الشعر في السينما.. حتى كبار الشعراء لم يسلموا، وهذه النتيجة

الشعر في السينما.. حتى كبار الشعراء لم يسلموا، وهذه النتيجة

قدمت السينما المصرية نماذج سخرت من الأدب بصفة عامة، وخاصة الشعر، في العديد من الأفلام، سواء كانت السخرية نوع من أنواع التهكم على أعمال كبار الشعراء، أو كانت نابعة من قصائد جديدة وليدة السيناريو المكتوب.

خلف الدهشوري خلف

ظهر الفنان محمد هنيدي (خلف الدهشوري) وهو يلقي الشعر في مشهد ساخر من فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية»، الذي عرض عام 1998، قال فيها:

عرفت وفاق.. حبيت وفاق

وفاق.. وفاق

وراحت وفاق

وعرفت ست الحتة.. حبيت ست الحتة

ست الحتة.. ست الحتة

وراحت ست الحتة

الشوق الشوق

وفي مشهد من فيلم في فيلم «اللمبي»، الذي عرض عام 2002، قدم الفنان محمد سعد (اللمبي) قصيدة شعرية بطريقة هزلية تحتوي على كلمات متتابعة دون منطق.

عاطفية دي يا جابر؟

وسخر الفنان محمد هنيدي في فيلم «عسكر في المعسكر» الذي عرض عام 2003، ممن يتوهمون امتلاكهم مواهب في كتابة الشعر، وذلك في مشهد ألقى فيه الفنان سليمان عيد قصيدة شعر مليئة بالشتائم.

عايزني أقول للباشا «أفقأ عينيك؟!»

وفي فيلم «السفارة في العمارة» من إنتاج عام 2005، أشار الفنان أحمد صيام، والذي كان يجسد شخصية الصحفي، إلى قصيدة «لا تصالح» للشاعر الكبير أمل دنقل، حين قال:

أترى حين أفقأ عينيك

ثم أثبت جوهرتين مكانهما

هل ترى؟

هي أشياء لا تشترى

وهنا أكد الزعيم عادل إمام أو (شريف خيري) إلى أن تلك الكلمات ليست عملية لحل المشاكل الحياتية، قائلا «عايزني أقول للباشا: أفقأ عينيك؟!.. الراجل ده عايز يودينا في داهية؟!»

الحلزونة 

كما اتخذ الزعيم عادل إمام كذلك من قصيدة «الحلزونة» للشاعر الكبير فؤاد حداد كذلك وسيلة للتهكم والإضحاك، وذلك حين سخر منها في مشهد شهير من فيلم «مرجان أحمد مرجان» الذي عرض عام 2007.

يااااه

وكذلك ظهرت شخصية شاعر الإسكندرية بطريقة هزلية في فيلم «أمير البحار»، من إنتاج عام 2009، وتجلى ذلك في المشهد الذي ألقى فيه الشاعر قصيدة شعر تحمل عنوان «ياه»، قال فيها:

ياه

لما يبقى الموت ساعات..

طعمه أحلى من الحياة

ياه

يا مدام كوثر

كما أطل الفنان إبراهيم نصر مجسدا شخصية «عزمي» الذي يهتم بشعر الرثاء في فيلم «إكس لارج» من إنتاج عام 2011، وكان أشهر ما قاله بالفيلم قصيدة «يا مدام كوثر»، التي يقول فيها:

يا مدام كوثر.. يا مدام كوثر..

أنا متعكنن.. أنا متحسر

جاي بعزي بنتك سامية

يا أحسن واحدة بتعمل بامية

مين في المكتب مش متأثر؟

ماعونتش

وجسدت الفنانة منى زكي في فيلم «من 30 سنة» الذي عرض عام 2016 شخصية «حنان البغدادي» شاعرة الإسكندرية؛ حيث ظهرت في مشهد ساخرة من هؤلاء الذي يعطوا أنفسهم ألقاب «شعراء»، بينما هم في الواقع لا يستحقونها على الإطلاق، فألقت شعر يحمل في فحواه كلمات سطحية، قائلة:

ماعونتش أصدق..

ماعونتش أحبك..

سأبعد عنك..

سأبعد بعيدا..

سأمسح دموعي..

وهالبس مدندنش..

تأثير السينما على تذوق الشعر

يرى أحمد الصغير، ناقد أدبي، أن تأثير السينما كان بالسلب على قدرة الجمهور على تذوق الشعر والإقبال عليه، وذلك لأنها لم تقدم صورة ناضجة تحترم المشاهد أو تصبح قدوة لاختياراته الأدبية، بل قدمت نماذج تسخر من الشعر بصفة عامة، وبالتالي تكوّن لدى المشاهد المصري أو العربي صورة نمطية كاذبة عن الشعر والشعراء.

ويوافقه في الرأي حسين حمودة، ناقد أدبي، الذي يرى أن السينما المصرية خلال تاريخها الطويل أشارت إلى عدد من الأدباء وإلى طريقة الكتابة الأدبية وأيضا إلى نماذج من المعلمين، بطريقة لا تخلو من السخرية أحيانا. وأعطى أمثلة على ذلك، أبرزها شخصية الأستاذ «حمام» في فيلم «غزل البنات» الذي عرض عام 1949، والمدرس «بيومي مرجان» أو «شرفنطح» في فيلم «سلامة في خير» من إنتاج عام 1937، والمدرس «محمد هنيدي» في فيلم «رمضان مبروك أبو العلمين حمودة» من إنتاج عام 2008، و«محمد أفندي» في فيلم «الأرض» الذي عرض عام 1970، ومن خلال تلك الشخصية، أُشير إلى عبارات للأديب والشاعر مصطفى لطفي المنفلوطي تقول: «افترشنا الغبراء والتحسنا السماء»، ومشهد للفنان سليمان عيد يلقي قصيدة شعر فيه بفيلم «عسكر في المعسكر».

ويرى «حمودة» أنه في كل هذه الأعمال السينمائية، ربما تظهر لمحة من لمحات السخرية تجاه بعض المعلمين، أو تجاه اللغة التي يكتب بها الأدب، وتنبع هذه السخرية أحيانا من أن اللغة العربية تبدو غير مفهومة، أو يبدو الأدب المكتوب بها بعيدا عن الحياة اليومية البسيطة. وبالرغم من ذلك، يصعب تصور أن السينما قد أثرت بالإيجاب أو بالسلب على حركة الأدب الراهنة ولا على ما يكتبه الأدباء، لأن السينما كانت في هذه الأمثلة كلها تعبر عن بعض الأوضاع الخاصة بالمدرسين أو الخاصة باللغة التي يستخدمها بعض الكتاب والشعراء التقليديين بوجه عام.

ويقول خليل عز الدين، شاعر، إن صورة الشاعر في السينما ارتبطت بخاصية السخرية بصفة دائمة، وتعد أفلام الزعيم عادل إمام هي المثال الأشهر لذلك، بسبب تكرار تهكمه على قصائد الشعر وكبار الشعراء، مثلما ظهر في سخريته من قصيدة «الرسم بالكلمات» للشاعر السوري نزار قباني في فيلم «التجربة الدنماركية» الذي عرض عام 2003، ومن قصيدة «لا تصالح» للشاعر أمل دنقل في «السفارة في العمارة»، ومن قصيدة «الحلزونة» للشاعر فؤاد حداد في فيلم «مرجان أحمد مرجان».

ذلك بجانب أمثلة أخرى مثل تأدية الفنان محمود عزب لشخصية الشاعر بشكل هزلي في فيلم «ابن عز» الذي عرض عام 2001، وأيضا الفنان سليمان عيد في فيلم «عسكر في المعسكر»، والفنان محمود عبد المغني في فيلم «خالتي فرنسا» الذي عرض عام 2004؛ حيث جسد شخصية «رشيد» بشكل فيه استخفاف كبير من الشعر.

ويرجع «عز الدين» ذلك لعدة أسباب؛ أولها ضحالة فكر بعض كتاب السينما؛ ما يخلق بداخلهم نوع من أنواع العدوانية الفكرية تجاه الشعراء، وذلك لأنه من المعروف عن الشعر أنه نتاج إحساس عال وحرفية ضرورية لصياغة هذا الإحساس. أما السبب الثاني، كما يراه «عز الدين»، هو استعانة كتاب الكوميديا بالسجع في الكلمات الذي يدفع بدوره إلى الإضحاك.

بينما يعود السبب الثالث، في رأيه، إلى الأنظمة المصرية المتعاقبة التي كانت من مصلحتها السخرية من المثقفين والشعراء والاستهانة بهم، بهدف إبعاد الشعب عن الثقافة؛ ما يسهل من عملية ترويضه. بالإضافة إلى أن جمهور الشعر قليل جدا بالمقارنة بجمهور أي نوع أدبي أو فني آخر، موضحا أن النسبة الغالبية من الجمهور تبعد عن أي منتج يقدم لها في قالب شعري، أو على الأقل تجد حاجزا نفسيا بينها وبين ذلك المحتوى.

ومن ناحية أخرى، ذكر «عز الدين» مثال سينمائي أوحد تم إنصاف الشاعر فيه، وهو الدور الذي لعبه الفنان أشرف عبد الباقي في فيلم «أيس كريم في جليم» الذي عرض عام 1992، وقدم من خلاله شخصية «الشاعر» بشكل محترم ومثقف وثورى في أحد أجمل أدواره عن قصة محمد المنسي قنديل وحوار الشاعر د. مدحت العدل.

أشعار العامية الراهنة

ويشير عز الدين إلى أن تلك السخرية السينمائية من الشعر ليست لها علاقة بدواوين الشعر المتصدرة المشهد حاليا، والتي تعتمد بشكل أساسي على «الإفيهات» الكوميدية، وذلك لأنها مجرد موضة ستستغرق وقتها ثم تنتهي.

يؤكد الناقد الأدبي أحمد الصغير، أن كتابة شعر العامية المصرية ليست بسيطة، فهو يخاطب فئات مختلفة من المجتمع؛ بينها المهمشين والنخبة والمثقفين، ويناقش قضية تهم المجتمع من خلال قصائد هادفة.

كما يشير إلى أن شعر العامية حاليا  يعاني من حالة الاستسهال في كتابته، في ظل انعدام القيود المطلوبة التي تحد من انتشار تلك الظاهرة، والمتمثلة في غياب دور الناقد الأدبي في الوطن العربي بأكمله، وذلك لأن الكليات النظرية بالجامعات المصرية من آداب ولغات وترجمة ولغة عربية، لا تخرج النقاد والكوادر التي من دورها تشكيل بنية العقل المصري؛ الأمر الذي يؤدي بدوره إلى فقد الأدوات الأدبية والنقدية المطلوبة.

ذلك بجانب عدم تأدية دور النشر لدورها بالشكل المطلوب؛ ما ساعد على انتشار كتب للشعر بالعامية المصرية تبعد كل البعد عن ذلك التصنيف، موضحا أن للكتابة شروط فنية مخصصة بداية من طريقة العرض ووجود التشكيل الجمالي مع الحفاظ على الوزن والقافية التي لا تخل بالمعنى المراد تقديمه، وفق ما يرى الصغير.

ويقول «الصغير»: كذلك إن أغلب كتّاب شعر العامية من الشباب لم يقرأوا للأجيال السابقة أمثال عبد الرحمن الأبنودي ونزار قباني وأمل دنقل وفؤاد حداد وصلاح جاهين، ولم يهضموا أعمالهم الأدبية، وهي التي تعد المخزون الرئيسي للإلهام لكتاباتهم.

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.