مصدر الصورة: camandpartners
النكتة عالم بحاله.. ضحك وجنس وتاريخ
النكتة عالم سحري فيه الضحك والانبساط والعلاج أيضا. والنكتة في مصر لها مصادر وأنواع وتاريخ. وفي هذا الموضوع من «شبابيك» ستتعرف على العلاج بالضحك، والنكت الجنسية والسياسية والاجتماعية، وحاجات كثيرة وتفاصيل عن النكتة ربما لم تعرف عنها من قبل :)
تشير الدراسات إلى أن اللضحك الناتج عن سماع نكتة يخفف الألم بعد أن ينتج الجسم هرمونات الإندروفين التي تقتل الألم، كما أن النكت المضحكة تحسّن من جهاز المناعة في جسم الإنسان».
مصدر النكتة
معظمنا يقول النكتة ولا يعرف مصدرها ولكن الشاعر والباحث في التراث الشعبي مسعود شومان يدلنا على مصدر النكتة، ويقول إن «النكتة مصادرها متعددة فهناك نكت مستقاة من حكايات تراثية، وأيضًا هناك مواقف حياتية نخرج منها بنكتة، كما أن المفارقات اللغوية نصنع منها نكتة أيضًا».
وبخصوص المفارقات اللغوية يعطي «شومان» مثالا للتوضيح ويقول إن «كلمة شرم الشيخ إذا وضعنا مثلًا بينها كلمة لا مؤاخذة وأصبحت: شرم لا مؤاخذة الشيخ، فهذه تعتبر مفارقة كوميدية لغوية تثير الضحك حينما توضع داخل إطار نكتة».
أنواع النكت لا حصر لها
«أنواع النكت كثيرة»، وفق «شومان»، فهناك على سبيل المثال لا الحصر نكت سياسية، واجتماعية، وجنسية، واقتصادية، ودينية قائمة على السخرية من الجهل بالدين، وساخرة تقوم على السخرية من نوع على حساب نوع آخر وتلك النكت التي تظهر إنها عنصرية لكن في باطنها نجد غرضها السخرية ليس إلا. وهناك أيضًا النكت اللغزية اللتي تعتبر نوعا جديدا من النكتة يجمع بين اللغز وإثارة الضحك وفي نفس الوقت عدم التوقع.
ويوضح «شومان» أمثلة على النكتة اللغزية ويقول إذا قلنا مثلًا:
«ليه النملة بتقعد على التل وهي بتذاكر؟»
ستكون الإجابة:
«عشان بتحضر دراسات عليا»
وهناك نكتة أخرى لغزية تقول:
«خروف عايزين نحطه على 3 مرات في التلاجة هنعمل إيه؟»
والإجابة:
«هنفتح التلاجة ونحط الخروف ونقفل التلاجة تاني»، وتلك ستكون الـ3 مراحل.
وهناك أيضًا النكتة اللفظية فعلى سبيل المثال «ليه بنحط على الشاي لبن؟»، الإجابة «عشان التفل يرضع» وسنلاحظ هنا أن «تفل» هي في الأصل «طفل» وتم التغيير في معنى اللفظ لإثارة الضحك.
موقف مؤقت أو تداول دائم
وجميع النكت تقال إما نتيجة لموقف ما مؤقت أو أنها نكت تظل موجودة نتداولها على مر العصور. وعلى سبيل المثال هناك نكتة ظلت تقال من أيام الملك فاروق إلى أيام حسني مبارك بها سخرية من رمز السلطة.
وتقول:
«مرة واحد بورسعيدي قال لأصحابه على القهوة إن الريس لما هيعدي من هنا هيسلم عليا فالناس استغربت إزاي هيسلم عليه يعني. فراح للريس وقاله وإنت جاي شاورلي من بعيد وقولي إزيك يا أبو العربي. فالريس عدى وقاله إزيك يا أبو العربي فراح البورسعيدي قاله بغرور شديد إنت هتصاحبني ولا إيه».
كسر التابوه
يرى شومان إن النكتة كسرت التابوهات المحظور الحديث فيها كتابوه الجنس والسياسة فأصبح الجميع يستخدم النكتة كقناع للتعبير عن رأيه.
وهذا يظهر في النكت التي كانت متعلقة بشخصية «جحا» فكان رمزا يعبر من خلاله الشخص الذي يسرد النكتة عن رأيه حتى لا يتعرض للمسألة إذا تحدث عن رأيه مباشرة. فيقول «مرة جحا» بدلًا من أن يقول «قام فلان الفلاني» فكان يستخدم «جحا» كقناع للتخفي.
تأريخ الواقع
وبجانب كسر النكتة للتابوهات فهي أيضًا قامت بتأريخ واقع المجتمع من خلال توثيق اللحظات التي تعيشها الشعوب فمثلًا النكت التي توجد في كتاب «الحمقى والمغفلين»، وكتاب «البخلاء» للجاحظ تطلعنا على الواقع الذي كان يعيشه العرب في زمن ما وهناك نكت تقال على حكم مثل قراقوش تعرفنا من خلاله على حكمه.
وهناك أيضًا نكت متعلقة بالزلازل، والبلدان، وغيرها من الأشياء التي تؤرخ مايحدث في المجتمع. ويقول وكيل كلية الآداب بجامعة عين شمس وأستاذ التاريخ طارق منصور إن «صورة الأدب هي أقرب ما تكون للواقع وبما أن النكتة مصدر من المصادر الأدبية فهي تعبر عن الواقع في مجالاته المختلفة سواء الاقتصادية، أو السياسية، أو الاجتماعية.
ويتابع «منصور»: «إذا نظرنا إلى تاريخنا الإسلامي سنجد أن هناك العديد من النكات التي كانت تطلق على الأحداث والسلاطين وخاصة في العصر الأيوبي والمملوكي مرورًا بالعصر العثماني».
ويتفق أستاذ التاريخ مع «شومان» في نقطة قناع «جحا» ويقول إن جحا «هو رمز أدبي أسطوري تم استخدامه في نكات كثيرة حتى لا يتم التصريح عن الشخص المقصود بصورة مباشرة حتى لا يتعرض قائل النكتة للمسألة القانونية».
«حلوة يا بت الرجالة».. هكذا تغزلت أغاني الخطوبة في المرأة الصعيدية
تأثير الكوميكس على النكتة
الكوميكس على السوشيال ميديا تشترك مع النكتة في كونها تتناول موقف فكاهي، ولكن هل أثرّت على النكتة؟
يقول «شومان» إن «الكوميكس لم تستطع سحب البساط من تحت النكتة، لأن النكتة لازالت موجودة على أرض الواقع ومحتفظة برونقها الخاص المختلف عن الكوميكس الذي يقتصر على مجرد صورة على السوشيال ميديا».
ويوضح أن النكتة تقوم على الأداء الدرامي والحركي والتلوين الصوتي فكأن الذي يقولها يقف على خشبة المسرح ويمثل مشهدا، كما أن الذي يتلقى النكتة يشارك فيها أيضًا بنكتة أخرى استوحاها من النكتة التي قيلت ونجد في النهاية مجموعة من النكات تقال والجميع يضحك، وذلك على عكس الكوميكس، فالمتلقي فيها سلبي وليس مشارك بفاعلية مثل مؤدي النكتة.
لكن «منصور» له رأي آخر، ويقول إن «الكوميكس على السوشيال ميديا ساعدت في انتشار النكتة وزيادة كثافتها وأصبحت تثير الضحك في نفوس مئات الآلاف من الأشخاص وليس الأمر مقتصرًا على مجموعة صغيرة يقال فيها النكات».
ويرى «شومان» أن الإيفيه يشبه النكتة، ويقول إن الإيفيه «عبارة عن جملة واحدة تقال وليست قائمة على فكرة السرد مثل النكتة وبالتالي هناك اختلاف بينهما».
صعوبة تدوين النكتة
والشاعر والباحث في التراث الشعبي أن النكتة سهل أن يتم دراسة الظروف التي وجدت فيها لكن من الصعب تدوينها لأنها تحتاج شرح للسياق والأداء الخاص بها، وإذا تم شرح النكتة بهذا التفصيل فقدت إثارتها للضحك.
فهناك مثلًا نكتة تقول:
«مرة واحد سوداني كان سكير وربنا تاب عليه فراح مرة الجامع وطلع يخطب.
وقال:
بص يا ذول الزنا هرام
والربا هرام
والكذب هرام
أما شرب الويسكي المسجع اللذيذ هرام»
والنكتة تدل على إنه برغم توبته إلا إنه لازال يشتاق إلى الشرب. وتلك النكتة صعب أن يتم تدوينها لأنها تحتاج أن تروى حتى تثير الضحك في نفوس الناس. والضحك سوف يكون نتيجة الأداء الدرامي والحركي وتغيير نبرة الصوت الذي يقوم بها قائل النكتة.
هل لازلنا شعب ابن نكتة؟
وبعد أن مررنا سريعًا على كل ما يخص النكتة وتحدثنا عن أهميتها يبقى سؤال واحد وهو «هل لازلنا شعب ابن نكتة؟» ويجيب «شومان» بنعم، ويقول «لازلنا شعب يستطيع أن يخرج من قلب الهم نكتة لذا سنظل شعب ابن نكتة».