عاطف الطيب.. سينما واقعية متمردة على القيود
لقبه النقاد بـ«مخرج سينما البسطاء»، ووصفه أمير الرواية العربية نجيب محفوظ بـ«عميد الخط الواقعي في السينما المصرية الحديثة»، هكذا عرف المخرج عاطف الطيب بين أبناء جيله، ليشتهر كونه رائدا لخط الواقعية الجديدة في 21 فيلما سينمائيا قدمهم في أقل من 15 عاما.
الحدوتة
أعطى «الطيب» اهتماما خاصا بمضمون القصص التي يتناولها في أفلامه السينمائية؛ والتي عرضت جميعها قضايا الطبقة المتوسطة التي شغلت بال «الطيب» ذاته؛ لتصبح أفلامه السينمائية انعكاسا لأفكاره الشخصية الحاضرة وسط واقع محبط، يؤدي إلى انفجار وتمرد أبطال أفلامه عليه في النهاية.
وكان بين تلك القضايا، فساد محاميين التعويضات المالية، والتفكك الأسري، والمشاكل المالية التي تواجه المقبلين على الزواج.
الأسرة في أفلام «الطيب»
ولأنه رائد للواقعية، اهتم «الطيب» بعامل «الأسرة» في أفلامه، موضحا مدى تأثر البطل بها، لتبدو كأنها نموذج مصغر من المجتمع الذي أصبح بطله حاملا لهمه. وظهر ذلك بشكل قوي في أفلام «سواق الأتوبيس» و«الحب فوق هضبة الهرم» و«إنذار بالطاعة» و«الدنيا على جناح يمامة».
رومانسية ولكن
اعتمادا على النظرة الواقعية المتجردة من أي أحلام خيالية، جاء عنصر الرومانسية في أفلام «الطيب» ممزوجا باليأس ومحاوطا بالمشاكل المادية والاجتماعية التي تقف عائقا أمام سعادة الثنائي المحب، وظهر ذلك في أفلامه: «الحب فوق هضبة الهرم» و«إنذار بالطاعة» و«الهروب».
كوميديا سوداء
يعتبر فيلم «الدنيا على جناح يمامة» هو التجربة الكوميدية الوحيدة بين أفلام الطيب، ولكنه بتقديمه له، لم يتخلى عن القالب الواقعي الذي تبناه في أفلامه، لتكون النتيجة فيلم اجتماعي واقعي مغلف بالكوميديا السوداء.
هم الوجودية
ومن خلال رواية نجيب محفوظ «قلب الليل»، دمج «الطيب» الخط الواقعي في أفلامه بذلك الوجودي في فيلم قال عنه بطله نور الشريف إنه يعبر عن علاقة الإنسان بالله ويتناول تساؤلا يشغل بال الملايين من البشر: إذا أتيحت الفرصة لخلق آدم مجددا، هل سيفضل البقاء في الجنة أم الهبوط إلى الأرض؟
في 10 مشاهد.. هكذا ترى السينما العلماء المصريين
الأسلوب الإخراجي
اعتمد «الطيب» على السرد الخطي البسيط بأفلامه السينمائية، دون تعقيدات إخراجية أو استخدام لـ«فلاش باك» أو تكرار تصوير المشاهد ذاتها أكثر من مرة لتعرض وجهات نظر مختلفة لشخصيات الفيلم. وكان يصور المشاهد بترتيب انفعالات الممثلين، لكي تظهر بشكل أكثر صدقا؛ ما كان يسبب زيادة مدة التصوير عن تلك المحددة مسبقا.
ويظهر في أفلامه اهتمامه بتصوير المشاهد المعتمدة على لقطة كاميرا واحدة طويلة بدون قطع، وكذلك المشاهد واسعة الكادر، بالإضافة إلى استخدام التقريب من لقطات كبيرة إلى أخرى أصغر تتضح فيها التفاصيل، وذلك لأنه لا يهتم بالكادر السينمائي المتنوع بقدر اهتمامه بإظهار مشاعر وتعبيرات الممثل.
كما يتضح اهتمام «الطيب» بالتصوير الخارجي في أفلامه، أبرزها أفلام «سواق الأتوبيس» و«الدنيا على جناح يمامة» و«ليلة ساخنة»؛ التي صورت أغلب مشاهده خارجيا بشوارع القاهرة المختلفة.
وهنا يظهر إبداعه الإخراجي الذي يتطلب تحكما دقيقا في إدارة تصوير المشاهد خارج الاستوديو، والذي يعتبر من أصعب تجارب الإخراج.
تسلط الأمن
ومن خلال أفلامه السينمائية، عكس «الطيب» فكرة قهر السلطة للإنسان المصري أكثر من مرة؛ ويتجلى ذلك في مشهد من فيلم «ليلة ساخنة» حين اتهم رئيس وحدة المباحث السائق الذي جاء ليسلم مقتنيات شخص وجدها في التاكسي الخاص به، ليفاجأ بأنه متهم بقتله. ذلك بجانب فيلم «البريء»، الذي كان سببا في اندلاع مشاكل كثيرة مع الرقابة؛ ما اضطر «الطيب» إلى حذف بعض مشاهده، وتغيير نهايته بالكامل.
وحضرت القضايا السياسية بقوة في أفلام «الطيب» من تناول للقضية الفلسطينية في فيلم «ناجي العلي»، لتطرف التيارات الدينية كما ظهر في مشهد من فيلم «ليلة ساخنة»، واستغلال المخابرات المصرية للنساء بهدف الحصول على معلومات سرية من رجال يحتلون مناصب هامة في الدولة كما اتضح في فيلم «كشف المستور»، ومساويء الانفتاح الاقتصادي مثلما اتضح في فيلم سواق الأتوبيس، ومحاولة أصحاب المناصب المهمة قمع صوت الحق بهدف الحفاظ على علاقاتهم مع أعضاء الحكومة كما ظهر في فيلم «ضد الحكومة».
منهم القصبجي وسامية جمال.. نجوم زمان في «الفريندزون»
دويتوهات فنية
ثنائيات بعينها كونها «الطيب» مع بعض الفنانين أو المؤلفين، ليعتاد الجمهور على اجتماعهم سويا، فيستبشر بفيلم عال المستوى على وشك أن يشاهده. وكان أشهر هذه الثنائيات ذلك الذي جمع «الطيب» بالفنان نور الشريف.
رافق نور الشريف «الطيب» منذ بداية ظهور اسم الأخير بشكل مستقل كمخرج لفيلم سينمائي، فظهر في أول أفلامه السينمائية التي قام بإخراجها «الغيرة القاتلة» الذي عرض عام 1982، وكذلك في ثاني أفلامه «سواق الأتوبيس»، ليفوز نور الشريف بجائزة أفضل ممثل في مهرجان نيودلهي، ويصبح أول ممثل مصري يفوز بجائزة دولية، وينال عنه «الطيب» كذلك جائزة العمل الأول في مهرجان أيام قرطاج السينمائية بتونس.
وظهر معه نور الشريف كذلك في أفلام «الزمار» من إنتاج عام 1985، و«ضربة معلم» من إنتاج عام 1987، و«قلب الليل» و«كتيبة الإعدام» من إنتاج عام 1989، و«دماء على الأسفلت» و«ناجي العلي» من إنتاج عام 1992، و«ليلة ساخنة» من إنتاج عام 1995، ليكون مجموع أفلام «الطيب» الذي ظهر فيها نور الشريف هو 9 أفلام سينمائية.
ومن الممثلين الذي كون معهم «الطيب» دويتو فني كذلك هو الفنان أحمد زكي الذي أطل بطلا لثالث أفلامه «التخشيبة» من إنتاج عام 1984. ذلك بجانب ظهوره في أفلام، «الحب فوق هضبة الهرم» و«البريء» من إنتاج عام 1986، و«الهروب» من إنتاج عام 1991، و«ضد الحكومة» من إنتاج عام 1992.
بالإضافة إلى الفنان محمود عبد العزيز الذي ظهر معه في أفلام «البريء»، و«أبناء وقتلة» من إنتاج عام 1987، و«الدنيا على جناح يمامة» من إنتاج عام 1989. وكذلك الفنانة نبيلة عبيد التي ظهرت معه في أفلام «التخشيبة»، و«أبناء وقتلة»، و«كشف المستور» من إنتاج عام 1994، والفنانة ليلى علوي التي ظهرت في أفلامه «ضربة معلم»، و«البدرون» من إنتاج 1987، و«إنذار بالطاعة» من إنتاج عام 1993، والفنانة لبلبة التي أعاد «الطيب» اكتشافها من جديد في أفلامه «ضد الحكومة» و«ليلة ساخنة».
ومع المؤلف والسيناريست بشير الديك، كون «الطيب» دويتو فني اشترك معه في أفلام «سواق الأتوبيس»، و«ضربة معلم»، و«ناجي العلي» و«ضد الحكومة» و«جبر الخواطر».
وأيضا المؤلف وحيد حامد الذي شارك معه في أفلام «البريء» و«التخشيبة» و«ملف في الآداب»، و«الدنيا على جناح يمامة» و«كشف المستور»، وأيضا السيناريست مصطفى محرم الذي شارك معه في أفلام «الحب فوق هضبة الهرم» و«أبناء وقتلة» و«الهروب».
اقتباسات خالدة
ومن أفلام «الطيب»، ظلت بعض الاقتباسات على لسان الشخصيات السينمائية المتنوعة باقية في أذهان الجمهور طوال الوقت، أشهرها:
«كلنا فاسدون لا أستثني أحدا حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة»- أحمد زكي من فيلم «ضد الحكومة».
«يا ولاد الكلب»- نور الشريف من فيلم «سواق الأتوبيس».
«ودي حتة حشيش.. مالناش دعوة بيها»- أحمد زكي من فيلم «ضد الحكومة».
«طظ فيك وفي اللي بتعمله واللي هاتعمله»- لبلبة من فيلم «ضد الحكومة».
«عشت طول عمري معلق بين السما والأرض»- أحمد زكي من فيلم «الهروب».
«الست اللي تغير على جوزها صحيح تطبخله الملوخية على زفر، لكن أنتي غيرتك أورديحي يا فاطمة» محمود عبد العزيز من فيلم «الدنيا على جناح يمامة».
بمجموع 21 فيلما سينمائيا أصبحت بمثابة سيرة ذاتية للوطن توثق حياة الطبقة المتوسطة في فترة الثمانينات والتسعينات، ترك عاطف الطيب بصمة فريدة في السينما المصرية، استحق بفضلها أن يفجر ثورة من الواقعية الجديدة، ليصبح رائدها المخلص والأوحد.