تمثال نفرتيتي في إحدى مدن مصر
هل النحت المصري في نكسة؟.. «التماثيل المشوهة نموذجا»
عندما ذهب النحات المصري محمود مختار، صاحب تمثال «نهضة مصر» الشهير، إلى إيطاليا لتعلم فن النحت، تعجب أستاذه، وقال له: «كيف تأتي هنا لتدرس النحت وأنتم المصريون من علمتم العالم معنى النحت من خلال التماثيل الفرعونية التي جعلت الجميع عندما يشاهدها يرفع القبعة تقديرًا لجمالها».
الرواية سالفة الذكر قصّها لنا المستشار الإعلامي السابق لوزارة الثقافة والفنان التشكيلي محمود بغدادي. يأتي ذلك في وقت نشهد فيه ظهور تماثيل «قبيحة الشكل» في عدة ميادين مصرية، ما يدفع للتساؤل هل تدهور فن النحت في مصر؟ أم لدينا فنانين بارعين وهناك شيء آخر حال دون ظهور أعمالهم وأظهر أعمالا أخرى لهواة؟
البداية
من خلال رصد سريع للتماثيل المشوهة خلال الآونة الأخيرة، وجدنا أن معظم التماثيل المثيرة للجدل كتمثال عباس محمود العقاد، ونفرتيتي، وغيرها من التماثيل، لم تكن في القاهرة العاصمة، وإنما كانت في محافظات أخرى، فهل هذا يعني شيء؟
المحليات
يرى الفنان التشكيلي محمود بغدادي، أن «التماثيل المشوهة سببها المجالس المحلية في المحافظات التي تأخذ قرار تصميم التماثيل بمفردها وتكلف أشخاص ليس لديهم أي خبرة فنية بنحتها»، وهو ما لا يحدث في القاهرة.
ويضيف بغدادي «المحليات لا تأخذ رأي المختصين في وزارة الثقافة أو الأثار أو قطاع الفنون التشكيلية أو حتى رأي جهاز التنسيق الحضاري الذي يعتبر رأيه حاليًا استشاري إلى حين صدور قانون في مجلس النواب يجعل رأيه إلزاميًا».
إهدار
بخلاف «الشكل القبيح» للتماثيل التي ظهرت مؤخرا، فإنها تتسبب في إهدار للمال العام، حيث يتم تحطيمها بعد الانتقادات التي توجه للمسئولين بسببها. على سبيل المثال، تكلف أحد تلك التماثيل المشوهة 250 ألف جنيه وفقا لما نشر في صحيفة «الجارديان» البريطانية، وكان مآل التمثال هو التحطيم.
رئيس قطاع الآثار المصرية الدكتور محمود عفيفي، يرى أن التماثيل التي ظهرت مؤخرا في كثير من المحافظات «تشوه الميادين وليست على مستوى الحدث والبلد».
وأشار عفيفي إلى واقعة وضع فيها تمثال يخص الملكة نفرتيتي، التي تعد واحدة من أجمل وأقوى النساء في مصر القديمة، وتمت إزالته بعد وضعه بأيام قليلة، حيث قال «تم وضع تمثال نفرتيتي في مدينة سمالوط بمحافظة المنيا، دون الرجوع لوزارة الآثار، فقمت في نفس اليوم بالاتصال بمدير عام منطقة مصر الوسطى الذي تحدث للمحافظ لإزالة التمثال».
بالفعل، قررت وزارة الثقافة إزالة التمثال المشوه لرأس الملكة نفرتيتي، ووضع آخر بمقاييس فن النحت الفرعوني، وذلك استجابة لحملة استنكار واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي للتمثال المشوه. ولم يتسنى لـ«شبابيك» معرفة تكلفة التمثال الذي كانت نهايته الإزالة.
قرار ولكن
بعد تكرار أزمة التماثيل مشوهة، قررت الحكومة في سبتمبر الماضي حظر وضع تماثيل أو منحوتات جديدة أو ترميم أخرى قائمة، إلا بعد الرجوع لوزارتي الثقافة والآثار.
ولكن هل منع هذا القرار من ظهور تماثيل مشوهة وقبيحة في الميادين المصرية؟
إجابة هذا السؤال هي «لا»، وفق الفنان التشكيلي محمود بغدادي، حيث وضع في نهاية سبتمبر الماضي بعد أسبايع قليلة من القرار سالف الذكر، تمثال للدكتور أحمد زويل في ميدان حمل اسمه، بمدخل مدينة كفر الشيخ من ناحية موطنه الأصلى دسوق.
وكان تمثال العالم الراحل أحمد زويل «مشوه» في وجهة نظر كثيرين أيضا هاجموا على صفحات التواصل الاجتماعي المسؤولين بالمحافظة، هو ما يدفعنا لمحاولة معرفة ما يجرى في المحافظات.
هل هناك نماذج يمكن اللجوء إليها؟
أشار رئيس قطاع الأثار المصرية الدكتور محمود عفيفي إلى أن «وزارة الاثار لديها وحدة تنتج النماذج الأثرية، فإذا أراد أحد وضع تمثال أثري عليه أن يرجع لتلك النماذج ويستعين بها».
في المحافظة
لمعرفة كيف تدار الأمور في المحافظات، حوالنا تتبع آخر الأزمات وهي أزمة تمثال أحمد زويل في محافظة كفر الشيخ.
يقول وسام أمين، مراسل صحفي في محافظة كفر الشيخ، إن مساعد المحافظة سمير غباشي، أراد أن يصمم تمثالا يكرم من خلاله «زويل» وخصص جزءا من ميزانية المحافظة لتصميم التمثال.
ويرى أمين أن «هذا الأمر لا يستدعي أن نلجأ لوزارة الثقافة أو الآثار ونطلب ميزانية لتصميم التمثال تأخذ إجراءات روتينية طويلة وذلك لأن الميزانية كانت متاحة لدينا».
بالنسبة لأهالي كفر الشيخ تمثال أحمد زويل «جميل» وفق ما يقول وسام أمين، الذي يشير إلى أن التمثال تم تصميمه تحت إشراف جهاز التنسيق الحضاري بالمحافظة.
وعندما سألنا البغدادي عن رأيه في التمثال، قال إنه لم يره على الطبيعة لذلك لا يستطيع أن يصدر أحكامًا عليه، ولكن ما سمعه من آراء الناس يدل على أنهم مستاءون من ذلك التصميم.
السيد عبده
حاول «شبابيك» التواصل مع الدكتور السيد عبده عميد كلية التربية النوعية السابق بكفر الشيخ، والذي صمم تمثال «زويل» إلا أنه تعذر الوصول إليه. ولكن وفق تقارير صحفية أشار عبده إلى أنه انتهى من عمل ثلاثة تماثيل للراحل أحمد زويل، الأول وهو محل الجدل حاليا تم وضعه بميدان زويل بكفر الشيخ.
أما الثانى سيتم وضعه بميدان زويل بدسوق خلال الأيام المقبلة، والثالث تمثال ليس كاملاً سيتم وضعه بمدرسة أحمد زويل للمتفوقين بكفر الشيخ، وجميع التماثيل على شكل واحد بالتشريفة يوم الاحتفال بفوز زويل بجائزة نوبل.
إلى أين المنتهى
تمثال أحمد زويل الذي وضع في الميدان الذي حمل اسمه، بلغت تكلفة تصميمه 30 ألف جنيه، وفق ما ذكر لنا وسام أمين، مراسل صحفي في محافظة كفر الشيخ، هل سينتهي الحال به إلى الحال إلى التحطيم كالتماثيل التي حُطمت مؤخرا، أم سيصمد رغم أنف الناقدين!