها الألمان لعدة شهور، اضطر بعض سكان المدينة في خضم الحرب ومع اشتداد المجاعة إلى أكل بعضهم بعضا.
واستمر ذلك حتى أن الكثير من السكان كانوا يخافون على أطفالهم من الإختطاف من قبل جيرانهم لكي يقوموا بأكلهم وإسكات جوعهم.
كما سجلت شهادات عديدة بعد الحرب الفظائع في كافة أنحاء أوروبا والتي قام بها جنود وأشخاص عاديون في كلا جانبي الحرب من أكل الجثث، أو قتل بعض الأطفال وإلتهامهم, كذلك حدث أمر مماثل للأسرى الألمان لدى القوات الروسية الذين أرسلو حتى يلقوا حتفهم في شمال الإتحاد السوفياتي، ولم يعد منهم أحد بفعل الجوع.
الحملة الصليبية
بعد احتلال الأوروبيون لأنطاكيا في نهاية القرن الـ11، وعند حصارهم لمدينة معرة النعمان، حلت مجاعة بها وكان عتاد الجيش بدأ ينفذ.
بعد دخول المدينة قتلوا منها ما الآلاف، وحدث أن أكلوا لحوم البشر من المدينة، بحسب ما ذكر ستيفين رونسيمن في «تاريخ الحروب الصليبية»، والذي قال «المجاعة كانت سائدة، وكان أكل لحم البشر يبدو الحل الوحيد». وكتب مؤرخ رسمي آخر أن: «اجتاحت الجيش مجاعة فظيعة ألجأته إلى ضرورة جائرة هي التقوت بجثث المسلمين».
البير دكس الذي شارك بنفسه في المعارك كتب أيضأ: «لم تكن جماعتنا لتأنف فحسب عن أكل قتلى الأتراك والعرب، بل كانت تأكل الكلاب أيضاً. كما أن جماعات – عصابات ظهرت في أرياف المعرة باسم الطفور كان التعصب والحقد يوجهها إلى التجول ليلاً لقتل العرب وشويهم على النار لأكلهم».
اليابانيون في الحرب العالمية الثانية
اليابانيون أيضا في الحرب العالمية الثانية أقدموا على ذات الفعلة «أكل لحوم البشر».
اليابانيون أكلوا لحوم البشر ليس من شدة الجوع؛ بل ليثبتوا لنظرائهم في الحرب أنهم أقوياء وأشداء، وكان معظم ضحاياهم من السجناء.
يقول سجين باكستاني كان معتقلا لدى اليابانيين، «القوات اليابانية كانت تختار كل يوم أحد السجناء ليُقتل ويؤكل من قبل الجنود وأنا شخصيا رأيت هذا يحدث لحوالي 100 سجين».
قصص أكل لحوم البشر لا تتوقف عند هذا الحد، فبالإضافة إلى هؤلاء فإن مجرمين حوكموا بسبب أكلهم للحوم البشر، منهم الأمريكي ألبرت فيتش الذي التهم واغتصب 400 طفل وطفلة، وحكم عليه بالإعدام عام 1936، وفريتز هارمان أو ما يعرف بمصاص دماء ألمانيا، وفني الكومبيوتر الألماني أرمين مافيس الذي عبر من خلال الإنترنت عن حاجته لشاب قوي البنية ليأكله وأجابه شاب يدعى أرماندو برانديس وبالفعل أكله.