شيرين عبدالعزيز تكتب: فراشات تحت العشرين
يعتقد بعض الآباء والأمهات بأن مرحلة المراهقة هي من اخطر المراحل التى يمر بها أبناءهم بل ويحملون على أكتافهم هم إستقبال هذه المرحلة المعقدة والتى يصاحبها شد وجذب وقلق وتوتر وعناد وصراخ بين الطرفين.
فى الوقت الذى يدعونا العلم الحديث للإستعداد وتثقيف أنفسنا بالإطلاع والمعرفة عن قرب لعالم المراهقة المليء بالأسرار والخبايا من خلال معرفة أهم سمات هذه الفترة وخصائصها ولغتها الخاصة بجانب الكشف عن المفاهيم والمعتقدات الخاطئة من كلا الطرفين كما يزودنا بطريقة التعامل الصحيحة التى نستطيع من خلالها أن نعيش هذه الفترة مع الأبناء بسلام وهدوء.
وعندما نلقى نظرة قريبة لــ«عالم المراهقة» نجد أن من سمات هذه المرحلة أنها تبدأ من فترة سن 11 سنة وتمتد لــ 21 سنة وتصاحبها التغيرات النفسية والجسدية والرغبة فى الإستقلالية وإثبات الذات ورفض سيطرة الآخرين والسير فى الإتجاه المعاكس بجانب الرغبة فى التجربة والإكتشاف مما يدفعهم للاندفاع وراء أمور قد تعرضهم للأذى أو الخطر دون أن يشعروا بالإضافة إلى استخدامهم لغة وقاموس كلمات خاصة بهم وغير إعتيادية وذلك للتعبير عن خصوصيتهم.
ومن أهم المفاهيم والمعتقدات الخاطئة عند الأباء حين نسمعهم يقولون «كلما ضيقت الحلقة حول ابنى كلما حافظت عليه من خطر العالم الخارجى والبيئة المحيطة به» أو «ابنى مازل طفل صغير لا يستطيع التفكير بشكل سليم كما إنه لا أستطيع أن أتركه يخرج بمفرده، فربما يتعرض لأذى وحين أقوم بإعطاء مساحة من الحرية له معناها إننى سوف أفقد سيطرتى عليه قريباً فهو مازال صغيرا على أن يتحمل مسئولية أى شىء فى الحياة».
وبالطبع سوف تجرنا مثل هذه المفاهيم الخاطئة عند الأباء إلى ـن نجد أنفسنا أمام نتائج غير مرغوب فيها مثل محاولات من الأبناء لمقاومة وكسر هذه القيود والحواجز. وفقدان الثقة وقدرتهم على التواصل مع الآخرين بجانب الصراع الداخلى الذى ينشأ نتيجة تضارب العالم الخارجى والبيئة المحيطة مع ما يتلقوه من تربية وتعليم بالإضافة إلى عدم المسئولية والإتكالية وتوليد شعور بالضعف والنقص وسيزداد هذا الشعور يوما بعد يوم عندما يتعرض الأبناء لمواقف صغيرة يتطلب منهم إتخاذ القرار. ناهيك عن حاجتهم الدائمة إلى مساعدة الآخرين حتى فى أبسط الأمور والمواقف.
ومن طرق العلاج والتعامل الصحيح التى ننصح بها، هو إن قليل من الحرية لن يضر فى حالة المتابعة ويجب أن نأخذ بعين الإعتبار أن المسئوليات تقوي الشخصية وتمد النفس بالجرأة وتساعد على الاختلاط والتواصل مع الآخرين بشكل جيد وفعال بعيداً عن مشاعر الخوف أوالخجل التى قد تصيب أبناءنا فى هذه المرحلة العمرية.
كما أن الإعتماد على النفس هو من أسس التربية السليمة التى يجب أن نلجأ لها حتى نستطيع أن ننجب جيلا قادر على مواجهة الحياة وصعوباتها معتمدا على نفسه وقادرا على تحمل المسئولية فيوماً ما سيكون أبناءكم مسئولون عن سلامة أنفسهم وسلامة أسرهم فى المستقبل القريب، وسلامة وطنهم أيضاً ولا ننسى أن الإندماج مع العالم الخارجى والتدريب على مواجهة المشاكل والأمور السيئة التى قد يتعرض لها ابناءنا أفضل بكثير من بناء قلعة محصنة يعيش بها مجموعة من الأشخاص العاجزون حتى عن حماية أنفسهم من المخاطر.
إن إحترام الأبناء والاستماع لهم وإحترام أرائهم ومناقشة النواحي الايجابية والسلبية فى الرأى هى طريقة حديثة في طرق الإقناع والتأثير القوي فى الآخرين.. فلا تنسوا إستخدام هذه الوسيلة القوية لمعرفة فيم يفكر أبناءكم وكيف يفكرون؟.
وهناك أساليب عدة للتربية السليمة مثل التعامل مع الأبناء مرة بالثناء والمدح ومرة الثواب والعقاب ومرة بالنقاش ومرة بالمشاهدة والتجربة ومرة بالتقدير والتوبيخ فلا داعى أن نركز أيها الأباء على طريقة واحدة فقط فى التربية فربما تكتشفون بالوقت أنسب الطرق لمساعدة أبناءكم فما ينفع مع ابن ليس بالضرورة أن يصلح مع أخوه، فالأشخاص مختلفون وعليكم أن تتقبلوا هذا الإختلاف وتعرفوا كيف تتعاملون مع كل ابن من خلال سمات شخصيته.
وعلى الجانب الآخر نجد أيضاً أن هناك مفاهيم ومعتقدات خاطئة عند الأبناء منها نسمعهم يقولون إن الأباء لا يجيدون شيئاً غير توجيه الأوامر والنقد لهم ويتعمدون احراجنا أمام الجميع كما إنهم لا يثقون بنا ولا بكوننا نستطيع أن نفكر جيداً ولا حتى يثقون فى إختياراتنا بالإضافة إلى إن الأباء دائماً ما يذكّروننا بعيوبنا ولا يعطونا مساحة من الحرية الكافية لنقوم بما نحبه وفى بعض الأوقات نشعر بأنهم يكرهونا فهم نادمون على مجيئنا هذه الحياة.
وفى رسالة حب لأبنائى الأعزاء أذكر قول الله عز وجل فى كتابه الكريم «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» فأنتم يا أبنائى زينة هذه الدنيا وزينة والديكم الذى أنعم الله عليهم بقدومكم هذه الدنيا.. ولو سألت يابنى من حولك ممن يعرفون والديك عن حياتهم قبل مجيئك الدنيا لقالوا لك أنهم كانوا يعيشون على أمل أن يمن الله عليهم بالذرية الصالحة التى تنير حياتهم ويجب عليك أن تسأل والديك عن مشاعرهم يوم ولادتك ؟ فسوف تدهش من الذى تسمعه! وكيف احتفلوا بك وسعدوا بقدومك فهو بحق يوم سعيد لا ينساه الوالدين.
و إذا نظرت حولك جيداً ولو طوفت هذا العالم الكبير لن تجد أشخاص أكثر منهم حبا لك ولسعادتك فهم الوحيدان اللذان على استعداد للتضحية بحياتهم من أجلك وأجل سلامتك ومستقبلك فلا تشكك فى محبتهم لأنهم عندما ينهروك أو يوبخوك أو يوجهان النقد لك على أمر قد فعلته فهو من باب خوفهم على مصلحتك وحُبا فيك لا كُرها ولا انتقاما منك.
كما لو فكرت قليلاً سوف تجدهم مشغولين عنك بك بمعنى إنهم لا يخرجون إلى أعمالهم ولا يغيبون عنك إلا لتأمين حياة كريمة لك ولأخوتك وليقدروا على تلبية طلباتك ورغباتك التى لا نهاية لها ولكنهم فقط يرفضون الاستجابة الى الطلبات المبالغ فيها والتى قد تضرك من وجهه نظرهم بحكم أنهم أكثر خبرة منك فى الحياة.
ومما لاشك فيه أن الأباء يثقون بأبناءهم ولكنهم يخافون عليهم من كل شيء، من باب حرصهم عليك ومحبتهم الغامرة فلا ترفض هذه المحبة المقدمة لك دون مقابل وتفهم موقفهم وحاول أن تقنعهم بهدوء بعيداً عن الصراخ والضجيج. وتذكر أنهم يوما ما علموك كيف تمشى رغم تعثر قدميك الصغيرتين على الارض لذا سيمنحونك الثقة الكاملة التى تنتظرها فى الأوقات التى سيتأكدون فيها إنك قادر على إدارة تصرفاتك بحكمة واتزان.
إن نظرة النضج والكبر من الأباء لأبناءهم سوف تظهر بلا شك بمرور الأيام بمجرد أن تثبت لهم من خلال تصرفاتك العقلانية وأسلوبك الهادىء الرزين، فقط امنحهم الوقت وامنح لنفسك بعض الوقت لتثبت لهم أنك جدير بهذه النظرة وسوف تحصل يوماً ما قريباً على كل ماتريده، فكلما كانت تصرفاتك منضبطة وكنت حريصاً على طاعتهم والوثوق بهم كلما نضجت أكثر وحققت التوازن الذى يرغب فيه الجميع.