جمعهم ممر الموت.. قصص تُخلد ضحايا «أحداث الدفاع الجوي»
بحماسة ولهفة المتشوقين، استقبلت جماهير نادي الزمالك أول تذكرة تشهد على عودتهم للمدرجات، بعد سنوات من الانقطاع. تذكرة بدأ حاملوها بالهتاف والأهازيج قبل أن يتحول العُرس إلى كابوس منذ أن وطأت أقدامهم ما سًمي بـ«ممر الموت».
التذكرة قادتهم إلى مثواهم الأخير، ولم تشفع لمن رفعوها في وجه طلقات الغاز ليأكدوا أنهم ما جاءوا معتدين.
منذ 3 سنوات وتحديدًا، في الثامن من فبراير عام 2015، تجمعت جماهير الزمالك في استاد الدفاع الجوي، لمشاهدة مباراة الزمالك وإنبي في الدوري المصري، وإذ بهم يتوافدون على ممر ضيق لا مخرج منها سوى أبواب موصدة، رفض الأمن فتحها بدعوى عدم وجود أماكن شاغرة، وفجأة ارتبك المشهد وسادت مشادات بين المشجعين وقوات الأمن عقب إشعال أحد الأفراد «شمروخ» أعقبه وابل من طلقات الغاز والخرطوش، بحسب ما رواه شهود العيان، ليخلف 20 قتيلاً.
في هذا التقرير يستذكر «شبابيك» بعض القصص التي تركها ضحايا أحداث الدفاع الجوي لتخلّد ذكراهم.
حلم لم يتحقق
الملقب بعبقرينو، الطالب بالفرقة الثالثة بالمعهد التكنولوجي للهندسة، أحمد مدحت، والذي حصل على تقدير إمتياز قبل وفاته بثلاثة أيام، كان ينتظر بفارغ الصبر إنهاء دراسته الجامعية للسفر لألمانيا والحصل على درجة الدكتوراة في الهندسة من هناك، قبل أن يتوقف به الزمن ويفارق الحياة حالمًا.
يحكي أحد المقربين منه عن سعيه لإسعاد الناس من خلال صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» كان مسئولاً عنها «كان ممكن يعمل أي حاجه علشان يخلي واحد يبتسم أو يضحك، فعمل صفحة سماها بطوط وقال إن الهدف منها لو واحد قرفان ولا تعبان من الدنيا يمكن لما يشوف صورة ولا كلمة تضحكه يخف همه شوية».
استعجلت الموت
بعد رحلة من طنطا للقاهرة سبقت المباراة بيوم، تنام بشقة عمتها لتستيقظ باكرًا وبشغف الأطفال ألحّت الضحية الأصغر للأحداث، هالة الحبيشي، على عمتها وإخوتها أن تكون أول من يذهب للاستاد منذ السابعة صباحًا، رغم أن المباراة ستبدأ في ساعة متأخرة، وبعد أن اقنعوها، أخذت ابنة الـ14 عام تستعد لتلقى مصير الجثة الملقاة بجانب الرصيف بنهاية اليوم.
تحكي الأخت الأكبر للطفلة المحبة للزمالك، التي لم تترك بغرفتها مكانًا إلا وكتبت فيه عبارات تشهد على عشقها لناديها، عن لحظات السعادة التي عاشتها أختها الصغري وهي ممسكة بيدها قبل أن تتفرقا بعد أول قنبلة غاز وقعت بالقرب منهم، لتكون شاهدة على آخر بسمة في حكاية انتهت على صوت الطبيب الذي خرج في اليوم التالي ليخبر أهلها بخبر وفاتها قائلاً: «استعوضوها عند ربنا».
آخر الكون
احتفاءً بتصريح اللقاء بمعشوقه قريبًا، نشر المهندس بإحدى الشركات الخاصة، إسلام عماد، والذى راح ضحية الأحداث، صورة لتذكرته التي كان من المقرر أن يدخل بها الاستاد، كتب عليها جملة اقتبسها من إحدى أغنيات ألتراس الزمالك «زمالك.. معاه لآخر الكون»، وأبي أن يستكمل المقطوعة والتي أضافها أحد أصدقائه بعد وفاته «علشانه العمر يهون»، وكأنه أحس أن عمره سينتهي فداءً لناديه.
تدوينة ما قبل الموت
عقارب الساعة تتحرك ببطء في انتظار السابعة والنصف لرؤية الفارس الأبيض - نادي الزمالك - لكن هذه المرة من المدرجات بعد عودة الجماهير من جديد لمساندة الفريق، «وراه فين ما يروح.. انصر يا رب الأبطال.. متصدر لا تكلمني». كان هذا آخر ما كتب شريف الفقي، الطالب بكلية الإعلام جامعة الأزهر ، قبل أن يعد نفسه للنزول إلى استاد الدفاع الجوي، والذي رحل قبل أن يعبر أبوابه.
ككثير ممن ظهرت عليهم علامات الترقب قبل الموت، ليظهروا وكأنهم أحسّوا بقرب النهاية، كتب«الفقي» قبل المباراة: « إلى اللقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان».
ترقب النهاية
لعل أبرز ما يتبادر للأذهان كلما ذكرت مأساة الدفاع الجوي تلك الصورة التي يظهر فيها أربعة أصدقاء حرصوا على أن يزينوها بابتساماتهم، إلا أن أحدهم أبى أن يطيح بنظره بعيدًا عن القفص الحديدي وعيناه يملأهما الحذر والخوف، لتمر الدقائق وينتقل الطالب بأكاديمية المستقبل، محمود نبيل، إلى بارئه، ويفهم أصدقائه لماذا سُرقت ابتسامة صاحبهم في آخر ذكر جمعّتهم.