حكاية شجرة الكريسماس.. أسطورة قبل «المسيحية» لها أصل مصري
في شهر ديسمبر، نودع عاما جديدا ونستقبل آخر؛ وتطل شجرة رأس السنة بزينتها وأضوائها الباهرة كأبرز علامات الاحتفال بالعام الجديد، ولكن ما هي حكاية شجرة الكريسماس؟ «شبابيك» يحكي لك بالتفصيل في هذا التقرير.
الشعوب الأوروبية القديمة كانت أول من قدم للعالم شجرة الكريسماس بهذا الشكل. لكن شجرة الكريسماس نفسها أقدم من أن ترتبط بالديانة المسيحية أو حتى بالشعوب الأوروبية وحدها؛ فلطالما كانت «الشجرة» رمزا للحياة الأبدية في الديانات القديمة.
العالم خلق من شجرة
شعوب مثل الشعوب الأوروبية القديمة وبالأخص القبائل الاسكندنافية التي عاشت وسط الثلوج مع قليل من ضوء الشمس، وقليل من النباتات، وكثير من الصقيع؛ كانت الأشجار دائمة الخضرة عندها رمزا للقوة والصمود والحياة الأبدية.
عبدت هذه الشعوب آلهة كُثر مرتبطة ببيئتها وطبيعة حياتها، كعادة الشعوب القديمة التي تتخذ آلهتها من القوى الكونية المحيطة بها؛ فهؤلاء يعبدون النجوم، وهؤلاء يعبدون السماء، وهؤلاء يعبدون الشمس، وهؤلاء يعبدون القمر.
وعند القبائل الاسكندنافية التي تعيش الآن في بلاد مثل النرويج والدنمارك والسويد وآيسلاندا؛ كانت طقوس العبادة الرئيسية يحظى به الإله «ثور» إله الرعد والصواعق رمز القوة المطلقة.
كان «ثور» هو ابن الإله «أودين»، وهو كبير الآلهة فهو إله الحكمة والحرب والمعركة والموت وإله الشعر والنصر والصيد.
الأسطورة النرويجية تقول إن «أودين» ظل معلقا في شجرة 9 أيام كاملة قبل أن يخلق العالم.
وتقول الأسطورة أيضا إن جميع البشر ينحدرون من شجرة «آش..Ach» التي خلق منها أول رجل، وشجرة «إلم.. Elm» التي خلقت منها الأنثى الأولى؛ وتزوج هذا الرجل والمرأة لينجبا السلالة البشرية بعد ذلك؛ وفقا لموقع «Ancient-Origins» المختص في الأساطير القديمة.
لكن «ثور» ابن الإله «أودين» كان دائما الأقرب إلى النفوس؛ لقد ورث من أبيه القوة والبطش، لكنه كان دائما حنونا وعطوفا مع البشر. وأخذ «ثور» من أبيه الشجرة رمزا له، وكانت تقدم له الذبائح والقرابين تحت الأشجار.
لم تكن الشجرة رمزا غيبيا يصعب على الناس فهمه، كانت رمزا حيا للقوة والصلابة والحياة الأبدية التي ترمز للآلهة.
يقول الكاتب والشاعر السويدي آرثر لوند كيفست: «أؤمن أن كل إنسان بداخله شجرة، وكل شجرة بداخلها إنسان.. الغابات تعمل في صمت مع الرياح، تنظف الهواء وتحافظ على توازن الجو وتحافظ على التربة وتمد الإنسان بكل عناصر الحياة».
سنهدي «سول» شجرة
إله آخر ارتبط بالإله «ثور» عند الشعوب الأوروبية القديمة وهو إله الشمس «سول».
ففي الانقلاب الشتوي من كل عام في 21 ديمسبر، وهو اليوم الذي تبدأ الشمس فيه بالمغيب لوقت أطول ليصبح النهار أقصر كثيرا من الليل. وعند شعوب كان ظهور الشمس لديها عزيزا جدا؛ وكانوا يعتقدون أن الانقلاب الشتوي يعني أن الإله «سول» مريض ويحتاج للعناية حتى يبعث من جديد في الاعتدال الربيعي.
قدمت القبائل الأوروبية الأضحية للإله «ثور»، واتخذت من أغصان الأشجار زينة لها في البيوت كمساعدة منهم للإله الشمس على النهوض من جديد، وكرمز لأن الحياة الأبدية ستقهر هذا الشتاء القارس؛ وفقا لموقع « Why Christmas».
واتخذت القبائل الأوروبية من الأشجار دائمة الخضرة رمزا للآلهة؛ فالغابات الأوروبية الثلجية عرفت أنواعا مختلفة من الأشجار شديدة الصلابة ودائمة الخصرة في الوقت نفسه، ولا تسقطها أعتى الرياح أو يذبل أوراقها الشتاء. كانت شجرة الصنوبر والكرز إحدى هذه الأشجار التي تتحمل درجة حرارة تصل إلى 20 درجة تحت الصفر.
يقول الباحث السوري في تاريخ الأديان فراس السواح، في كتابه «لغز عشتار» إن: «في أوروبا كانت عبادة الشجرة من العبادات الرئيسية عند الفتح الروماني لها. وإلى يومنا هذا ما زال أهل الريف في أوروبا يقومون بشعائر مماثلة؛ ففي أول أيام شهر مايو يقام في كثير من المناطق الريفية احتفالا يبدؤه الفلاحون بالتوجه إلى الغابة فيقطعون شجرة في الساحة ويحتفلون بها، ويأخذون بعض أغصانها إلى بيوتهم لاستمداد البركة من روح الشجرة».
شجرة ثور والمسيح
من الشعوب الاسكندنافية انتقلت عبادة «ثور» إلى الشعوب الجرمانية في ألمانيا وإنجلترا حتى العام 723 بعد الميلاد، عندما دخل التبشير المسيحي لأوروبا.
كان وينفريد بونيفاسيوس من أوائل المبشرين بالديانة المسيحية في أوروبا، لكنه ارتكب شيئا دفع حياته ثمنا له، عندما قطع أشجار الصنوبر التي كانت تقدسها الشعوب الأوروبية وتقدم لها الأضحيات. قُتل «بونيفاسيوس» بعد 20 عاما على يد الوثنيين الغاضبين الذي رأوا أنه يدمر ديانتهم.
لم تكن شجرة الصنوبر كأي شجرة عند القبائل الأوروبية؛ كانت الشجرة مقدسة وشجرة الحياة وشجرة الإله «ثور».
لا أحد يعرف متى بالتحديد تحولت شجرة ثور إلى شجرة الكريسماس ومتى استخدمت للاحتفال بميلاد السيد المسيح؛ والمرجح أن هذا حدث في زمان بعيد جدا قبل ألف عام من الآن وبالتحديد في أوروبا الشمالية.
في موقع «الأنبا تكلا هيمانوت» رواية أخرى عن أشجار الكريسماس التي تزين قبل عيد الميلاد ببضعة أيام؛ فالمبشر المسيحي «بونيفاسيوس» وجد القبائل الأوروبية تقدم طفلا صغيرا كأضحية لشجرة الإله «ثور»؛ لكنه استطاع إنقاذ الطفل من أيديهم وقطع الشجرة وأخبرهم أنها «تمثل الطفل يسوع الذي يهب الحياة الأبدية».
وإذا كان لا يوجد إثبات على هذه الرواية التي يسردها الموقع أو الرواية الأولى؛ لكن جميع المواقع التي تسرد تاريخ شجرة الكريسماس تؤكد أن الأوروبيين استخدموها كطقس وثني ثم تغيرت دلالتها مع دخولهم المسيحية، وتحولت لرمز للحياة الأبدية التي يهبها الإيمان بالمسيحية.
وبداية من القرن الـ16 بعد الميلاد بدأت تظهر تدوينات كثيرة عن شجرة الكريسماس؛ منها ما كتبه المؤرخ «بالتزار روسو» عن شجرة صغيرة أقيمت في ساحة السوق بمدينة ريجا في لاتيفيا، والتف حولها شباب وفتيات صغار يغنون ويرقصون ثم زينوها بالشموع.
وعندما جاء القرن الـ18، كانت شجرة الكريسماس المزينة بالشموع تسجل بوضوح في الأعمال الفنية.
إحدى هذه اللوحات رسمها الفنان الدنماركي فيجو جوهانسون عام 1901 لعائلة ترقص حول شجرة الكريسماس المزينة بالألوان والأضواء.
تزيين الشجرة
أقاويل كثيرة تعددت في تفسير الزينة والأضواء التي تضاف لشجرة الميلاد؛ المواقع التي تؤرخ للديانة القديمة للقبائل الاسكندنافية والجرمانية تقول إن هذه الأضواء والكرات الملونة تشير إلى الشمس والنجوم والكواكب. ويعززون هذا التفسير بأن الاحتفال بالشجرة يأتي في الانقلاب الشتوي الذي تنزوي فيه الشمس بعيدا.
وفي الديانة المسيحية تأخذ هذه الزينة رموزا أخرى؛ فالنجمة التي في أعلى الشجرة تشير للنجمة التي سقطعت بقوة فوق موضع ميلاد السيد المسيح وأرشدت مجموعة المجوس إلى مكانه، وكانوا قد جاءوا من المشرق ليشهدوا ولادته. أما الأضواء أو الشموع فهي تشير للنور الإلهي.
جاء في إنجيل متى الإصحاح الثاني: «فلما رأوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا، وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له».
لكل ديانة شجرة
كانت القبائل الأوروبية هي أبرز الشعوب التي عرفت عبادة الشجر بشكل أساسي. لكن بالرجوع لغيرها من الشعوب سنجد أن تقديس الشجرة أو فكرة شجرة الحياة كانت معتقدا شائعا في ديانات العالم القديم.
شجرة الحياة في التوراة
كانت وصية الله لآدم وحواء ألا يأكلا من الشجرة المحرمة، بعد أن خلق الله جنة عدن وأنبت فيها من كل شجرة شهية للنظر وجعل شجرة الحياة في وسطها.
جاء في سفر التكوين من العهد القديم: « وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ».
كان المصير الذي ينتظرهما إذا أكلا منها هو الموت، لكن الحية التي ترمز لإبليس أغوتهما بالأكل لهما قائلة: « لَنْ تَمُوتَا! بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ».
لكن آدم وحواء أكلا من الشجرة وكان مصيرهما الطرد من الجنة. وجاء في سفر التكوين على لسان الرب:« هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ».
شجرة عشتار
عند البابليين والكنعانيين تتخذ الإلهة عشتار أو عشتاروت أوصافا متعددة؛ فهي إله الخصوبة والحب، وإلهة العالم السفلي، ومرة أخرى تصير إلهة الحرب؛ بيد تهب الحياة لأهل الأرض وبيد أخرى تدمر وتقتل؛ تتخذ أشكالا ومسميات مختلفة، ومن هذه الرموز الهامة التي اتخذتها عشتار هي الشجرة.
مرة أخرى يقول فراس السواح: «كانت الشجرة في الاعتقاد القديم تمثل روح الخصوبة. وكان جذع الشجرة ينصب في محراب الأم الكبرى «الإلهة الكبرى» عشتاروت وتقدم له فروض العبادة باعتباره تجسيدا لإلهة الطبيعة».
شجرة أوزوريس
أسطورة إيزيس وأوزوريس اتخذت روايات مختلفة على مر التاريخ المصري القديم؛ وفي الرواية التي يحكيها المؤرخ والفيلسوف اليونان بلوتارخ؛ فإن إله الشر «ست» قد قتل أخوه أوزوريس ووضعه في تابوت وألقاه في نهر النيل، حتى استقر التابوت في مدينة جُبيل اللبنانية، وعلى شاطئ المدينة نمت شجرة في المكان الذي استقرت فيه التابوت، وكان على إيزيس أن تبحر حتى لبنان لتسطيع إعادة زوجها للحياة وتنجب منه ابنهما حورس الذي انتصر على «ست» وانتقم لأبيه أوزوريس.
لكن هذه الرواية يضعفها الباحثون في التاريخ المصري ويقولون أنها أضيفت للأسطورة في عصر الدولة الحديثة.
وسواء صحت أو ضعفت هذه الرواية لكن أوزوريس كان دائما رمز للحياة الأبدية وإلها للبعث بعد الموت والحساب عند المصريين القدماء؛ وأيضا كان إله الزراعة ويرمى إليه بسنابل القمح؛ فالزراعة عند المصري القديم كانت رمزا آخر للحياة من جديد بعد الموت.